تصدير الأزمة الجزائرية إلى المهجر
تعتزم فعاليات شعبية في فرنسا وأوروبا موالية للسلطة الجزائرية، تنظيم مظاهرة شعبية بمناسبة عيد النصر المصادف للتاسع عشر من مارس الجاري، من أجل التعبير عن دعمها لـ”السيادة الوطنية”، وفي نفس اليوم والمكان يعتزم أيضا ناشطون معارضون تنظيم مظاهرة احتجاجية للتعبير عن تمسكهم بمطلب التغيير الشامل في البلاد، وذلك وسط أجواء من الشحن والخوف من الانزلاق إلى الفوضى والاشتباك، ليكون ذلك تحولا غير مسبوق وتصديرا للأزمة إلى الخارج.
وستتطلع الأنظار غدا الأحد إلى ساحة الجمهورية وسط العاصمة الفرنسية باريس، التي من المنتظر أن تحتضن المظاهرتين. وبادرت فواعل شعبية موالية للسلطة إلى استغلال الرمزية التاريخية لعيد النصر في الدفاع عما أسمته “السيادة الوطنية والتنديد بدور الخونة والعملاء”، ومن جهة أخرى كانت فواعل المعارضة قد نظمت العديد من التظاهرات المناهضة للسلطة في الساحة المذكورة، وتعتزم تنظيم أخرى في نفس الزمان والمكان.
وفيما يُجهل موقف السلطات الفرنسية من الترخيص للتظاهرتين، يبدي جزائريون تخوفا من انزلاق الوضع بين الطرفين إلى ما لا تحمد عقباه، في ظل الحشد والشحن اللذين يمارسانهما، الأمر الذي لا يبعد فرضية الانجرار إلى العنف والاشتباك، ليكون ذلك سابقة تنم عن تصدير الأزمة الداخلية إلى الأراضي الفرنسية، والمساس بقدسية الرمزية التاريخية لعيد النصر الذي أعلن فيه وقف إطلاق النار بين جبهة التحرير الجزائرية والسلطات الاستعمارية الفرنسية عام 1962، في إطار ما يعرف بـ”اتفاقيات إيفيان”.
وكانت شخصيات فنية وإعلامية جزائرية، على غرار كمال بوعكاز ومحمد عبيدات المعروف بـ”ميستر آبي”، قد وجهت نداءات إلى الجالية الجزائرية بالخارج، من أجل الحضور القوي إلى ساحة الجمهورية بباريس، تلبية لنداء ناشطين مهاجرين، من أجل ما أسموه بـ”الوقوف إلى جانب الجزائر، ضد التدخل الخارجي والدفاع عن السيادة الوطنية، والتهديدات المحيطة بها، لاسيما الخونة والعملاء الموالين لجهات معادية”.
وتفادى كمال بوعكاز ومحمد عبيدات أن تكون الوقفة الشعبية المذكورة من أجل أشخاص معينين أو من أجل رموز السلطة، لكن حملة الحشد والتعبئة التي قام بها ناشطون مهاجرون في فرنسا وبعض العواصم الأوروبية، كانت صريحة بشأن دعمها للرئيس عبدالمجيد تبون وقائد أركان الجيش الجنرال سعيد شنقريحة، ووقوفهم إلى جانبهما ضد التيارات والوجوه المعارضة لهما.
وحاول هؤلاء استغلال الوضع الاجتماعي للمهاجرين الجزائريين غير النظاميين في فرنسا، بدعوتهم إلى حضور مظاهرة ساحة الجمهورية، مقابل تسوية وضعياتهم الإدارية وحصولهم على مكافآت وجوازات سفر وحتى أوراق الإقامة بفرنسا، كما أطلقوا تهديدات ضد أنصار المعارضة وحذروهم من الوقوف في طريقهم.
ولم تعلن أي جهة في السلطة تبنيها العلني للوقفة الشعبية المذكورة، لكن عدم الإعلان عن براءتها من المبادرة المحفوفة بمخاطر الانزلاق إلى العنف ونقل الأزمة إلى خارج الحدود، يوحي بأن السلطة لا تمانع في نقل الخوف إلى المعسكر الشعبي المعارض في المهجر، وإثبات شرعيتها الشعبية أمام أنظار الخارج.
وتعتبر العاصمة الفرنسية أبرز قلعة للمعارضة الجزائرية شعبيا وسياسيا، حيث يقيم العشرات من الناشطين المطلوبين للسلطات الجزائرية، فضلا عن جالية تقدر بالملايين، وهو ما جعلها مركز ضغط قوي منذ اندلاع احتجاجات الحراك الشعبي في فبراير 2019.
◙ السلطة لا تمانع في نقل الخوف إلى المعسكر الشعبي المعارض في المهجر، وإثبات شرعيتها الشعبية أمام أنظار الخارج
وظلت العاصمة باريس ومختلف المدن الفرنسية ساحة تنديد شعبي وسياسي بالنظام السياسي القائم في البلاد منذ مطلع العام 2020، الأمر الذي حولها إلى مركز صداع حقيقي للسلطة، وهو ما يكون قد دفعها إلى توظيف مواليها لتحقيق توازن شعبي في الشارع الفرنسي، وإظهار نفسها في ثوب السلطة المدعومة بقواعد شعبية حتى في المهجر.
لكنّ ناشطا جزائريا مهاجرا أعاب على خصوم المعارضة توظيف الرمزية التاريخية التي يشترك فيها جميع الجزائريين، واستغلال الأوضاع الاجتماعية والإدارية للهاجرين غير النظاميين، وجر البلاد إلى تجاذبات مجانية مع العالم، في ظل رفع شعارات دبلوماسية في عاصمة أجنبية، وكان الأجدر حملها في مظاهرات تنظم داخل الجزائر وليس خارجها.
وأضاف الناشط أن “دعم السلطة والتنديد بالتدخل الخارجي وبالمؤامرات ومحاصرة الخونة والعملاء، كان من الأفضل إبرازه في الجزائر وليس في باريس، والمبادرة هي تهديد وتضييق للفواعل الشعبية، التي لم يتح لها التعبير عن آرائها ومواقفها في بلادها، بسبب سياسة القمع والتضييق””.
وعزا المتحدث في تسجيل له على شبكات التواصل الاجتماعي مسؤولية أي انزلاق إلى العنف والفوضى بين الجزائريين، إلى مروجي ومنظمي المبادرة، وأعاب على هؤلاء نقل الخلافات السياسية إلى خارج الحدود وإعطائها صبغة شعبية تهدد بانقسام الشارع وببث العداوات والضغينة بين أبناء الشعب الواحد