ثاني ظهور لتبون على الجزيرة: قطر تمرر سياساتها على لسان الرئيس الجزائري
أثار ظهور ثان مطول للرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون على قناة الجزيرة القطرية التساؤلات، خاصة أنه تحدث بإطناب في حواره الأول عن رؤيته لعلاقات الجزائر الخارجية وسعى إلى تحميل الآخرين مسؤولية التوترات التي تشهدها علاقات بلاده مع نظيراتها.
يأتي هذا فيما يقول مراقبون إن قطر تجد في تحمّس الرئيس الجزائري لتسجيل حضوره إعلاميا فرصة لتمرير سياساتها تجاه منطقة شمال أفريقيا التي ركز عليها أثناء حواره الجديد، في وقت لم تتعاف فيه صورة الدوحة في المنطقة من مخلفات تدخلاتها خلال موجة “الربيع العربي”.
وتعرف قطر جيدا أن تبون هو الزعيم الوحيد الذي لديه استعداد للظهور على الجزيرة، ولأجل ذلك فتحت أمامه الطريق ليتحدث مطولا في مناسبتين، وبإسهاب في المرة الأولى عن المغرب، وفي الثانية عن ليبيا وتونس، ما يسمح للقناة باستعادة الاهتمام الذي فقدته بسبب تدخلاتها الموجهة لخدمة أطراف بعينها في الساحتين الليبية والتونسية، وهو ما أثار ضدها غضبا شعبيا واسعا.
قطر تجد في تحمّس الرئيس الجزائري لتسجيل حضوره إعلاميا فرصة لتمرير سياساتها تجاه منطقة شمال أفريقيا
ويقول المراقبون إن قطر لم تعد تستطيع التأثير بشكل مباشر في ما يجري بليبيا أو تونس لأنها تعرف أن الناس سيقفون في الصف المقابل لتحركها وسيتهمونها بالسعي لدعم الإسلاميين مجددا، ولهذا تعمل على تمرير مواقفها وسياساتها ورسائلها على لسان الرئيس الجزائري.
ومن أجل تبرير تدخله في الحديث عن تونس وليبيا في وقت يعلن فيه عن رفضه للتدخلات الأجنبية في المنطقة، سعى تبون إلى الترويج لفكرة حياد الجزائر، وأنها تقدم النصيحة للأطراف الداخلية التي ساوى بينها في الاعتبار بقطع النظر عن شرعيتها، وأنها “تقف على مسافة واحدة” من جميع الفرقاء.
وفي حديثه عن ليبيا حث تبون على إجراء الانتخابات لكونها “الحل الشرعي الوحيد” حتى لو لم تكن فيها مشاركة الليبيين بنسبة مئة في المئة، معتبرا أنّ وجود الميليشيات لن يكون مانعا لإجراء هذه الانتخابات.
ومن شأن تقديم الانتخابات على مسار تفكيك الميليشيات، الذي تدفع إليه البعثة الأممية، أن يفتح الباب لاستمرار نفوذ المجموعات المسلحة الموجودة في غرب ليبيا، وهي مجموعات إسلامية كان العديد منها قد حصل على دعم قطري في بداية الحرب الليبية – الليبية التي تلت سقوط العقيد الراحل معمر القذافي.
ويفتح هذا المقترح الباب أمام نجاح قادة هذه الميليشيات في الانتخابات، وأن يكون لها تأثير مباشر في توجيه النتائج ولو بشكل غير مرئي من خلال التهديدات أو العمل على إنجاح ممثلين للتحالفات المناطقية والقبلية التي ساهمت في بقاء هذه المجموعات إلى حد الآن.
ولم ينس الرئيس الجزائري التذكير بأنّه رفض استقبال “بعض المؤثرين داخليا في المشكل الليبي لتصرفاتهم”، في إشارة خفية إلى أن بلاده التي تحرص على “الحياد” تقف في صف شق ليبي على حساب آخر لا يتماشى مع مزاجها ومع تحالفاتها الإقليمية. ويمكن الإشارة هنا إلى موقفها السلبي من قائد الجيش الوطني المشير خليفة حفتر.
ومن سياسة “الحياد” ابتدع الرئيس الجزائري فكرة جديدة سماها المشاركة “بلطف” في الحوار السياسي في تونس، دون انحياز إلى أي طرف، بهدف لمّ شمل الفرقاء التونسيين ومن منطلق حرص الجزائر على منع انهيار الدولة التونسية، وفق ما جاء في المقابلة الخاصة مع الجزيرة بودكاست.
وردا على سؤال حول عدم ارتياح بعض الأطراف التونسية لموقف الجزائر من الوضع السياسي الراهن، أجاب تبون “نحن نبغي (نريد) الاستقرار لتونس، ونحاول (أن) نشارك في الحوار (السياسي التونسي) بلطف كأشقاء ودون تدخل” لصالح طرف، بهدف “لمّ (شمْل) الفرقاء”. وأضاف الرئيس الجزائري “وأي خطوة نخطوها (في هذا الاتجاه) تكون بعلم الرئيس واتحاد الشغل”.
قطر لم تعد تستطيع التأثير بشكل مباشر في ما يجري بليبيا أو تونس، ولهذا تعمل على تمرير مواقفها وسياساتها ورسائلها على لسان الرئيس الجزائري
ويتضمّن هذا الكلام تناقضا واضحا مع تصريحات سابقة أدلى بها الرئيس الجزائري، حيث قال فيها إن “الرئيس قيس سعيد يمثل الشرعية في تونس”.
ويتساءل المراقبون: إذا كان قيس سعيد يمثل الشرعية، فأي حوار تريد أن تشرف عليه الجزائر وتساوي فيه بين من يمتلك شرعية شعبية وبين أطراف بلا شرعية؟ وما مبرر وجود اتحاد الشغل في هذا “الحوار السياسي” الذي تسعى لرعايته؟
ويرى المراقبون أن هذه الصيغة الفضفاضة للحوار، التي لم يسبق أن أشار إليها تبون في لقاءاته مع قيس سعيد أو في تصريحات سابقة، تبدو جديدة وتمثل مقاربة جهة أخرى، وهي مقاربة قطر التي تبحث عن مدخل لإحياء دور حركة النهضة الإسلامية التي خسرت معركتها الاعتبارية مع الرئيس سعيد وباتت ملاحقة بالاتهامات.
وشهدت العلاقات التونسية – القطرية حراكا واضحا من خلال تبادل الزيارات والرسائل، لكن الدوحة لم تنفذ أيا من وعود الدعم التي عرضتها على السلطة التونسية، في خطوة ربطها مراقبون برفض قيس سعيد أي تدخلات خارجية في موضوع حركة النهضة ورئيسها راشد الغنوشي.
وظهر التناقض مجددا في كلام الرئيس الجزائري حين ذكر أن ما يهم في المقام الأول هو أن “نعاون تونس كدولة وشعب، وألا نجعل الدولة التونسية تنهار”، في الوقت الذي لم تَخْطُ فيه الجزائر أي خطوة للوقوف إلى جانب جارتها الشرقية التي تعاني ظروفا اقتصادية صعبة.