شبهات فساد تلاحق وزراء في الجزائر وتحرج تبون
تحاول السلطة الجزائرية احتواء تداعيات سجن وزير تقلد المسؤولية في عهد الرئيس عبدالمجيد تبون، على خلفية شبهات فساد وتبديد للمال العام، في ظل أنباء متداولة عن إمكانية أن تطال التحقيقات وزراء آخرين، الأمر الذي إذا تحقق سيضع خيارات الرئيس موضع مساءلة.
سارعت السلطة الجزائرية إلى قطع الطريق أمام أي تأويل أو روابط مفترضة بينها وبين وقائع فساد مالي وسياسي طفت على السطح في الآونة الأخيرة، وذلك من خلال ربطها بالمرحلة السياسية السابقة، وإبعادها قدر الإمكان عما يعرف بمرحلة “الجزائر الجديدة”، لعلمها بتأثير ذلك على حظوظ الرئيس عبدالمجيد تبون في المرور إلى ولاية رئاسية ثانية، سواء لدى الشارع أو لدى دوائر صنع القرار.
وخصت برقية نشرتها وكالة الأنباء الرسمية الجزائرية، نسيم ضيافات الوزير المحال على السجن المؤقت مؤخرا بسبب الاشتباه في ضلوعه في قضية فساد مالي وسياسي بالاسم والتعليل، دون احترام لقرينة البراءة بانتظار الفصل النهائي في الملف المفتوح ضده، وذكرته بالقول “الوزير السابق، للأسف..”.
وقالت البرقية إن “قضية ضيافات ما هي إلا دليل على نهاية حقبة اللاعقاب حيث تتم حاليا معالجة الورم فورا لمنع تفشيه مثلما كان يحدث سابقا.. لقد شكلت قضية صدور أمر بالإيداع ضد الوزير السابق، ضيافات، فرصة سانحة لقوى الجمود التي غمرت شبكة الإنترنت بأخبار كاذبة سعيا لتحقيق هدفين، وهما تغليط الرأي الوطني والدولي حول وجود شيء فاسد في الجزائر الجديدة، وكذا زعزعة ثقة الإطارات من خلال خلق جو من الخوف والريبة”.
◙ امتداد التحقيق إلى وزير داخلية سابق محسوب على الرئيس تبون، يضع المشروع السياسي برمته على كف عفريت
وأضافت “فليطمئن الجميع، ليس ثمة تصفية حسابات ولا مطاردات وهمية، ولا حتى وجود لقائمة إطارات في مناصبهم أو بدونها تحت الرقابة القضائية. إن من ينقلون هذه المعلومات المغلوطة قد جانبوا الصواب لأن الواقع غير ذلك، فمن بين عشرات الآلاف من الإطارات ورؤساء المؤسسات في البلاد، لا يوجد سوى بعض العشرات خلف القضبان بسبب تورطهم في قضايا فساد”.
وجاءت البرقية لنفي محتوى معلومات متداولة حول امتداد تحقيقات أمنية وقضائية بشأن ملفات فساد مالي وسياسي، إلى وزراء كانوا منذ أشهر قليلة ضمن الفريق الذي قاده عبدالعزيز جراد أو أيمن بن عبدالرحمن.
وذكرت الأنباء المتداولة أنه بعد إحالة الوزير المنتدب لدى الوزير الأول المكلف بالمؤسسات المصغرة نسيم ضيافات على السجن في غضون الأسبوع الماضي، يخضع وزراء آخرون لتحقيقات أمنية وقضائية قد تحيلهم إلى نفس المصير، ويتعلق الأمر بكل من وزير السياحة ياسين حمادي، ووزيرة البيئة سامية موالفي، وحتى وزير الداخلية كمال بلجود.
وشددت البرقية على ربط الفساد في البلاد بالمرحلة السياسية السابقة دون الحالية، بقولها “ما كان بالأمس القريب، من فضائح فساد تعم البلاد وعديد الاختلاسات وتهريب الأموال وجميع أشكال الاتجار ناهيك عن تواطؤ الأوليغارشية المفترسة مع مسؤولين سامين في الدولة، قد ولى نهائيا”.
وقالت “لقد تراجع عدد قضايا الفساد في جزائر ما بعد الحراك أي منذ سنة 2020، عدا بعض القضايا هنا وهناك التي لا تدعو للقلق، وحتى إن لم تتوصل الجزائر إلى اجتثاث الفساد كليا فمظاهره تبقى ضئيلة للغاية حيث شهدت معدلات الفساد تراجعا ملحوظا”.
ويبدو أن طموح عراب مشروع “الجزائر الجديدة” الرئيس تبون تأثر بشكل سريع بالسقوط المفاجئ لأذرع سياسية كانت إلى وقت قريب تمثل وجوها وزارية في حكومته، ولذلك تحاول الوكالة الرسمية فك الارتباط بينها وبين من تدور عليهم دائرة الحرب على الفساد.
ويعتبر الوزراء المذكورون من جيل الشباب الذين استقدمتهم السلطة في السنوات الأخيرة، من أجل إقناع الحراك الشعبي الذي يتألف في جله من الشباب بالإقلاع عن الاحتجاج السياسي والانخراط في العمل المؤطر، وللتأكيد على حرصها على إصلاح الأوضاع السياسية والاجتماعية في البلاد، بفسح المجال أمام الطاقات والكفاءات الشبابية لتسيير وإدارة الشأن العام.
غير أن سجن واحد منهم وإخضاع آخرين للتحقيق بسبب شبهات الفساد يدحضان مقاربة السلطة في تطهير الساحة وأخلقة العمل السياسي الذي يدخل ضمن التعهدات التي أطلقها الرئيس تبون خلال حملته الانتخابية في رئاسيات ديسمبر 2019، ويؤكدان أن الفساد في الجزائر لا يرتبط بأشخاص وإنما بمنظومة سياسية جاذبة للفساد أو محفزة عليه، وأن ضلوع الشباب في المستنقع هو تكريس لتدوير الفساد بين أجيال وأذرع السلطة.
ولو تعلقت المسألة في الغالب بوزراء من الصف الثاني في الحكومة، كالمؤسسات المصغرة والسياحة والصناعات التقليدية والبيئة، وهي حقائب لا وزن لها مقارنة بالوزارات السيادية، فإن امتداد التحقيق إلى وزير داخلية سابق محسوب على الرئيس تبون يضع المشروع السياسي برمته على كف عفريت.
◙ طموح مشروع تبون يبدو أنه تأثر بشكل سريع بالسقوط المفاجئ لأذرع سياسية كانت تمثل وجوها في حكومته
وبلجود، الذي شغل منصب وزير الداخلية في حكومات سابقة، هو شخصية مخضرمة تدرجت في السلم الإداري لمختلف الإدارات المركزية، منذ أن كان مدير ديوان وزير السكن السابق والرئيس الحالي تبون، فضلا عن الداخلية، وهو ما مكنه من الاطلاع والتحكم في العديد من الملفات، الأمر الذي يجعل ضلوعه في أي وضع مشبوه طعنة في المشروع السياسي الجديد للسلطة، ولغما سينفجر في طريق الولاية الرئاسية لتبون.
ومنذ تفجر ما يعرف بفضيحة شحنة الكوكايين الضخمة التي ضبطت في مايو 2018 بسواحل مدينة وهران، والتي مازالت ارتداداتها قائمة إلى غاية الآن في مختلف المؤسسات المدنية والعسكرية، ظلت حرب الفساد التي تحولت إلى كسر عظام بين أجنحة السلطة مقتصرة على ما أنتجته مرحلة الرئيس الراحل عبدالعزيز بوتفليقة، ولم تنتقل عدواها إلى النخبة الجديدة إلا مع الوزير نسيم ضيافات، ومن سيرافقه في التطورات المقبلة.
وكان قاضي التحقيق لدى القطب المالي والاقتصادي بمحكمة سيدي امحمد في العاصمة الجزائرية، أمر بحبس الوزير المنتدب السابق ضيافات على ذمة التحقيق في قضية فساد كبرى تتعلق بإحدى أكبر شركات الحديد والصلب في الجزائر.
وتأتي القضية في إطار تحقيقات كبرى طالت المجمّع العمومي للصناعات المعدنية والحديدية “إيمتال”، والتي جرى خلالها التحقيق مع الوزير المنتدب السابق والمدير العام للشركة الجزائرية لإنشاء المنجزات والهياكل المعدنية، و37 شخصًا آخرين، في وقائع فساد.
ويواجه ضيافات اتهامات باستغلال النفوذ وتبديد أموال عمومية وتقديم امتيازات غير مستحقة للغير، حيث تشير معطيات إلى أنه تدخل لصالح أفراد عائلته للحصول على صفقات بطريقة مشبوهة وغير قانونية وباستغلال نفوذه، على مستوى أحد فروع مجمّع إيمتال. وكان قاضي التحقيق أمر بإخضاع زوجته وشقيقته وزوجة شقيقه لإجراءات الرقابة القضائية التي تعني حضورهم دوريا للمحكمة من أجل التوقيع في انتظار محاكمتهم.