بعد استئناف العلاقات الدبلوماسية بين المغرب وإسبانيا، يسعى البلدان الى المضي قدما في الإعداد لمشروع الربط الثابت بين إسبانيا والمغرب عبر حفر “نفق جبل طارق”، ما يعزز الروابط الجيواستراتيجية بين الرباط ومدريد.
وأكدت وزيرة النقل والأجندة الحضرية، الإسبانية راكيل سانشيز، في تصريحات نقلتها وسائل إعلام إسبانية، الاثنين، على “إعطاء دفعة جديدة للدراسات الخاصة بمشروع ذي أهمية جيواستراتيجية قصوى لبلداننا وللعلاقات بين أوروبا وأفريقيا”، وذلك بعد أربعة عشر عاما أي منذ أكتوبر 2009.
وأضافت المسؤولة الإسبانية عقب اجتماع جمعها مع نظيرها وزير التجهيز المغربي نزار بركة، في اجتماع اللجنة المشتركة الإسبانية – المغربية بشأن هذا المشروع، عبر تقنية الاتصال عن بعد، أن “إسبانيا والمغرب يبدآن رحلة جديدة من إعادة إطلاق هذا المشروع جنبًا إلى جنب مع شركة Secegsa الإسبانية المسؤولة عن إطلاق دراسة حول المشروع ونظيرتها المغربية sned”. وكانت الحكومتان في البلدين قد كلفتا هاتين الشركتين بدراسة الجدوى الاقتصادية للمشروع.
ويقول الباحث في العلاقات الدولية هشام معتضد إن المشروع ” له دلالات جيوسياسية وجيواستراتيجية مركبة ومتكاملة من أجل الدفع بعملية الانخراط المشترك بين الضفة الجنوبية والشمالية لحوض البحر الأبيض المتوسط إلى ديناميكية أكثر إنتاجا وأكبر حركية من أجل الاستجابة لتطلعات شعوب المنطقة على المستوى السياسي والاقتصادي والثقافي والاجتماعي.
ويرى معتضد، في تصريح لـه أن التفكير الجدي لإقامة هذا الربط القاري يترجم نضج الرؤى لكل من القيادة في الرباط ومدريد لما لهذا المشروع من آفاق إيجابية، ليس فقط على الشعبين المغربي والإسباني، وإنما على كافة الشعوب الأفريقية والأوروبية، موضحا أن “إتاحة التنقل عبر الرابط الثابت سيكفل انسيابية مرنة للمبادلات التجارية والتنقلات البشرية بين القارتين بشكل أكثر أمانا، مما سيشجع الفاعلين الاقتصاديين على الانخراط بشكل أكبر في تقوية الاستثمارات بين الضفتين ويتيح مجالًا مرونة لتدبير التنقلات التجارية”.
ويتزامن الاجتماع مع استئناف شركة Secegsa الإسبانية عملها في هذا المشروع، بعد عدة سنوات، من دون تخصيص الميزانية ذات الصلة؛ وهذه الشركة تم تكليفها بإجراء الدراسات اللازمة، وتتحدث الصحف الإسبانية عن ميزانية تقدر بـ2.3 مليون يورو من الأموال الأوروبية لتحديث الدراسات المتعلقة بالمشروع.
ويعد هذا المشروع إستراتيجيا لكلا البلدين، لكنه معلق منذ ما يقارب 40 عاما، ويهدف بالأساس إلى ربط قارة أوروبا مع قارة أفريقيا، حيث يبدأ حفر النفق في مضيق جبل طارق، على عمق 475 مترا تحت سطح البحر، وستكون هناك سكتا حديد ونفق مواز للخدمات وسيربط مالاباطا في مدينة طنجة بالمغرب وبونتا بالوما في طريفة الإسبانية.
وتنفيذ فكرة “نفق جبل طارق” ليس فقط مشروعا ذا أبعاد لوجيستية محضة، حسب هشام معتضد، وإنما اختيار تنزيله على أرض الواقع يعبر عن إرادة واقعية للتوجه السياسي، الذي اختاره المغرب وإسبانيا، من أجل المضي قدمًا إلى تحقيق اندماج متوسطي ذي بعد قاري وذلك للدفع بالتنمية البشرية والاجتماعية إلى تحقيق تطلعات الشعوب المعنية بهذا المشروع.
المشروع معلق منذ ما يقارب 40 عاما، ويهدف بالأساس إلى ربط قارة أوروبا مع قارة أفريقيا، حيث يبدأ حفر النفق في مضيق جبل طارق على عمق 475 مترا تحت سطح البحر
وكان العاهل المغربي الراحل الملك الحسن الثاني قد بحث مع ملك إسبانيا السابق خوان كارلوس بناء النفق بين البلدين، إذ في عام 1979 تم التوقيع على الإعلان المشترك بين إسبانيا والمغرب، حيث وعد البلدان بالتعاون في إجراء الدراسات، وعام 1995، تم إعداد مسودة أولية لكلا الخيارين الجسر المعلق أو النفق المحفور، إلى عام 2005، ركزت الدراسات على الجدوى الاقتصادية وتوقعات المرور، بينما تم الحفاظ على السبر على أعماق تزيد عن 300 متر، بالإضافة إلى الدراسات الاقتصادية والمالية.
ويرافق إنجاز المشروع عدد من العوائق، أولها أن منطقة جبل طارق تلتقي فيها الصفيحة التكتونية الأوروبية مع الصفيحة التكتونية الأفريقية، وهي عبارة عن تربة طينية ليست كلسية كتربة بحر المانش، كما أن المشروع قد يواجه اعتراضا من دول أوروبية تخشى موجات الهجرة غير النظامية.
غير أن التطور التكنولوجي الذي عرفته تقنيات إنجاز مشاريع الربط البحري، أدت في السنوات الأخيرة بمدريد والرباط إلى بحث إمكانية إنجازه، وقد خطا البلدان خطوات متقدمة في الشهور الأخيرة نحو إمكانية تنفيذ المشروع على أرض الواقع. ولا بد وأن هناك منافع الربط الثابت سياسية ودبلوماسية مرتبطة بصورة العلامة التجارية لخارطة الطريق المتفق عليها بين الرباط و مدريد.
ويقول معتضد إن “قيادتي البلدين عازمتان على خلق علامة تجارية خاصة للعلاقات الثنائية بين البلدين والتسويق لها على أساس نموذج حقيقي وواقعي لمقاربة رابح – رابح بين الشمال والجنوب وذلك باتخاذ خطوات أكثر جرأة وتقدمية، وأن هذا التوجه الجديد للعلاقات الثنائية بين البلدين، والذي يعتبر ‘نفق جبل طارق’ حلقة من حلقات مسلسله، يترجم الرغبة المسؤولة للجارين المتوسطيين بخلق فضاء جديد للتعاون الإستراتيجي بعيدًا عن التنافسية السياسية والمواجهات الفكرية التي تعتبر متجاوزة من منظور الواقعية السياسية والتدبير الاقتصادي المعاصر”.
وكانت الحكومتان في البلدين قد كلفتا شركة مغربية وأخرى إسبانية بدراسة الجدوى الاقتصادية للمشروع الذي سيسهل عبور 13 مليون طن من البضائع، و12.8 مليون مسافر سنويا على المدى المتوسط، وتتولى شركة ألمانية مهمة التنفيذ.