الاحتقان في مخيمات تندوف ينذر بالخروج عن السيطرة
تشهد مخيمات تندوف حالة احتقان متصاعدة على القيادة الحالية لجبهة بوليساريو الانفصالية، تطورت إلى حرق مقرات ما يسمى بـ”الدرك الصحراوي”.
ويرى نشطاء أن مخيمات تندوف تشهد حالة من عدم الاستقرار غير المسبوق في ظل تنامي الرفض الشعبي لقيادة إبراهيم غالي، والذي قابله بالمزيد من التجاوزات والانتهاكات في حق السكان.
وقامت مجموعة من سكان المخيمات ليلة الجمعة بمهاجمة مقر ما يسمى بـ”درك بوليساريو” بمخيم الداخلة، وعمدت إلى إحراقه انتقاما من سوء المعاملة من طرف عناصر هذا الجهاز التي دشنت حملات مداهمة خلال شهر رمضان استهدفت التعدي على عائلات بينها نساء وأطفال.
وحول الواقعة، قال مصطفى سلمى ولد سيدي مولود، القيادي السابق ببوليساريو، إن سيارة تابعة لدرك بوليساريو طاردت سيارة مدنية كانت تتجول في مخيم الداخلة مخترقة قانون حظر الحركة بعد منتصف الليل في المخيمات، الذي يلزم منتهكه بدفع غرامة مليون سنتيم جزائري.
ووصلت المطاردة إلى داخل أحد التجمعات السكانية، عندما اشتبه أفراد درك بوليساريو بأن صاحب السيارة دخل أحد منازله، فاقتحموا المنزل في تلك الساعة المتأخرة من الليل، وكل ما يفكرون فيه هو المليون الذي سيتقاسمونه، وتعرض من في المنزل للضرب والتعنيف ولم يكن به غير نسوة وشيخ.
ما يحدث داخل المخيمات من توتر متواصل سببه تآكل الرأسمال الرمزي لقيادة بوليساريو الذي راكمته بترويج الأكاذيب
وأضاف ولد سيدي مولود، في تدوينة على صفحته الرسمية فيسبوك، أن في الليلة التالية تجمع حشد غاضب من أبناء عمومة الأسرة التي تم الاعتداء عليها وانتهكت حرمتها، وهاجموا مقر فرقة درك بوليساريو وأحرقوا كل ما فيه من سيارات وخربوا المقر بالكامل، موردا أن هذه الحادثة هي صورة مصغرة عن رحلة بوليساريو الفاشلة التي ستكمل عقدها الخامس.
وقال منتدى دعم الحكم الذاتي في المخيمات، المعروف اختصارا بـ”فورساتين”، إن “الغضب بدأ يتصاعد داخل المخيمات، إلى أن وصل حدا لا يطاق، لتبدأ الجماهير بالتنفيس عن نفسها، وتتحرر من عقدة الخوف وتهجم بشكل جماعي على مقر مهم وقلعة من قلاع ميليشيات بوليساريو المسلحة”، مشيرا إلى أن الأمر مدفوع بغضب عارم ضد عناصر الجبهة التي نفذت العديد من المداهمات وحملات التعنيف في الآونة الأخيرة.
وأكد نبيل الأندلسي، الباحث المتخصص في العلاقات الدولية، في تصريحات لـه ، أن ما حدث يدخل ضمن الانتهاكات الممنهجة لحقوق الإنسان والانفلات الأمني الذي تعرفه المخيمات، مشددا على أن فساد قيادة الجبهة الانفصالية، وانغماسها في الريع والاستفادة غير المشروعة من المساعدات الإنسانية، يدفعها إلى استعمال كافة الوسائل لإبقاء الوضع كما هو داخل المخيمات.
وأكد محمد سالم عبدالفتاح، رئيس المرصد الصحراوي للإعلام وحقوق الإنسان، في تصريحات لـه ، وجود حالة من التمرد والانقسام داخل مخيمات تندوف، وأن الاحتجاجات التي تتورط في تأجيجها قيادات بتنظيم بوليساريو أخذت طابعا قبليا، حيث عمدت قيادة الجبهة الانفصالية إلى اقتحام البيوت وترويع المدنيين.
وتعيش مخيمات تندوف على وقع احتجاجات منذ شهور، يشارك فيها داعمون لمقترح الحكم الذاتي للصحراء تحت السيادة المغربية، ووفق منتدى “فورساتين” فإن عقب مؤتمر بوليساريو في يناير الماضي جرى الهجوم على مقرات الجبهة لمنع تسليم السلطة للقياديين والتناوب على المناصب فيما بينهم.
وتنفذ الجبهة عبر “جهاز الدرك” حملات مداهمة على مساكن المعارضين، مستعملة أسلوب العقاب الجماعي ضد عائلاتهم، وعادة ما يكون الهجوم في وقت باكر لتخلف الذعر في نفوس المستهدفين، لتتطور الأمور مؤخرا بالاعتداء الجسدي على النساء، وهو أمر يتحول إلى “عار” لدى القبائل الصحراوية.
وقال مراقبون إن ما يحدث داخل المخيمات من توتر متواصل سببه تآكل الرأسمال الرمزي لقيادة بوليساريو الذي راكمته بترويج الأكاذيب، حيث انفضحت تلك القيادات من خلال سياسة التمييز داخل المخيمات على أساس قبلي، ما خلق صراعات داخلية، زاد من تأجيجها سجن شباب صحراويين وتعذيبهم والاعتداء على شيوخ ونساء.
الاحتقان الداخلي ازداد بعدما اعترفت إسبانيا بمبادرة الحكم الذاتي بالصحراء المغربية، كحل واقعي وموضوعي وذي مصداقية
ولفت رئيس المرصد الصحراوي للإعلام وحقوق الإنسان إلى أن هذه الأحداث تدل على عجز قيادة الجبهة وتفككها وعدم قدرتها على ضبط الأوضاع الأمنية بمخيمات تندوف، كما أضحت تؤثر على قدرتها التأطيرية داخل المخيمات، الأمر الذي يؤشر إلى تصاعد وتيرة الاحتجاجات وإلى المزيد من التصعيد والتوتر.
وازداد الاحتقان الداخلي بعدما اعترفت إسبانيا بمبادرة الحكم الذاتي بالصحراء المغربية، كحل واقعي وموضوعي وذي مصداقية، وهو التحول السياسي الذي فاجأ قيادة بوليساريو بعدما كانت تراهن على مدريد في استطالة أمد الصراع المفتعل، ويزداد الوضع الحقوقي والإنساني تأزما داخل مخيمات تندوف، ما ينذر بانفجار بسبب استفحال سرقة المساعدات الغذائية المقدمة من طرف المنظمات الإنسانية وتحويلها إلى مقرات الدرك والميليشيات.
وأكد محمد سالم عبدالفتاح، في تصريح له أن الجبهة تعيش مرحلة التفكك بسبب الفوضى التنظيمية والفشل في تدبير المخيمات، خاصة ما يتعلق بنهب وسرقة المساعدات الإنسانية، وهو ما انعكس على منظومتها القمعية التي باتت منفلتة، في نتيجة طبيعية لممارسات بوليساريو العنصرية والاستئصالية في حق كل مكونات المخيمات.
وقدمت منظمة التواصل الأفريقي والنهوض بالتعاون الاقتصادي الدولي، الموجود مقرها بجنيف السويسرية، في وقت سابق تقريرا أمام مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، عبرت فيه عن قلقها الشديد إزاء أوضاع حقوق الإنسان في مخيمات تندوف والانتهاكات التي ترتكبها أجهزة جبهة بوليساريو، موجهة نداء للمجتمع الدولي من أجل إنهاء هذا الوضع.
وارتباطا بما يقع داخل مخيمات تندوف من طرف قيادة بوليساريو، دعت هيئات جمعوية في “إعلان جنيف” المنبثق عن ندوة نظمها مرصد جنيف الدولي للسلم، الديمقراطية وحقوق الانسان، الصادر مؤخرا بجنيف، إلى رفع حالة الطوارئ في مخيمات تندوف، وتمتيع السكان بالحق في التظاهر السلمي بعيدا عن حملات التخوين والتشويه ضد المحتجين والتحقيق حول حالات الاختفاء القسري.