شح المياه يهدد استقرار الأسر المغربية المعتمدة على الزراعة

ماموني

أكدت تقارير لمؤسسات رسمية مغربية أن نقص الموارد المائية يهدد الأسر القاطنة بالقرى والأرياف المعتمدة أساسا في عيشها على النشاط الزراعي، ما يجعلها تفكر في الهجرة كحل بديل. وترى بعض منظمات المجتمع المدني أن الهجرة من البوادي، كنتيجة لندرة المياه، تخلق مشاكل اجتماعية في المدن بإنشاء أحياء الصفيح، وتدعو إلى ضرورة تدخل الدولة بإيجاد حل لندرة المياه.

يؤثر شح المياه بشكل كبير على القطاع الزراعي المهم جدا في المملكة المغربية ومنه على الأسر التي ترتبط بهذا القطاع، بشكل مباشر أو غير مباشر، في معيشتها واستقرارها. وأكدت عديد الجمعيات ذات العلاقة على أن أسرة أو أسرتين ممّن يشتغل أفرادها بالمجال الزراعي وتربية المواشي تغادر القرية كل سنة بسبب توالي الجفاف.

وفي تقرير جديد صدر قبل أيام، نبه المجلس الوطني لحقوق الإنسان، إلى أن التأخر في إيجاد حلول مستدامة قائمة على التوازن الضروري بين أولوية توفير مياه الشرب من جهة، وتشجيع الأنشطة الزراعية من جهة ثانية، يمكن أن يؤدي على المديين القصير والمتوسط إلى موجات هجرة قروية كبيرة.

ورصد تقرير هذه المؤسسة الدستورية، وجود مشاكل على مستوى تدبير الثروة المائية، مؤكدا كثرة المتدخلين وغياب الرقابة على الاستغلال والتقييم المستمر للوقوف على نجاعة بعض الاختيارات، معتبرا أن الحكامة (أسلوب ممارسة السلطة في تدبير الموارد من أجل التنمية) من بين الأمور التي أوصلت المغرب إلى وضع الإجهاد المائي الحالي.

ويزداد تأثير الجفاف على الأسر المغربية بالنظر إلى اعتماد طيف واسع منها على الزراعة مصدرًا للدخل، فهذا القطاع يمثل حسب أرقام رسمية 15 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، ويشغّل من 40 إلى 43 في المئة من اليد العاملة.

 

حمزة الأندلوسي: الأسر المغربية ستكون مجبرة على تغيير سلوكاتها بالنزوع نحو تدبير استخدامها للماء بشكل معقلن ورشيد أكثر
حمزة الأندلوسي: الأسر المغربية مجبرة على تغيير سلوكاتها بالنزوع نحو تدبير استخدامها للماء بشكل معقلن 

 

ونظرا إلى الأثر المباشر لشح المياه على مستوى المردود الزراعي وارتباطه بالتنمية والنمو الاقتصادي أكد المندوب السامي للتخطيط أحمد الحليمي أن استعادة مستويات مكافحة الفقر والتفاوتات الاجتماعية ستكون أبطأ، خاصة مع استمرار سياسات عمومية أقل ملاءمة، مؤكدا أن تجنب تفاقم ضعف النمو الاقتصادي يستدعي تعزيز الاستثمارات الإنتاجية.

وأكد حمزة الأندلوسي أستاذ باحث في السوسيولوجيا والأنثروبولوجيا بجامعة الحسن الثاني في تصريح لـه أنه لا يمكن اعتبار الجفاف عنصرا مستجدا في حياة المغاربة، بل إن مآلاته يمكن استشفافها من خلال سيرورات الهجرة المستمرة نحو المدن، بسبب تردي الوضع الزراعي عند الغالبية العظمى من قاطني البوادي وتأثيراته السلبية على الأسرة المغربية، من ناحية التماسك الداخلي والمدخول المادي.

ونتيجة للاستغلال الجائر للمياه السطحية والجوفية في أنشطة الري والزراعة بشكل مكثف وغير عقلاني وتداعياتها على نمط العيش يرى الأندلوسي أن الأسر المغربية ستكون “مجبرة” على تغيير سلوكاتها بالنزوع نحو تدبير استخدامها للماء بشكل معقلن ورشيد أكثر.

وانتقلت حصة كل فرد من المياه في المغرب من أربعة آلاف متر مكعب في ستينات القرن الماضي إلى 630 متر مكعب سنة 2021، لهذا فأزمة الانخفاض في توافر المياه ينبغي التعامل معها عبر إستراتيجية بعيدة المدى للتخفيف من تأثيرها الاقتصادي والديموغرافي.

وقال وزير التجهيز والماء نزار بركة إن المغرب من الدول التي تتسم بمحدودية الموارد المائية وهشاشتها، بسبب مناخه الجاف وشبه الجاف، مع تباين كبير في التساقطات المائية في المكان والزمان.

وزاد الاستخدام الكثير للمياه بالمغرب حيث تم استنزاف المياه الجوفية بشكل كبير، وهو ما يفسر نضوب العديد من الآبار في مختلف المناطق التي تعتمد على هذه المياه، والتي أصبحت ندرتها الآن تحديا يلوح في الأفق للتأثير الكبير على الأشخاص الذين يعتمدون على القطاع الزراعي. ويعيش 40 في المئة من سكان المغرب، بشكل مباشر أو غير مباشر على النشاط الزراعي وتربية الماشية أو يرون في هجرة أراضيهم بديلاً.

وأكدت عدة تقارير لمنظمات حقوقية أن المشاكل الناجمة عن الجفاف أثرت على النظم البيئية والمجتمعات المحلية خصوصا بالجنوب الشرقي، وتعاني الأسر التي تعيش في هذه المنطقة من ندرة المياه، مما يؤثّر سلبًا على صحّتها ونمط عيشها وحيوية الموارد الطبيعية.

 

◙ ثروة نادرة يعي الجميع كيفية الحفاظ عليها لديمومة الحياة
◙ ثروة نادرة يعي الجميع كيفية الحفاظ عليها لديمومة الحياة

 

وكما أُجبرت ظروف مناخية مشابهة في ثمانينات القرن الماضي سكان البوادي المغرية على النزوح إلى المدن القريبة بحثا عن ظروف أفضل للعيش، يرى الائتلاف المدني من أجل الجبل أن الهجرة من البوادي كنتيجة لندرة المياه تخلق مشاكل اجتماعية في المدن بإنشاء أحياء الصفيح، إذ يعجز المهاجرون الجدد الذين لا يملكون إمكانيات مادية كافية عن تأمين سكن لائق، فيعمدون إلى الاستقرار في ضواحي المناطق الحضرية.

وفي حين أن التدخلات في الوقت المناسب قد تكون قادرة على التخفيف من الهجرة غير الطوعية، فإن تأثير المهاجرين على الإجهاد المائي في الأماكن التي يذهبون إليها يتطلب أيضًا اهتمامًا أكبر، خاصة وأن المستوطنات العشوائية غالبًا ما تنطوي على شكل من أشكال استخدام الأراضي التي تستخدم المياه بشكل غير فعال، أو تضر بالدورات الهيدرولوجية المحلية أو تعطل الأنظمة التقليدية التي تحفز على الحفاظ على المياه.

وأشار الأندلوسي إلى عدم احتمال تأثير ندرة المياه على الدخل  المادي للأفراد، ولا على نفسياتهم مؤكدا على عدم وجود سيناريوهات سوداوية كارثية كما يتصورها البعض، “فلا الأسرة ستنهار ولا الفرد سيفلس ماديا ولا الناس سيكتئبون”.

وأوضح أن المجتمعات تفلح في ابتكار طرقها الخاصة للتعامل مع الأزمات وشح الموارد الطبيعية مستشهدا بثقافة الواحات وكيف يدبر سكانها مسألة ندرة الماء بذكاء وفعالية معتقدا أن ندرة الماء هي المحرك الذي سيدفع الإنسان المغربي إلى الوعي بترشيد سلوكه الاستهلاكي، وهذه الأزمة هي التي ستحتم على الدولة الانخراط بشكل أكثر قوة في ورش محطات تحلية ماء البحر.

◙ 40 في المئة من سكان المغرب يعيشون بشكل مباشر أو غير مباشر على النشاط الزراعي وتربية الماشية أو يرون في هجرة أراضيهم بديلا

وقد طال جفاف الثمانينات مناطق محددة لكن الجفاف الأخير لامس معظمها إن لم يكن مناطق البلاد كلها، ولهذا اعتبر تقرير المجلس الوطني لحقوق الإنسان بأن تعاقب سنوات الجفاف قد يحرم الأسر من حق الوصول إلى ماء الشرب، حاثا على التعامل مع الجفاف باعتباره معطى بنيويا وليس فقط ظرفيا بالرجوع إلى ارتفاع درجات الحرارة صيفا وغياب الأمطار في فصل الشتاء.

وفي ظل حالة الطوارئ المائية المعلنة منذ أشهر في المغرب، حذر الائتلاف المدني من أجل الجبل من خطورة تداعيات أزمة المياه على المناطق الجبلية وسكانها خصوصا مع تراجع كميات الثلوج وما يترتب عن ذلك من تراجع للطبقات المائية، داعيا إلى ضمان حقوق سكان المناطق الجبلية وفي مقدمتها الحصول على ماء الشراب مع تعزيز التنمية في هذه المناطق، كما المدن الكبرى المتموقعة في محور الدار البيضاء – طنجة والتي تشكل مركز استقطاب للسكان، وتمركز مشاريع التنمية وفرص الشغل.

وأكد خبراء المنظمة الوطنية للدراسات والبحوث حول المخاطر في المغرب أن تواتر الجفاف الذي يعوق تحقيق الأمن الغذائي تتفاقم حدته ويؤثر على الاقتصاد القروي برمته، نظرا لتداعياته السلبية على العديد من القطاعات المهمة، مبرزين أن العواقب الوخيمة تتوالى على صغار المزارعين، مما يؤدي إلى تنامي الهجرة القروية وتباطؤ النمو الاقتصادي، خاصة عندما يقترن بتداعيات جائحة كوفيد-19.

وللتعامل مع تداعيات شح المياه على الأسر المغربية، ثمّن خبراء في القانون والاجتماع والبيئة توصية المجلس الوطني لحقوق الإنسان بخصوص خلق “محاكم مائية” تناط بها مهمة تدبير قضايا الموارد المائية، مما سيسهم في تعزيز حكامة قطاع الماء بالمملكة المغربية نظرا إلى تزايد حدة التغيرات المناخية.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: