تتخذ الولايات المتحدة من منطقة الساحل أولوية ضمن خطتها العشرية لمنع الصراعات وتعزيز الاستقرار، وهي في حاجة إلى دعم من حلفائها التقليديين في المنطقة الأفريقية في مقدمتهم المغرب لإنجاح جهودها.
وقد شكلت هذه المسألة محور مباحثات بين رئيسي المخابرات المغربي عبداللطيف حموشي والأميركي وليام بيرنز، قبل يومين، حيث جرى تقييم الوضع الأمني والمخاطر المرتبطة به على المستويين الإقليمي والمحلي، ودراسة التهديدات والتحديات واستشراف مخاطر التنظيمات الإرهابية، خاصة في منطقة الساحل والصحراء.
وتُعِدُّ الولايات المتحدة مساعدة طويلة الأمد لساحل العاج وبنين وتوغو وعدد من الدول في غرب أفريقيا مع تزايد المخاوف من أن يمتد العنف الجهادي إلى الساحل الغربي لأفريقيا.
وأوضح بلاغ للمديرية العامة لمراقبة التراب الوطني، (المخابرات الداخلية)، أن زيارة بيرنز تعكس متانة وعمق علاقات التعاون الإستراتيجي والتنسيق الأمني والاستخباراتي الثنائي، وتأكيدا للرغبة المشتركة للطرفين في تدعيم هذا التعاون وتوطيد التنسيق البيني في مجال مكافحة الإرهاب والتصدي لمختلف التهديدات الأمنية على الصعيدين الإقليمي والدولي.
وقال خالد الشرقاوي السموني، مدير مركز الرباط للدراسات السياسية والإستراتيجية، إن تجربة المغرب في المجال الأمني بوأته مكانة متميزة على الصعيد العالمي.
وأشار الشرقاوي السموني، في تصريحات لـه، إلى أن التعاون المغربي – الأميركي كبير ومتنام من أجل تعزيز الأمن والاستقرار العالميين، وخلق جبهة مشتركة لمكافحة التهديدات الإرهابية العابرة للقارات، خاصة أن المغرب بموقعه الإستراتيجي وعلاقاته مع العمق الأفريقي وخبرته في المجال الأمني يعتبر حجر الزاوية في معادلة الاستقرار الأمني في المنطقة.
ويعكس تكثيف الزيارات المتبادلة بين المسؤولين الأمنيين الأميركيين ونظرائهم المغربيين في الآونة الأخيرة، طبيعة العلاقات الثنائية المتقدمة وتناغم في الرؤى المتعلقة بالاستقرار والأمن في المنطقة وكذا في الصحراء والساحل. واعتبر مراقبون أن استقبال حموشي، في فبراير الماضي بالرباط، لكريستوفر راي، مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي، في إطار زيارة عمل إلى المملكة على رأس وفد رفيع المستوى لوضع برنامج عمل مشترك بين الطرفين، يعكس حرصا أميركيا على المؤسسة الأمنية المغربية في مكافحة الإرهاب في منطقة الساحل والصحراء التي تعد بؤرة لتجمع عدد من الجماعات الإرهابية.
وفي إطار الجهود الأميركية لتعزيز الحضور في أفريقيا، زارت نائبة الرئيس الأميركي كامالا هاريس، غانا الشهر الماضي وأعلنت عن تقديم مئة مليون دولار على مدى عشر سنوات لتعزيز الصمود في منطقة غرب أفريقيا الساحلية، كما يدرس مسؤولون بوزارة الخارجية حاليا منح تمويل إضافي بما في ذلك من ميزانية مكافحة الإرهاب.
وبموازاة الزيارة التي قام بها رئيس المخابرات الأميركية للمغرب قام وفد عن الخارجية بجولة شملت عددا من دول غرب أفريقيا، حيث صرح مايكل هيث نائب مساعد وزير الخارجية المسؤول عن غرب أفريقيا لفرانس برس “إن تصاعد العنف في مناطق متاخمة لمالي وبوركينا فاسو تهديد كبير ومتزايد، وإنها مسألة تثير قلقنا لأن قدرات الحكومات الموجودة حاليا لم تواجه تهديدا كهذا من قبل، وهم يحاولون التعامل مع هذا ونحاول معرفة نوع الأدوات التي يحتاجون إليها”.
وتنشط بمنطقة الساحل والصحراء خلايا وتنظيمات إرهابية متعددة، مثل تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، وجماعة نصرة الإسلام والمسلمين، وولاية الدولة الإسلامية في منطقة الصحراء الكبرى، وهي تهدد استقرار دول غرب أفريقيا وأمنها والمصالح الدولية.
ورأى غريغوري لوجيرفو المسؤول الكبير في مكافحة الإرهاب في وزارة الخارجية الأميركية الذي كان ضمن الوفد، أن “العقيدة الأمنية الأميركية مبنية على محاربة الإرهاب ومنع تحول الساحل إلى بؤرة جديدة للتنظيمات الإرهابية وكل ما يرتبط بشؤون الأمن والاستقرار في منطقة الساحل، لاسيما بعدما سعت الجزائر لتسهيل وصول قوات فاغنر الروسية إلى المنطقة”.
واعتبر الشرقاوي السموني أن ما تقوم به الإدارة الأميركية على كافة المستويات يكرس ما يمكن أن نطلق عليه “الدبلوماسية الأمنية” التي ترتكز على مقاربة جديدة في التعاون الأمني بين المملكة المغربية والولايات المتحدة، من أجل خلق توازن أمني إقليمي جديد، خاصة بعد انسحاب القوات الفرنسية من منطقة الساحل.
وفي آخر زيارة له إلى واشنطن أكد ناصر بوريطة وزير الخارجية أنه ناقش خلال الاجتماع الذي جمعه بنظيره أنتوني بلينكن “الجهود الهادفة إلى الدفع قدما بالسلام والأمن الإقليميين، بما يجسد دور المغرب في ضمان الاستقرار، في مواجهة سلسلة التحديات التي يعرفها الشرق الأوسط وأفريقيا”.
وكان المدير العام لمراقبة التراب الوطني المغربي قام بزيارة إلى الولايات المتحدة بتاريخ 13 و14 يونيو 2022، تندرج في إطار المشاورات المنتظمة من أجل تقوية الشراكة الإستراتيجية أمنيا وسياسيا التي تجمع بين المغرب والولايات المتحدة، والتشاور بشأن مختلف القضايا الإقليمية والدولية، حيث التقى خلالها بأفريل هاينز مديرة أجهزة المخابرات الأميركية، ووليام بيرنز مدير وكالة الاستخبارات المركزية، وكريستوفر راي مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي.