حصلت الجزائر على تعهدات من أكثر من مسؤول في الاتحاد الأوروبي مؤخرا بشأن مساعدتها في تقفي أثر الأموال المنهوبة واستردادها، وهي أموال لا يعرف بعد حجمها، باستثناء بعض التقديرات المتضاربة بشأنها.
يواجه مسار استعادة الأموال المنهوبة في الجزائر تعقيدات دبلوماسية وتشريعية، على الرغم من الوعود الأوروبية بالتعاون في هذا الملف الحيوي، الذي كان واحدا من الملفات التي تعهد بمعالجتها الرئيس عبدالمجيد تبون خلال حملته الانتخابية.
وأعربت وكالة التعاون القضائي في الاتحاد الأوروبي عن اعتزامها مساعدة الجزائر في استعادة تلك الأموال، لتؤكد بذلك ما صرح به ممثل السياسة الخارجية للاتحاد، خلال الزيارة التي قام بها قبل أيام إلى الجزائر، والتي كان الهدف منها احتواء دائرة الشكوك التي تلف العلاقات الثنائية.
وقال رئيس وكالة الاتحاد الأوروبي للتعاون القضائي في المجال الجنائي لاديسلاف همران، خلال زيارة إلى الجزائر، إن الوكالة مستعدة وملتزمة بتقديم كافة أشكال الدعم والمساعدة التقنية الضرورية للجزائر، لمعالجة ملفات استرداد الأموال والأصول المنهوبة بالخارج.
وكان ملف الأموال المهربة والموطنة في البنوك والمصارف الأوروبية، من ضمن الانشغالات التي تم تداولها في المشاورات التي جرت في العاصمة الجزائرية، بين الممثل السامي للشؤون الخارجية للاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل والرئيس تبون.
الأموال التي جرى نهبها خلال حقبة الرئيس الراحل عبدالعزيز بوتفليقة أحد التحديات التي تواجه الرئيس الحالي
وتبقى الأموال التي جرى نهبها خلال حقبة الرئيس الراحل عبدالعزيز بوتفليقة (1999 – 2019) والمهربة إلى أوروبا من طرف شخصيات سياسية ومالية كانت ضمن الحلقات الدائرة حول هرم السلطة، أحد التحديات التي تواجه سلطة الرئيس الجزائري، في ضوء الوعود التي قطعها لناخبيه خلال حملته الانتخابية في رئاسيات 2019.
وشرعت السلطات القضائية الجزائرية منذ العام 2020، بإرسال إنابات قضائية إلى العديد من الحكومات الأوروبية، على غرار إسبانيا وفرنسا وسويسرا، من أجل البحث في أصول وممتلكات لأشخاص جزائريين، حصلوا عليها بطرق غير مشروعة.
وتتضارب الروايات بشأن حجم ووجهة الأموال المذكورة، لكن الرئيس تبون كان قد وصفها خلال حملته الانتخابية بـ”الضخمة”، وأشار في تصريح للصحافيين إلى أن “فواتير الاستيراد كانت تضخم بالثلث”، وهو ما يجعل الرقم يفوق الـ300 مليار دولار، على اعتبار أن الخزينة العمومية استقبلت خلال حقبة الرئيس الراحل بوتفليقة، أكثر من ألف مليار دولار، استنزفت في استيراد الحاجيات الأساسية وفي مشروعات تنموية بأرقام خيالية، كما هو الشأن بالنسبة للطريق السيار شرق – غرب، الذي استهلك نحو 20 مليار دولار، حسب بعض التقديرات، بينما قيمته الحقيقية لا تتجاوز السبعة مليارات دولار.
وكان المرشح الرئاسي السابق ورئيس حركة البناء الوطني الموالية للسلطة عبدالقادر بن قرينة، قد قدر حجم الأموال المهربة بـ100 مليار دولار، في حين لا توجد تقديرات رسمية صادرة عن جهات حكومية، الأمر الذي يبقي المجال مفتوحا أمام التأويلات، وحتى إمكانية التواطؤ والتلاعب بها.
وذكر بيان للخارجية الجزائرية أن “الأمين العام لوزارة الشؤون الخارجية والجالية الوطنية بالخارج عمار بلاني، استقبل رئيس وكالة الاتحاد الأوروبي للتعاون القضائي في المجال الجنائي لاديسلاف همران، وبحث معه التعاون في استرجاع الأموال والأملاك المهربة خلال الفترة السابقة”.
ونقل عن الدبلوماسي الجزائري قوله إن “سلطات الجزائر ترغب في إطلاق تعاون وثيق مع الوكالة، للاستفادة من خبراتها الواسعة وتجاربها المميزة بمجال تجميد ومصادرة واسترداد الأموال والأصول المحولة للخارج بطرق غير شرعية”.
وأعرب بلاني للمسؤول الأوروبي عن “رغبة الجهات القضائية في الجزائر في تعزيز علاقات التعاون بينها وبين البلدان الأعضاء في الاتحاد الأوروبي”. وذكّر بالتزامات الرئيس تبون، المتعلقة بمكافحة الفساد وتبييض الأموال واسترداد الأصول المهربة إلى الخارج بطريقة غير شرعية.
وأكد “الإرادة السياسية التي تحدو السلطات الجزائرية لإطلاق تعاون وثيق مع وكالة الاتحاد الأوروبي للتعاون القضائي في المجال الجنائي، بهدف الاستفادة من خبراتها الواسعة وتجاربها المميزة في مجال تجميد ومصادرة واسترداد الأموال والأصول المحولة إلى الخارج بطرق غير شرعية، فضلا عن تعزيز علاقات التعاون بين الجهات القضائية في الجزائر والبلدان الأعضاء في الاتحاد الأوروبي”.
وأبدى رئيس الهيئة الأوروبية “استعداد وكالة التعاون القضائي في المجال الجنائي للتعاون مع نظيراتها في الجزائر، لمعالجة ملفات استرداد الأموال والأصول المنهوبة”.
ونقل البيان عنه قوله “الوكالة الأوروبية للتعاون الجنائي مستعدة وملتزمة بتقديم كافة أشكال الدعم والمساعدة التقنية الضرورية للجهات القضائية بالجزائر، بمجال التحريات وتسهيل التواصل مع نظيراتها الأوروبية”.
وجاءت الخطوة الأوروبية غداة الزيارة التي أداها الممثل السامي للشؤون الخارجية للاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل، للجزائر ولقائه تبون، حيث كشف أن “الجانبين بحثا ملف الأموال المهربة، وأن الاتحاد مستعد لدعم الجزائر في هذا المجال”.
وأكد بوريل في تصريح للصحافيين أن “الاتحاد الأوروبي سيضاعف جهوده للتعاون مع الجزائر لاسترجاعها”، وتذكر بعض الإفادات في هذا الشأن أن جزءا من تلك الأموال والممتلكات موطنة في إسبانيا، التي وصلت علاقاتها مع الجزائر مرحلة القطيعة، بسبب تعليق الأخيرة لاتفاقية الصداقة وحسن الجوار منذ يونيو، وهو ما يشكل واحدا من العراقيل التي تقف في وجه تحقيق غاية الجزائريين.
ومن جهة أخرى حظي المسؤول الأوروبي باستقبال وزير العدل حافظ الأختام عبدالرشيد طبي، وبحث معه “سبل تعزيز التعاون القضائي الدولي وتنسيق الجهود الرامية إلى مكافحة الجريمة خلال مرحلتي التحقيقات الابتدائية والمتابعات الجزائية”، حسب بيان لوزارة العدل الجزائرية.