حالة رشيد نكاز مرآة عاكسة لمعاناة المعارضة في الجزائر
ينتظر أن يسافر الناشط السياسي المعارض رشيد نكاز إلى الولايات المتحدة للالتحاق بأسرته بعد سنوات من الفراق بسبب عقوبات بالسجن والمنع من السفر التي صدرت في حقه على خلفية مواقفه السياسية المعارضة لسلطات بلاده.
وتداول رواد مواقع التواصل الاجتماعي على نطاق واسع صورة لنكاز يظهر فيها في حالة يرثى لها، وكان الناشط البارز الذي يعاني من مرض السرطان، قد أعلن اعتزاله العمل السياسي ليجري الإفراج عنه في إطار عفو رئاسي في يناير الماضي.
وأعلن نكاز أن الرئيس عبدالمجيد تبون أمر برفع حظر السفر عنه إلى الولايات المتحدة لتلقي العلاج وذلك غداة مكاتبته عدة مرات من أجل الاستفادة من حريته.
وظهر نكاز في صورة مثيرة للشفقة مؤخرا، الأمر الذي يعكس وضعه الصحي المتدهور الذي يستدعي على ما يبدو التدخل العاجل، لكن خضوعه لتدابير الإقامة الجبرية بعد مغادرته السجن خلال الأسابيع الماضية حرمه من متابعة العلاج خارج منطقة إقامته ببلدة عين مران في محافظة الشلف غربي العاصمة.
وفي مدونة له على حسابه الشخصي في فيسبوك قال نكاز “بعد 1200 يوم من السجن والإقامة الجبرية والمنع من مغادرة البلاد، أمر أخيرا الرئيس عبدالمجيد تبون برفع قرار المنع من مغادرة التراب الوطني المفروض منذ 2019”.
وشكر نكاز الرئيس تبون على الاستجابة لرسالة كان بعث بها الأسبوع الماضي يطلب فيها منه التدخل شخصيا حتى يتمكن من مغادرة البلاد بشكل قانوني والخضوع لعملية جراحية في أسرع وقت ممكن، وأوضح في تلك الرسالة أنه مصاب بمرض خطير في العينين وبسرطان البروستات.
وتطرح وضعية الناشط السياسي المعارض نكاز واقع الحريات السياسية في البلاد، ومدى احترام السلطة القائمة لقواعدها الأساسية، فلجوء معارضين وحتى من يوصفون بـ”أبناء النظام” إلى اعتزال النشاط السياسي في سن مبكر يترجم واقعا غير صحي وخطيرا على الديمقراطية.
وسبق لأمين عام ثاني أحزاب الموالاة للسلطة، وهو التجمع الوطني الديمقراطي، والوزير السابق للثقافة عزالدين ميهوبي أن أعلن اعتزال العمل السياسي والتفرغ للكتابة والأدب، في موقف يثير تساؤلات جوهرية، خاصة وأن الرجل كان أحد المتسابقين على قصر المرادية في استحقاق العام 2019.
كما اضطر الناشط السياسي المعارض الذي سجن في أربع مناسبات منذ اندلاع احتجاجات الحراك الشعبي في فبراير 2019 إلى مقايضة حريته ووضعه الصحي بنشاطه السياسي الذي بدأ منذ العام 2013، وأعلنها صراحة في إحدى تدويناته بأنه يطلب من رئيس الجمهورية العفو عنه للالتحاق بعائلته الصغيرة في الولايات المتحدة التي انقطع عنها في السنوات الثلاث الأخيرة، ومباشرة عملية علاجية بسبب الأمراض الخطيرة التي يعاني منها.
ورغم استفادته من قرار إفراج أصدره الرئيس تبون خلال يناير الماضي لكن نكاز ظل ممنوعا من مغادرة البلاد، حيث ذكر في إحدى تدويناته “لا زلت رهن إقامة الشرطة في الشلف (شمال غرب)، ومنع من مغادرة البلاد منذ إطلاق سراحي من السجن”.
وكان الناشط قد سجن عدة مرات، وقضى عقوبته في أربع مؤسسات بالعاصمة وبمسقط رأسه، وجاءت العقوبة الأخيرة في أعقاب الوقفة الاحتجاجية التي نظمها رفقة فريق الدفاع أمام سجن الشلف للتنديد بـ”الظروف الغامضة” لوفاة سجين الرأي حكيم دبازي خلال شهر مايو الماضي.
ونكاز هو من جيل الجزائريين الذين ولدوا وتعلموا في المهجر (مواليد 1972)، وبدأ مشواره السياسي في فرنسا أين حاول تقديم نفسه كمرشح المهاجرين ومنافسة الرئيس السابق نيكولا ساركوزي، واشتهر في العاصمة والمدن الفرنسية بتطوعه لدفع غرامات النقاب عن النساء المسلمات المنقبات وهي العملية التي سخر لها مبلغ نصف مليون يورو.
◙ الناشط السياسي المعارض الذي سجن في أربع مناسبات اضطر إلى مقايضة حريته ووضعه الصحي بنشاطه السياسي الذي بدأ عام 2013
وعاد الرجل إلى بلده الأصلي العام 2013 للنضال من أجل مشروع سياسي، وتنازل عن جنسيته الفرنسية للتكيف مع النصوص التي تمنع مزدوجي الجنسية من شغل مناصب سامية في الدولة، وها هو سيغادرها بعد عشر سنوات وهو في وضع صحي ونفسي وذهني متدهور، وحتى حياته مهددة بالخطر، الأمر الذي ينطوي على دلالات خطيرة حول الوضع السياسي والحقوقي في البلاد، وشدة الانتكاسة التي سجلتها البلاد في العقد الأخير.
وكان الرجل قد دخل في مناكفات مع العديد من الناشطين والمعارضين السياسيين المقيمين في الخارج، قبل أن يتم القبض عليه وسجنه بتهمة التحريض على العنف، حيث ظل متمسكا بممارسة المعارضة السياسية من الداخل، وأن معارضة الخارج تشوبها شكوك الارتباط بدوائر مشبوهة، وهو الخطاب الذي تماهى مع رسالة السلطة، لكن ذلك لم يشفع له وتمت إعادة توقيفه ومحاكمته غداة الوقفة التي نظمها أمام سجن الشلف للمطالبة بكشف ظروف وفاة سجين الرأي دبازي.
وينتظر أن يغادر نكاز خلال الأيام القليلة المقبلة نحو الولايات المتحدة، ومباشرة عملية علاجية عميقة، ويجهل مصير ومستقبل الوعود ومدى وفائه بالوعود التي أطلقها للسلطة مقابل اعتزال العمل السياسي، وكذلك علاقته المستقبلية مع ناشطين معارضين لاسيما المهاجرين منهم الذين انتقدوا تحوله السابق، لكنهم ظلوا متضامنين معه.