هل تنتظر المغاربة «سنوات عجاف»؟: «جبهة اجتماعية» تدعو إلى الاحتجاج ومسؤول رفيع يحث الحكومة على إخبار الناس بالحقيقة
دعت «الجبهة الاجتماعية المغربية» كل فروعها المحلية إلى تنظيم وقفات احتجاجية في جميع مناطق المغرب، السبت 8 أبريل المقبل، احتجاجاً على ما اعتبرته «الأوضاع المتردية والسياسات اللاشَعبية والجشِعة التي تعمل على تجويع الشعب المغربي».
«السكرتارية الوطنية» للجبهة الاجتماعية المغربية، قالت في بلاغ لها، إنها تدارست الأوضاع الاجتماعية بالمملكة وخاصة ما يتعلق «بالغلاء الخطير وغير المسبوق للمواد الغذائية الأساسية وعلى رأسها اللحوم والأسماك وخاصة الخضر».
البلاغ الذي اطلعت عليه «اخبارنا الجالية » تابع أن «ما تم ذكره ينضاف إلى الغلاء الفاحش وغير المبرر لأسعار المحروقات المستمر رغم انخفاض ثمن البترول على الصعيد الدولي، في ظل استمرار الوضع بالنسبة لشركة «لاسامير» (لتكرير النفط) في المحمدية على ما هو عليه نتيجة غياب قرار استراتيجي واضح للدولة بخصوص الاستثمار في تكرير البترول».
ووجهت «فدرالية اليسار الديمقراطي» نداء إلى «المناضلات والمناضلين للانخراط الفاعل في كل النضالات الشعبية الرافضة للسياسة الحكومية، ومناصرة حق المواطنات والمواطنين في العيش بكرامة في وطنهم وضمان الحقوق السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية».
واعتبر بلاغ للمكتب السياسي للفدرالية أن «ما وصلت إليه القدرة المعيشية للمواطنين والمواطنات من تدهور فاق كل الحدود، مما يخلق غضباً وسخطاً شعبياً متزايداً جراء استمرار موجة غلاء الأسعار والبطالة والفقر والتهميش الذي يتزايد سنة بعد أخرى». كما أدانت سياسة الآذان الصماء التي تنتهجها الحكومة تجاه الحقوق الأساسية للمغاربة كالعيش الكريم والصحة والشغل والتعليم وغيرها.
وأكد بلاغ الحزب اليساري، على ضرورة التحرك الفوري للحكومة لسن تدابير حمائية للقدرة الشرائية للمواطنات والمواطنين المغاربة، ووضع خطط وبرامج مستعجلة للحد من التفاوتات الصارخة الطبقية والمجالية».
دق ناقوس الخطر علاقة بغلاء الأسعار والتضخم في البلاد لم يعد حكراً على السياسيين والحقوقيين، حيث أكد أحمد الحليمي المندوب السامي للتخطيط، في تصريحات غير مسبوقة، «أن التضخم في المغرب لم يعد مستورداً، بل بات محلياً وعاملاً هيكلياً في الاقتصاد المغربي»، داعياً الحكومة إلى مصارحة المغاربة بحقيقة الأمر.
الحكومة تعتبر أن التضخم الذي يشهده المغرب حالياً، والذي سجل أعلى مستوياته ببلوغه نحو 10.1 في المائة شهر فبراير الماضي، هو في الأساس «تضخم مستورد» مرتبط بارتفاع فاتورة الطاقة وواردات الحبوب.
وقال الحليمي ضمن حوار مع موقع إخباري محلي، إن «المغرب لم يعد في حالة تضخم مستورد بل أمام تضخم محلي المنشأ»، مضيفاً: «علينا أن ندرك أن التضخم أصبح حقيقة هيكلية في اقتصادنا الوطني، يجب أن نتعود على التعايش معها. كما تعايشنا مع الجفاف الذي أضحى مشكلة بنيوية خلال السنوات الأخيرة».
وتابع أن «التضخم الذي يشهده المغرب لا يرجع سببه إلى ارتفاع أسعار السلع الأساسية في الأسواق الدولية، ولكنه مدفوع بشكل أساسي بارتفاع أسعار المنتجات الغذائية التي يتم إنتاجها محلياً».
المسؤول المغربي الرفيع، وبعدما نبه إلى استمرار موجة ارتفاع الأسعار، دعا الحكومة المغربية إلى مصارحة المغاربة بالحقيقة، وقال: «في رأيي، يجب التعامل مع الرأي العام باحترام، واعتباره ناضجاً، وإخباره بالحقيقة حتى يكون على دراية بالإصلاحات التي يجب القيام بها»، مضيفاً: «ما أراه أننا نفعل العكس تماماً، بالقول إن كل شيء على ما يرام، وأن مشكلة التضخم ستحل من خلال الآليات النقدية، لسبب بسيط هو أن هذا يسعد المنظمات الدولية».
وعلقت صحيفة «المساء» على تصريحات المسؤول المغربي المذكور في افتتاحيتها لعدد أمس الأربعاء، حيث كتبت أن «المعطيات التي كشف عنها أحمد لحليمي المندوب السامي للتخطيط تؤكد بالملموس أن المغاربة تنتظرهم سنوات عجاف أسوأ من التي يعيشون اليوم».
وأوضحت أن السبب الرئيسي للتضخم في المغرب ـ وفق المندوب السامي ـ هو «نقص الإنتاج؛ أي العرض الداخلي وليس الطلب، وبذلك فلسنا أمام حالة تضخم مستورد، لأن الغذاء وخاصة الفواكه والخضر يتم إنتاجها محلياً، وهو ما يعلن عملياً من طرف مؤسسة رسمية مستقلة الفشل الذريع للخيارات الفلاحية التي نهجتها البلاد من خلال المخطط الأخضر الذي أشرف عليه رئيس الحكومة الحالي عزيز أخنوش حينما كان وزيراً للفلاحة خلال ولايتين حكوميتين».
وسجلت الصحيفة نفسها أن «التركيز على الزراعات الموجهة للتصدير على حساب السوق الداخلي أدى إلى حالة التناقص الذي يعرفه العرض اليوم، ما دفع إلى التهاب الأسعار الذي يعانيه المغاربة دون أن تستطيع الإجراءات الترقيعية التي اتخذتها الحكومة الحد منه».
واستنتجت أن حكومة أخنوش «أبانت خلال السنة ونصف من بداية ولايتها أنها عاجزة عن حل مشاكل المغاربة، بل حتى عن التواصل معهم من أجل إخبارهم بالحقيقة التي تقف خلف الارتفاع الصاروخي للأسعار بعيداً عن المبررات المضحكة التي تحتقر ذكاء المغاربة التي سبق أن روجت لها». وخلصت إلى القول إن «مراجعة الاختيارات الفلاحية لبلادنا اليوم أصبحت ضرورة ملحة قبل أن تستفحل الأزمة أكثر».
في السياق نفسه، كتبت صحيفة «الأخبار» في عدد أمس افتتاحية، اعتبرت فيها أن تصريحات المندوب السامي للتخطيط حملت عدة إنذارات أولها «إنهاء خطاب الظرفية والسياق الجيوستراتيجي والتقلبات المناخية التي كانت تختبئ وراءها الحكومة، وأن كل مظاهر الأزمة المالية والاقتصادية والاجتماعية التي نعيشها، وفي مقدمتها شبح التضخم الذي ناهز معدل 10 في المائة، هي مُنتَج في أغلبيته محلي غذائي وليس مستورداً وبترولياً فقط… وهنا تكمن المسؤولية الثابتة للحكومة، باعتبارها الجهة المؤسساتية التي تشرف على الإنتاج المحلي من المواد الزراعية».
وأضافت أن «مشكل التضخم أصبح قدراً لا مفر منه، ومعضلة هيكلية داخلية لا بد من التعايش معها. وهذه مقدمة تمهيدية لنسيان مطلب تراجع الأسعار على الأقل في المدى القريب، فما دام التضخم مصدره العرض وهو تضخم داخلي، فلا يمكن للأسعار أن تتراجع في المدى المنظور ما لم تتم إعادة النظر في منظومة الإنتاج الزراعي بالأساس». ولاحظت الصحيفة نفسها أن أحمد الحليمي وضع المشكلة في ملعب السياسات العمومية والقطاعية التي تنتجها الحكومة وليس الإجراءات النقدية برفع سعر الفائدة.
وأفادت أنه لا يمكن التحرر من التضخم في مثل هذا السياق الصعب إلا إذا قدمت الحكومة حلولاً هيكلية، من حيث السياسات العامة. وبهذا المعنى، تضيف «الأخبار»، فإن «سياسات الميزانية هي على وجه التحديد أداة العمل التي ينبغي أن تدعم القوة الشرائية للمواطن، والتي تدعو لها الهيئات الدولية من صندوق النقد الدولي، ووكالات التصنيف، وما إلى ذلك». وخلصت إلى أنه «لا خروج من نفق الانهيار النقدي والاقتصادي إلا بالتكامل بين السلطتين، التنفيذية والنقدية، وبإنتاج بيئة اجتماعية آمنة تقوم على الزيادة في الأجور والرفع من الحد الأدنى والحماية الاجتماعية والسجل الاجتماعي، ومحاربة الريع والاحتكار وتقليص عجز الميزانية مع الحفاظ على الاستثمار ورفع وتيرة الإصلاحات الهيكلية في المجال الاجتماعي».