ترتيبات جزائرية – فرنسية لتأمين زيارة تبون من المفاجآت غير السارة
تراهن فرنسا والجزائر على الزيارة المرتقبة للرئيس عبدالمجيد تبون إلى باريس من أجل استكمال المسار الذي خطته زيارة سابقة لنظيره إيمانويل ماكرون. لكنّ مراقبين يرون أن هذا الحرص لا يكفي في ظل الهشاشة التي تطبع العلاقات الثنائية، والتي ظهرت بشكل جلي مع أول اختبار للشراكة التي أعلنها الطرفان.
قالت أوساط سياسية إن ترتيبات جزائرية – فرنسية تجري لتأمين زيارة الرئيس عبدالمجيد تبون، من الفخاخ التي الممكن أن تحول دونها في ظل الحساسية التي تشهدها العلاقات الثنائية. وتشير الأوساط إلى أن باريس والجزائر لا تريدان العودة إلى وضعيات سابقة، أين استطاعت بعض المستجدات الطارئة أن تنسف جهودا كاملة بذلت من طرف القيادتين السياسيتين خلال الأشهر الماضية.
وتلفت الأوساط إلى أن الطرفين يبدوان عازمين على وضع النقاط الخلافية العالقة بينهما ومنها مسألة النشطاء الجزائريين الذين يتخذون من باريس منطلقا لنشاطاتهم وتحركاتهم المعارضة للسلطة السياسية في بلادهم. وتشير الأوساط ذاتها إلى أن الجزائر في حاجة إلى التهدئة مع فرنسا في ضوء تدهور علاقاتها مع قوى أوروبية، مثل إسبانيا، وهي في حاجة إلى صوت أوروبي يأخذ بعين الاعتبار مصالحها، لاسيما في ظل الضغوط والتحديات الخارجية التي تواجهها.
واستعرض وزير الخارجية الجزائري أحمد عطاف مع نظيرته الفرنسية كاثرين كولونا، في اتصال هاتفي الاثنين، سبل تعزيز العلاقات الثنائية في أفق الاستحقاقات الثنائية المتفق عليها، لاسيما زيارة الدولة التي سيقوم بها الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون إلى فرنسا.
◙ باريس والجزائر لا تريدان العودة إلى وضعيات سابقة، أين استطاعت بعض المستجدات أن تنسف ما تحقق
وكانت زيارة تبون المقرر إجراؤها إلى باريس في مايو المقبل والمعلن عنها منذ عدة أشهر قاب قوسين أو أدنى من الإلغاء أو الإرجاء، بسبب التوتر الدبلوماسي المفاجئ بين البلدين، مطلع شهر فيفري الماضي، في أعقاب قضية الناشطة السياسية المعارضة الفرنكو – جزائرية أميرة بوراوي، التي كانت فرت من بلدها الأصلي عبر التراب التونسي إلى باريس بمساعدة سلطات أمنية ودبلوماسية فرنسية لها.
ورغم التزام فرنسا حينها الهدوء تجاه الحادثة، حيث اكتفى الناطق باسم الخارجية بإصدار تعليق مقتضب، فإن الجزائر صعّدت من لهجتها عبر ما عرف ببرقية وكالة الأنباء الرسمية التي وجهت الاتهام لـ”مصالح الأمن الخارجي، والجهاز الدبلوماسي، وفريق من مستشاري الرئيس ماكرون، ذوي الأصول الجزائرية، بالوقوف وراء توتير العلاقات بين البلدين، وافتعال حوادث استعمارية مستلهمة من زمن الحرب الباردة”.
لكنّ الرئيسين عبدالمجيد تبون وإيمانويل ماكرون استطاعا على ما يبدو تجاوز الأزمة بعد الاتصال الذي جرى بينهما خلال الأيام الأخيرة، أين تم الاتفاق على عودة السفير الجزائري إلى منصبه بباريس وهو ما تم فعلا، ووضع حادثة الناشطة السياسية المعارضة في حجمها دون تضخيمها، فضلا على تأكيد زيارة تبون إلى باريس شهر مايو المقبل.
وذكر بيان للخارجية الجزائرية بأن “الوزيرين أحمد عطاف، وكاترين كولونا قيّما خلال الاتصال الذي يأتي في أعقاب المكالمة الهاتفية التي تمت بتاريخ 24 مارس الماضي بين تبون وماكرون، التقدم المحرز في معالجة الملفات الكبرى التي يفترض أن تشكل جوهر زيارة الرئيس الجزائري إلى فرنسا”. وأضاف البيان “قام الوزيران بتعيين جهات اتصال لتنسيق التعاون الثنائي في مختلف القطاعات، تجسيدا لما تضمنه إعلان الجزائر من أجل شراكة متجددة بين الجزائر وفرنسا”.
ويراهن الطرفان على إنجاح زيارة تبون المنتظرة، من أجل دفع المسار الذي بدأ به الرئيس ماكرون خلال زيارته إلى الجزائر في شهر أغسطس الماضي. وتكتسي زيارة الرئيس الجزائري أهمية قصوى في تحديد مسارات الشراكة الإستراتيجية والتحالفات، كونها تتزامن أيضا مع زيارة أخرى منتظرة للرئيس تبون إلى موسكو في نفس الشهر.
وكان السفير الجزائري لدى فرنسا سعيد موسى قد عاد إلى ممارسة مهامه بعد استدعائه للتشاور مطلع فبراير احتجاجا على ما وصف بـ”تهريب” ناشطة سياسية معارضة محل متابعة من طرف قضاء بلدها الأصلي. وذكر بيان للسفارة الجزائرية في باريس، في وقت سابق بأن “السفير موسى عاد إلى ممارسة مهامه بباريس والتقى فور عودته مع الأمينة العامة لوزارة الشؤون الخارجية الفرنسية آن ماري ديسكوت “.
وأضاف أن “اللقاء شكل فرصة لاستعراض الاستحقاقات الثنائية القادمة في إطار الأجندة السياسية التي اتفقت عليها السلطات العليا الجزائرية والفرنسية”، وهو ما كان قد لمّح إليه الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون في تصريح له لوسائل إعلام محلية، حول “قرب عودة السفير إلى منصبه لدواع مهنية وسياسية”.
◙ الجزائر في حاجة إلى التهدئة مع فرنسا في ضوء تدهور علاقاتها مع قوى أوروبية وصوت أوروبي يراعي مصالحها
وكانت تقارير محلية، تحدثت في وقت سابق بأن “الرئيس الجزائري أبلغ نظيره الفرنسي بعودة سفير بلاده إلى باريس قريبا، وأن الرئيسين تناولا في اتصالهما مختلف القضايا والملفات المشتركة، بما فيها تهريب وإخراج رعية تحمل جنسية مزدوجة، جزائرية ـ فرنسية، من قبل المصالح القنصلية الفرنسية في بتونس”.
وأكدت التقارير على أن الرئيسين اتفقا على “تعزيز وسائل الاتصال بين إدارتي الدولتين، حتى لا تتكرر مثل هذه الحالات”، وهو ما يوحي بأن الفرنسيين انزعجوا من أداء الإعلام الجزائري تجاه القضية، خاصة وأن الوكالة الرسمية ذهبت إلى أبعد الحدود في توجيه الاتهام إلى مؤسسات سيادية فرنسية.
وشكل ذلك الاتصال خطوة مهمة لطي صفحة الأزمة الدبلوماسية بين البلدين، وعبّرا عن عزمهما تعزيز التعاون الثنائي، بعد إزالة “سوء التفاهم” المرتبط بالخلاف حول الناشطة بوراوي، والاتفاق على تعزيز قنوات الاتصال لمنع تكرار هذا النوع من سوء التفاهم، لكن العلاقات الجزائرية – الفرنسية تبقى من بين العلاقات الأكثر عرضة للهشاشة والتشويش بسبب الحساسية المفرطة بين البلدين.
وتحاول الجزائر بالزيارة المنتظرة للرئيس تبون إلى باريس بعد أسابيع قليلة أن تؤكد على توازن علاقاتها وتكافئها حتى مع أطراف الصراع الكبرى في العالم، لأن شهر مايو القادم سيكون فاصلا زمنيا مهما في مسار الدبلوماسية الجزائرية وتحديد خياراتها الإستراتيجية، لأن أجندة تبون تتضمن باريس وموسكو بما تحملانه من تناقضات وتجاذبات إقليمية ودولية.