رفضت مكونات الأغلبية بمجلس النواب السعي إلى تشكيل لجنة نيابية لتقصي الحقائق، بشأن “واقعة استيراد الغازوال الروسي والشبهات المرتبطة بمدى شفافية عملياتها وسلامتها ومشروعيتها”.
واعتبرت الأغلبية أنها “توظيف وممارسة سياسوية ومزايدة من طرف المعارضة لا تستند على أي معطيات حقيقية تدعو إلى تشكيل لجنة لتقصي الحقائق حول الملف”.
وسجل رئيس فريق التجمع الوطني للأحرار الذي يقود الحكومة، أن “المعارضة تبني مبادرتها في ظل غياب أي وثائق تثبت وجود خرق قانوني في ما يتعلق باستيراد الغاز الروسي، وهو ما لا تقبله الأغلبية، لأنه لو كانت هناك وثيقة وحيدة من أي كان فستكون الأخيرة في مقدمة الداعمين بل المطالبين بتحريك كافة الآليات البرلمانية الرقابية، بما فيها لجنة تقصي الحقائق، لكشف الشبهات المتعلقة بالملف والمطالبة بمحاسبة المتورطين، باعتبارنا ممثلين للأمة”.
ولم تستطع أحزاب المعارضة الممثلة في الحركة الشعبية وحزب العدالة والتنمية وحزب التقدم والاشتراكية، الحصول على توقيعات ثلث أعضاء مجلس النواب، التي يشترطها الدستور لتشكيل لجان تقصي الحقائق، وهو ما يبدو متعذرا حتى إذا انضم الفريق الاشتراكي إلى قائمة الموقعين، إذ لن يتعدى عدد التوقيعات 98 توقيعا، فيما يتطلب تشكيل هذه اللجنة جمع أزيد من 131 توقيعا.
وأكد مصدر من داخل حزب الأحرار في تصريحات لـه ، أن هناك حزبا بعينه داخل المعارضة يعمل على اغتنام أي فرصة للنيل من رئيس الحكومة عزيز أخنوش، حيث ربطه بشكل تعسفي بموضوع استيراد الغاز الروسي لأنه يملك شركة “أفريقيا غاز”، مشيرا إلى أن هذه الشركة غير متورطة في هذا الأمر بأي شكل.
وردت مصادر من داخل نواب المعارضة أن المبادرة ليست للاسترزاق السياسي كما تدعي الأغلبية للهروب من مسؤوليتها، وقالت “بادرنا إلى هذا السلوك لوضع الأغلبية أمام امتحان الثقة، وكنا نعرف أننا لا نملك النصاب القانوني، لكن مع الأسف لم ينخرط نواب الأغلبية في هذه المبادرة، وكان هدفنا الكشف عن ملابسات هذا الموضوع وتنوير الرأي العام”.
وبحسب أحزاب المعارضة الموقعة، تأتي هذه المبادرة إثر ما تم تداوله من لجوء شركات متخصصة في الاستيراد الحر للمحروقات إلى اقتناء الغاز الروسي بكميات كبيرة، لكن مع أسئلة حارقة تتعلق بالوثائق الـمثبتة لمصدر هذا الاستيراد وأثمانه، وكذلك بالأرباح التي تحوم الشكوك حول مشروعيتها، وحول شفافية العمليات التجارية المرتبطة بها، علاوة على ما يمكن أن يكون قد حصل من مضاربات تأسست على إعادة تصدير الغاز الروسي المستورد، خارج الضوابط المعمول بها، وذلك إلى بلدان أخرى تحظر استيراده.
وتهدف مكونات مجلس النواب، من وراء هذه المبادرة، بحسب رسالة الموقعين عليها، إلى وقوف مجلس النواب على حقيقة هذه الشكوك والشبهات، لاسيما أن الموضوع له ارتباط وثيق بالأمن في مجال الطاقة، والفاتورة، وغلاء الأسعار، والقدرة الشرائية للمواطن المغربي، وقدرات المقاولة الوطنية، وبالمداخيل الضريبية المفترضة، وبحكامة عالم الأعمال.
ولفت رشيد لزرق، رئيس مركز شمال أفريقيا للدراسات والأبحاث وتقييم السياسات العمومية، في تصريح لـه، إلى أن الدستور منح المعارضة البرلمانية هذه الآلية الرقابية ويجب توظيفها دون خلفيات انتقامية، وإنما بغاية تمكين البرلمان والمواطن المغربي من الوقوف على مكامن خلل عمل الحكومة والمؤسسات التي تعمل تحت إشرافها، ومهمتها جمع المعلومات والتقصي بشأن هذا الموضوع.
◙ الأغلبية البرلمانية ترفض تشكيل هذه اللجنة حتى لا تعطي للمعارضة فرصة تسجيل نقاط سياسية على طريقة تدبيرها لملف المحروقات
وبحسب الفصل 67 من الدستور، يجوز أن تشكل بمبادرة من الملك، أو بطلب من ثلث أعضاء مجلس النواب، أو ثلث أعضاء مجلس المستشارين، لجان نيابية لتقصي الحقائق، يناط بها جمع المعلومات المتعلقة بوقائع معينة، أو بتدبير المصالح أو المؤسسات والمقاولات العمومية، وإطلاع المجلس الذي شكلها على نتائج أعمالها.
وأكد لزرق، في تصريحات لـه ، أن هذه الآلية الرقابية البرلمانية هدفها توضيح المسؤولية السياسية للحكومة حول الواقعة، وليس مفاجئا أن ترفض الأغلبية تشكيل هذه اللجنة حتى لا تعطي للمعارضة فرصة تسجيل نقاط سياسية على طريقة تدبيرها لملف المحروقات، مضيفا أن اللافت عدم توقيع الاتحاد الاشتراكي المعارض وتعطيله تفعيل إحدى الأدوات البرلمانية المهمة لاشتغال المعارضة، وهذا يعزز الشكوك في أن الاتحاد يهادن الحكومة طمعا في كرسي حكومي في التعديل المقبل.
وبعدما عرض رئيس فريق حزب الاتحاد الاشتراكي عبدالرحيم شهيد المبادرة على المكتب السياسي للحزب من أجل اتخاذ قرار حيالها، تحفظ الحزب المعارض على الانخراط فيها، وهو ما استدعى الإعلان عنها من طرف مكونات المعارضة الثلاثة فقط.
وحتى لا يحسب الحزب أنه يحابي الحكومة، خرج المكتب السياسي للاتحاد الاشتراكي، ببيان، يوضح أن “موقف البحث عن الخلاص الفردي الذي يبحث عنه كل مكون من مكونات الحكومة على حدة، لا يقوي الثقة في قدرتها على إيجاد الحلول وتحمل المسؤولية الدستورية والسياسية والأخلاقية الجماعية”.