سعى حزب العدالة والتنمية المغربي إلى احتواء التوتر الذي طبع مؤخرا علاقته بالمؤسسة الملكية، عبر بيان نفى من خلاله التدخل في الاختصاصات الدستورية للملك وأدواره الإستراتيجية.
وكان الديوان الملكي وبخ حزب العدالة والتنمية على خلفية مواقف لا تخلو من تدخل في السياسة العليا للمملكة، والتي هي من صلاحيات الملك، في سياق لعبة المزايدات التي ما فتئ يعمد إليها الحزب الإسلامي، عبر إثارة قضايا لا اختلاف فيها داخل المملكة، من أجل إثبات الحضور والتهيئة لحملة انتخابية مبكرة، بعد الهزيمة القاسية التي تلقاها في الانتخابات السابقة.
وانتقد الديوان الملكي في بيان شديد اللهجة بيانا للأمانة العامة للحزب كانت قد أصدرته في مطلع الشهر الجاري بعد اجتماعها و”استهجنت فيه المواقف الأخيرة لوزير الخارجية الذي يبدو فيها وكأنه يدافع عن الكيان الصهيوني في بعض اللقاءات الأفريقية والأوروبية، في الوقت الذي يواصل فيه الاحتلال الإسرائيلي عدوانه الإجرامي على إخواننا الفلسطينيين”.
وقال الديوان الملكي إن بيان حزب “العدالة والتنمية” تضمن بعض “التجاوزات غير المسؤولة والمغالطات الخطيرة في ما يتعلق بالعلاقات بين المملكة المغربية ودولة إسرائيل، وربطها بآخر التطورات التي تعرفها الأراضي الفلسطينية المحتلة”.
وأضاف أن “موقف المغرب من القضية الفلسطينية لا رجعة فيه، وهي تعد من أولويات السياسة الخارجية لجلالة الملك… الذي وضعها في مرتبة قضية الوحدة الترابية للمملكة، وهو موقف مبدئي ثابت للمغرب لا يخضع للمزايدات السياسية أو للحملات الانتخابية الضيقة”.
كما ذكر البيان أن “السياسة الخارجية للمملكة هي من اختصاص جلالة الملك، بحكم الدستور ويدبرها بناء على الثوابت الوطنية والمصالح العليا للبلاد، وفي مقدمتها قضية الوحدة الترابية”.
وقد أربك الموقف الحاسم والحازم للديوان الملكي الحزب الإسلامي الذي تأنى في الرد، مخافة تأزيم الأمور أكثر قبل أن يطل ببيان الأربعاء، نفى فيه أي مغالطات أو مزايدات سياسوية أو أي ابتزاز.
واعتبرت قيادة حزب “البيجيدي”، ضمن بيانها، أن انتقاد تصريحات وزير الخارجية ناصر بوريطة جاء باعتباره عضوا في الحكومة، يخضع كباقي زملائه في الحكومة للنقد والمراقبة على أساس البرنامج الحكومي.
وأورد الحزب في البداية أنه “تلقى بكل ما يليق من تقدير البلاغ الصادر من الديوان الملكي، باعتبار مكانة جلالة الملك حفظه الله وانطلاقا مما يكنه لجلالته من توقير واحترام”، مبرزا أنه “لا يجد أي حرج في تقبل ما يصدر عن جلالته من الملاحظات والتنبيهات، انطلاقا من المعطيات المتوفرة لديه، وباعتباره رئيس الدولة، وممثلها الأسمى، ورمز وحدة الأمة، وضامن دوام الدولة واستمرارها”.
ونفت الأمانة العامة للحزب “كل ما يمكن أن يفهم من بلاغها المذكور أنه تدخل في الاختصاصات الدستورية لجلالة الملك وأدواره الإستراتيجية، التي ما فتئ الحزب يعبر عن تقديره العالي لها، وتثمينه ودعمه الدائمين لما يبذله جلالته من مجهودات داخليا وخارجيا للدفاع عن المصالح العليا للوطن وتثبيت وحدته الترابية وسيادته الوطنية”.
حزب العدالة التنمية الإسلامي سيكون ملزما مستقبلا بالحذر في إصدار أي مواقف، لاسيما تلك التي تهم السياسة الخارجية للدولة
ووفق البيان فإن “ممارسات الحزب ومواقفه وبلاغاته مقيدة بما يخوله الدستور لأي حزب سياسي من كون الأحزاب تؤسس وتمارس أنشطتها بحرية في نطاق احترام الدستور والقانون، وفي إطار حرية الرأي والتعبير المكفولة بكل أشكالها بمقتضى الدستور، ومن منطلق القيام بالواجب الحزبي والوطني في احترام تام للمؤسسات الدستورية ومراعاة للمصالح الوطنية العليا”. كما نفى الحزب نفيا قاطعا “علاقة ذلك بأي أجندة حزبية داخلية أو انتخابية ولا بأي مغالطات أو مزايدات سياسوية أو أي ابتزاز”.
ويرى مراقبون أن تبريرات حزب العدالة والتنمية لا تبدو مقنعة، وهي محاولة فقط من قبله لرفع الحرج المسلط عليه، مشيرين إلى أن الحزب كما هو العهد بالنسبة لباقي تيار الإسلام السياسي يمارس “التقية”، ملفتين إلى أن عملية التطبيع مع إسرائيل كانت جرت في عهد حكومته. ويشير المراقبون إلى أن الحزب الإسلامي سيكون ملزما مستقبلا بالحذر في إصدار أي مواقف، لاسيما تلك التي تهم السياسة الخارجية للدولة.
وقال الحزب الإسلامي إن بلاغه الأخير “لا يخرج عن مواقفه الثابتة والمتواترة في دعم القضية الفلسطينية والشعب الفلسطيني ورفض التطبيع، وهو ما يعبر عنه باستمرار في كل مناسبة عبر مؤسساته وهيئاته، وفي إطار الإجماع الوطني”، مضيفا أنه “بلاغ يأتي في سياق تفاعل الحزب المباشر مع تصريحات وزير الشؤون الخارجية، باعتباره عضوا في الحكومة، يخضع كباقي زملائه في الحكومة للنقد والمراقبة على أساس البرنامج الحكومي، الذي يتضمن الخطوط الرئيسية للعمل الحكومي”.
وطبّع المغرب علاقاته الدبلوماسية مع إسرائيل في ديسمبر 2020 في إطار ما يعرف بـ”اتفاقات إبراهام” بين الدولة العبرية وبلدان عربية برعاية من واشنطن. لكن المغرب يؤكد بانتظام التزامه القضية الفلسطينية، ويرأس العاهل المغربي الملك محمد السادس لجنة القدس المكلفة بالمحافظة على الوضع القانوني للمدينة وعلى طابعها الديني والثقافي. وتتمسك الرباط بحل الدولتين وإقامة دولة فلسطينية على أساس حدود العام 1967 تكون عاصمتها القدس الشرقية.