يتوقع الاقتصاديون أن ينضم نحو مليون وثلاثمئة ألف مغربي إلى قائمة المحرومين على إثر ارتفاع كلفة المعيشة في البلاد، وفشل الحكومة المغربية في مساعدة الفقراء على تحمل زيادة الأسعار.
فشل الحكومة الذي فضحه المندوب السامي للتخطيط ، تتحمّله الحكومة بأكملها، رغم أن أعضاءها ليسوا على قلب رجل واحد في خطة التعامل مع أزمة الغلاء في المملكة ، ثمة انقسام داخل الحكومة حول نجاعة الحلول “الترقيعية”، ولكن البدائل تكاد تكون معدومة.
بدأ الغلاء ينتشر في المغرب منذ أشهر، وقد تحول إلى أزمة وربما وباء، كما باتت تصفه وسائل الإعلام. فتكلفة المعيشة ارتفعت على الناس في كل جوانب حياتهم، سواء في السلع التي يشترونها او في الخروقات رغم انخفاضها عالميا، أو الخدمات التي يدفعون مقابلها للحكومة أو القطاع الخاص. وحتى التأمين والرعاية الطبية والاجتماعية زادت فواتيرها.
الأرقام تتحدث عن نفسها وكل سلعة كبيرة كانت أم صغيرة، استراتيجية كانت أم كمالية، ازداد سعرها. تتفاوت النسب طبعاً، ولكنها تتراكم في النهاية للتحول إلى كارثة بالنسبة إلى محدودي الدخل، ومشكلة ملموسة بالنسبة إلى متوسطيه.
كلمة السر هي الطاقة، حيث ارتفعت فواتير الكهرباء والغاز، كما يتوقع ارتفاع الأسعار ثانية خلال ستة أشهر.
المفارقة الأولى هي أن هذه الزيادة في الأسعار لا تأتي متأثرة بالحرب الأوكرانية، أي أنها لا تعكس التداعيات التي تخشاها الحكومة المغربية على الاقتصاد المغربي بسبب الحرب. ذلك لأن البحث عن بدائل في المجالين يعني ارتفاع كلفة الطاقة، وبالتالي كلفة الإنتاج في القارة العجوز بنسب كبيرة. وهو ما يؤدي بدوره إلى ارتفاع أسعار أكثر من 45 في المئة من واردات المملكة المغربية .
لن يفيد رئيس الحكومة تجاهل الأمر، فهو لا يستطيع مواجهة موجات من الغضب الشعبي فالمفارقة الثانية هي أن المغاربة كانوا ينتظرون رخاء اقتصاديا بعد نهاية الجائحة . ورئيس الحكومة عزيز أخنوش كان من أبرز المبشّرين بذلك الرخاء عندما كان يقود حملته الانتخابية. أخنوش اليوم لا يستطيع جمع أفراد حكومته حول آلية موحدة لمواجهة ارتفاع كلفة المعيشة، ولكنه يصر على أن البلاد لا تزال تخوض مرحلة انتقالية بعد الحرب على اوكرانيا و سوف تنتهي بخاتمة سعيدة.
المشكلة في الانتظار لا تكمن في زيادة معدلات الفقر فقط، وإنما في اتساع رقعة الموت المرافق له. فالابحاث تقول إن أربعا من كل عشر وفيات بين الذكور الفقراء كان يمكن ألاّ يموتوا لو أن ظروف العيش كانت مختلفة، ومعايير الحياة كانت أفضل. هذه النسبة تقل بين النساء إلى نحو وفاتين بين كل عشر وفيات، أما الأطفال فتقول دراسة متخصصة إن الفقر يُقصّرُ العمر ويزيد من احتمال الوفاة في السنة الأولى بعد الولادة، ناهيك بزيادة مخاطر الإصابة بالأمراض المزمنة والمشكلات الصحية.
المعادلة بسيطة وواضحة كما تسردها الإحصائيات، كلما ارتفع عدد الفقراء زاد احتمال بأن يصبحوا بلا مأوى، وزاد احتمال موتهم بسبب فقرهم.
إحدى التقارير التي اقتبست أخبارنا الجالية آراءهم من أناس التقتهم للسؤال حول واقع الحال في البلاد، أكدوا بأن القادم من الأيام سيحمل أسوأ مما عرفته المملكة المغربية خلال الجائحة.
ما قام به حزب العدالة والتنمية و على رأسه عبد الاله بنكيران استدعى تظاهرات واحتجاجات كبيرة في البلاد ضده، ولكن نفوذه لم يتأثر. هناك من يعتقد أن الاقتصاد المغربي تحسن بفضل ما قام به حزب العدالة والتنمية حينها، وهناك من يرى العكس تماماً. لكن المؤكد أن الباجدة منذ بداية الربيع العربي وحتى اليوم، أثّروا في اقتصاد المملكة المغربية بشكل كبير جدا ويفوق الحكومة الحالية .
التظاهرات ضد أخنوش بسبب غلاء المعيشة قد بدأت، ولكن تقدير تأثيرها لا زال صعبا. تماما كما تصعب أيضا قراءة تداعيات ارتفاع الأسعار خلال الأشهر القليلة المقبلة. لن يفيد رئيس الحكومة تجاهل الأمر، فهو لا يستطيع مواجهة موجات من الغضب الشعبي كما فعلت بنكيران .
حكومة اخنوش اليوم متورطة بأزمات داخلية وخارجية، قد تعيق قدرتها على الصمود أمام “وباء” الغلاء. ولو أراد أخنوش الاستفادة من نصائح الحكومات السابقة ودروسها، فيجب عليه أن يتوقف عند المقولة التي تقول “إن المرء قد يضطر لخوض معركة ما أكثر من مرة كي ينتصر”. فإذا عرف أيّ المعارك يحتاج لخوضها ثانية، منح حزبه فرصة للفوز في الانتخابات المقبلة، وإذا بقي يقاتل على جميع الجبهات ودون أولويات، فإن المحافظين قد يتحولون إلى معارضة ضعيفة بعد سنوات قليلة فقط.