موقع بريطاني يكشف كواليس الإطاحة بمرسول الحب رمطان لعمامرة
نشر موقع “ميدل إيست آي” البريطاني، تقريرا كشف فيه خفايا عزل وزير الخارجية الجزائري السابق رمطان لعمامرة، مشيرا إلى أنه تعرض للتهميش من الرئيس عبد المجيد تبون قبل أشهر من عزله.
وفي التقرير الذي أعده علي بوخليف من العاصمة الجزائر، قال إنه عندما أعلنت قنوات تلفزيونية رسمية وخاصة في 16 مارس عن قرب تعديل وزاري، تساءل المحللون والمراقبون عمّن سيحل مكان وزير الخارجية، ذلك أن مصير لعمامرة كان قد حدد بالفعل منذ عدة أسابيع.
وأضاف الكاتب أن الصحافيين والدبلوماسيين في الجزائر، تكهّنوا قبل عدة أشهر، بأن لعمامرة الذي تولى منصب وزير الخارجية في يونيو 2021، سيُستبدل بآخر. ومن الواضح أن كبير الدبلوماسيين الجزائريين والحاضر دائما في اجتماعات الاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة، لم يكن الشخص المفضل لتبون.
ومنذ عامه الأول في الحكم، ركّز تبون نظره على تعيين الشخصية الدبلوماسية المعروفة صبري بوقادوم كوزير للخارجية، إلا أن المقربين منه رأوا في لعمامرة شخصية مناسبة أيضا للمنصب. فهو كوزير سابق للخارجية في عهد الرئيس الراحل عبد العزيز بوتفليقة، والشخصية التي تتمتع بجاذبية، اعتقدوا أنه مناسب وله علاقات دبلوماسية واسعة.
ويرى كاتب التقرير، أن أصواتا معارضة بدأت تهمس بعد تعيين لعمامرة بأشهر، بأن لديه طموحات “رئاسية” تعود إلى مرحلة ما بعد إجبار بوتفليقة على التنحي عن السلطة بعد الحراك الشعبي.
ولم يتم عزل لعمامرة مباشرة، إلا أن المعوقات وضعت أمامه. وبحسب مصدر دبلوماسي نقل عنه الموقع، قال: “تم اتخاذ قرارات بدون علمه، وأسوأ من هذا، فقد طُلب من الإعلام تجاهل نشاطاته العامة”. وعبّر لعمامرة عن غضبه في ثلاث محاولات استقالة العام الماضي، بحسب وزير سابق يعرف لعمامرة، و”لكنه لن يتجرأ على خوض انتخابات الرئاسة لو شارك فيها تبون”.
وتم رفض الاستقالات الثلاث، وكان لعمامرة يظهر من جديد بعد غياب لأسابيع أو أشهر قضاها في جولات بدول أفريقية وعربية. وظلت لعبة القط والفأر بين مفوض الأمن والسلام السابق في الاتحاد الأفريقي، وحاشية الرئيس تبون مستمرة لعدة أشهر، إلا أن الأحداث تسارعت في شباط/ فبراير.
ففي 8 فبراير، كشفت الصحافة الفرنسية عن هروب الناشطة الجزائرية- الفرنسية أميرة بوراوي بمساعدة من مساعد القنصل الفرنسي في الجزائر إلى فرنسا عبر تونس. وحُكم على بوراوي بالسجن لمدة عامين بسبب تهجمها على الإسلام وإهانة الرئيس، وهو ما أدى لأزمة جديدة بين الجزائر وباريس.
وأصدرت وزارة الخارجية الجزائرية بيانا عبّرت فيه عن “غضب” السلطات الجزائرية التي اتهمت “أجهزة الدولة الفرنسية” بـ”تهريب” بوراوي إلى فرنسا. وبعد دقائق، أعلنت الرئاسة الجزائرية عن استدعاء السفير الجزائري في فرنسا للتشاور.
وكان واضحا أن القرار تم اتخاذه من وراء ظهر وزير الخارجية وبدون موافقته. وبعد يوم على الخلاف بين فرنسا والجزائر، أعلن الإعلام الجزائري عن تعديلات دبلوماسية أقرها الرئيس تبون، وتشمل عددا من السفراء والقناصل في عواصم عالمية. ويشي الإعلان بأن لعمامرة هُمّش في العملية. إلا أن مصادر إعلامية قدمت رواية أخرى عن الأحداث.
وأخبر صحافي مطلع على الأمر موقع “ميدل إيست آي” قائلا: “تقدم لعمامرة بقائمة من السفراء والقناصل التي رفضتها الرئاسة واستبدلتها بأخرى”.
وذكرت مصادر أخرى سببا إضافيا يتعلق بقرار الرئيس تبون تخصيص ميزانية بمليار دولار للوكالة الجزائرية للتعاون الدولي من أجل التضامن والتنمية، والمرتبطة بالرئاسة، بغرض تمويل مشاريع في دول وسط أفريقيا. ولم يكن لعمامرة راضيا “ورغب بتسليم الملف للدبلوماسيين في وزارته للتعامل معه”.
وصمت لعمامرة وابتعد عن الأضواء، إلا أن انسحابه لم يطل كثيرا، حيث تلقى في 23 فبراير، نسخا من أوراق اعتماد السفراء الجدد للجزائر. وشارك في حفل لتكريم فرق الإنقاذ التي شاركت في عمليات الإنقاذ بعد الزلزال المدمر في تركيا وسوريا.
وفي مناسبات أخرى، نظم الأمين العام لوزارة الخارجية الجزائرية، عمار بيلاني، كل حفلات الاستقبال للوزراء الذين زاروا الجزائر.
وبدأت التكهنات تتزايد حول غياب لعمامرة، واعتقد البعض أنه مريض، إلا أن الشكوك بدأت تتبدد في 11 مارس، عندما زار الرئيس الأوغندي يوري موسيفيني، الجزائر في زيارة رسمية. ومرة ثانية، كان بيلاني والمسؤولون البارزون في حفل استقباله إلى جانب الرئيس تبون.
وفي اليوم التالي، كانت الصور التي نشرتها الصحافة الجزائرية لاستقبال مسؤول السياسات الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل، مثيرة للدهشة. فقد كان بانتظاره مسؤول بارز من وزارة الخارجية. ثم تغير برنامج زيارته عندما حضر بيلاني في حفل غداء، ممثلا عن لعمامرة.
كل تلك الخطوات، نقلت التكهنات حول ما إن كان لعمامرة سيخرج من الحكومة، إلى التساؤل متى سيخرج ومن سيحل بديلا عنه.
ولم يعيّن تبون بيلاني خلفا للعمامرة كما تكهنت الصحافة والدبلوماسيون بمن فيهم الذين رافقوا بوريل في زيارته. بل استدعى تبون، أحمد عطاف لتولي منصب وزير الخارجية، وهو منصب شغله ما بين 1996- 1999. وكان هذا الدبلوماسي المخضرم البالغ من العمر 70 عاما قد خرج من الخدمة منذ 24 عاما.
ويعرف عطاف برجل التسويات، وأنه دبلوماسي تقليدي يبتعد عن الخلافات، وهي مؤهلات لم يُظهرها بعد منذ توليه المنصب.
وبالنسبة لرمطان لعمامرة، يتوقع البعض له مستقبلا “واعدا”، فيما يرى آخرون أن مسيرته الدبلوماسية قد انتهت، حتى لو حمل المستقبل “مفاجآت”.