سري للغاية: كيف مول سيف الإسلام القذافي حملة ماكرون الإنتخابية عبر وسطاء جزائريين
علاقة فضائحية بكل المقاييس تلك التي يؤكد الزمن أنها تربط ليبيا بالرؤساء الفرنسيين، وهذه المرة لا يقف الأمن عند الرئيس الأسبق نيكولا ساركوزي، بل أيضا الرئيس الحالي إيمانويل ماكرون، وهو ما كشفت عنه حلقة بعنوان ” أسرار شوغالي” من برنامج “ما خفي أعظم” الذي بثته أول أمس الجمعة قناة الجزيرة، حيث جرى الكشف عن وثائق سرية بعث بها الروسي ماكسيم شوغالي، الذي يتهم بأنه أحد أبرز مساعدي يفغيني بريغوجين، مؤسسِ شركة “فاغنر”، بخصوص حصول ماكرون عن أموال من سيف الإسلام القذافي.
وجاء في وثائق شوغالي أن لدى سيف الإسلام، أدلة مكتوبة على حصول الرئيس الفرنسي الأسبق ساركوزي على أموال من والده، الزعيم الليبي الراحل معمر القذافي، وأن هناك صلة أيضا بالقاضي الذي يحقق في القضية بفرنسا، ويضيف أنه في سنة 2017، وبمساعدة ساركوزي، تلقى الرئيس الفرنسي الحالي إيمانويل ماكرون أموالا ليبية عبر وسطاء جزائريين، وهو الأمر الذي يشعره الآن بـ”حرج كبير”.
وفي الوقت الذي يعيش فيه الرئيس الفرنسي فترة عصيبة من العلاقات مع العديد من الدول الإفريقية، ومن بينها المغرب، التي قرر عاهلها الملك محمد السادس إنهاء مهمة سفيره في باريس، محمد بن شعبون، على خلفية تحريك برلمانيين من حزب ماكرون لمشاريع قرارات مناوئة للرباط داخل البرلمان الأوروبي، تأتي وثائق شوغالي لتكشف جانبا آخر من الجوانب المظلمة في علاقات ساكن الإيليزي بزعماء يصنفون في خانة “الاستبداد والدكتاتورية”.
وتعيد هذه الواقعة إلى الأذهان قضية استخدام الأموال الليبية في انتخابات الرئاسة الفرنسية، وهو ملف كشفت عنه لأول مرة وثائق نشرتها صحيفة “ميديا بارت” سنة 2012، بخصوص تمويل الحملة الانتخابية لساركوزي من طرف القذافي سنة 2007 بمبالغ طائلة وصلت قيمتها لـ50 مليون أورو، في الوقت الذي لم تكشف فيه الحسابات المالية للحملة سوى عن 20 مليون أورو كمبلغ إجمالي لها.
وأدت هذه الفضيحة سنة 2018 إلى وضع ساركوزي في الحجز لدى شرطة مكافحة الفساد، قبل أن تتم إحالته على القضاء ليواجه تهمة الفساد والرشوة وتلقي تمويلات غير مشروعة لحملته الانتخابية، بالإضافة إلى اختلاس الأموال التي تلقتها حملته من القذافي باعتبارها أموالا عامة في ليبيا، وبعد توجيه التهم إلى 13 شخصا آخرين قرر قضاة التحقيق، في أكتوبر من العام الماضي، أن القضية تفتقر للأدلة المادية.
وقد تكون الوثائق التي نشرتها الجزيرة هي الأدلة المادية المفقودة، بل قد تفسر أيضا لماذا كان ساركوزي مُصرا على القضاء على نظام القذافي، بشكل يعيد إلى الأذهان تسريبات ظهرت إلى العلن سنة 2020، ومصدرها البريد الإلكتروني لوزيرة الخارجية الأمريكية السابقة، هيلاري كلينتون، مفادها أن الرئيس الفرنسي الأسبق تحرك بنفسه لإنهاء حياة القذافي.
وجاء في الوثيقة السرية التي نشرتها وزارة الخارجية الأميركية، بإيعاز من الرئيس دونالد ترامب، نقلا عن مصادر مقربة من مستشاري سيف الإسلام القذافي، أن والده كان يتوفر على 143 طنا من الذهب تقدر قيمته بسبعة مليارات دولار، استطاع نقلها إلى مكان مجهول بعد الاحتجاج التي عمت البلاد ضد نظامه في فبراير من سنة 2011، وفي أبريل من السنة نفسها اكتشفت المخابرات الفرنسية الأمر، وهو ما دفع ساركوزي للتدخل عسكريا من أجل الإطاحة به، خوفا على “نفوذ” بلاده في إفريقيا.
وفي يناير الماضي، قال السفير الليبي الأسبق في السعودية، محمد سعيد القشاط، الذي كان من الدائرة المقربة للقذافي، إن “فرنسا عمدت إلى تدمير ليبيا لأسباب عدة”، مبرزا أن “ساركوزي بعد وصوله للرئاسة كان يسعى للتخلص من القذافي خشية أن يتحدث عن الدعم المالي الذي قدمه له، وأنه حرض الغرب والناتو واستغلوا بعض الدول العربية من تدمير ليبيا”، على حد تعبيره.
وأورد المسؤول الليبي الذي كان مبعوثا خاصا للقذافي، أن بعض النقاط الأخرى التي دفعت ساركوزي للتخلص من الزعيم الليبي تمثلت في أنه طلب من ليبيا شراء بعض الطائرات العسكرية، فيما رفضت الأخيرة بسبب الأسعار المبالغ فيها، موردا أن هذا الملف “كان ضمن دوافع عداء ساركوزي لليبيا”، كما أكد أن العلاقة بين الاثنين كانت جيدة في السابق، وأن القذافي دعم الحملة الانتخابية لساركوزي بمبالغ مالية مهمة.