فرانس 24 بالإسبانية توجه الرأي العام في أميركا اللاتينية ضد قضية الصحراء المغربية

تقرير متحيز بُث في برنامج “في 5 دقائق” على قناة فرانس 24 الناطقة بالإسبانية عن الصحراء المغربية يسلط الضوء على أجندة القناة المعادية للوحدة الترابية للمغرب ويثير جدلا واسعا.

سلط تقرير ورد ضمن برنامج “في 5 دقائق” بثّته قناة فرانس 24 في نسختها الإسبانية حول “تاريخ الصراع في الصحراء المغربية” الضوء على أجندة القناة الفرنسية المؤيدة للأطروحة الانفصالية لجبهة بوليساريو والمعادية للوحدة الترابية للمغرب.

وفي سرد متحيز وموجه قدمت النسخة الإسبانية من القناة الفرنسية، الموجهة أساسًا للجمهور في أميركا اللاتينية، تاريخا للصراع في “الصحراء المغربية” في تقرير بعنوان “الصحراء: نزاع إقليمي دام ما يقرب من خمسة عقود، ومئات الآلاف من اللاجئين المدنيين وتضارب المصالح لإسبانيا وفرنسا والولايات المتحدة”، حيث تم تحريف الحقائق عن عمد، وفق ما يقول متابعون.

وسلط التقرير الضوء بطريقة مسيسة ومنحازة على ما سمي “استغلال موارد المنطقة” من قبل المغرب، مؤكدا أن “جبهة بوليساريو تستنكر أن المغرب يستغل ويمنح امتيازات للشركات لتمويل احتلال المنطقة”.

ولدعم هذه الادعاءات، نشرت السلسلة “كل التكهنات الممكنة” للادعاء بأن عدة دول أعربت عن دعمها للمغرب بسبب وجود شركاتها في المنطقة والتي ستستغل مواردها، لاسيما إسبانيا وفرنسا وألمانيا.

 

يونس مجاهد: البروباغندا أصبحت تطغى على مضامين القناة بشكل كبير
يونس مجاهد: البروباغندا أصبحت تطغى على مضامين القناة بشكل كبير

 

لكن خيال القناة لا يتوقف عند هذا الحد، حيث تقول علاوة على ذلك إن “إسبانيا دعمت الخطة المغربية للحكم الذاتي للصحراء المغربية مقابل السيطرة واستبقاء المهاجرين الذين يسعون للوصول إلى أراضيها عبر مدينتي سبتة ومليلية”.

وزعم نفس البرنامج الذي قال عنه متابعون إنه يبتعد عن المسارات المهنية أن “المغرب سمح بدخول آلاف من المهاجرين في غضون أيام قليلة، ردا على الإذن الذي أعطته مدريد لزعيم بوليساريو إبراهيم غالي للاستفادة من مساعدة طبية في الأراضي الإسبانية”.

ولإضفاء طابع “إنساني” على التقرير، حاول برنامج “في 5 دقائق” جعل المجتمع الدولي “يشعر بالذنب”. وأوضح البرنامج أن الوضع السائد “يفسر معاناة” من أسماه “الشعب الصحراوي” وهو “ما يتناسب مع المصالح الدولية”.

كما هاجم التقرير “مينورسو” وهي بعثة أممية مهمتها الأساسية تنظيم استفتاء في منطقة الصحراء المتنازع عليها لتقرير مصير سكانها وحفظ السلام ومراقبة تحركات القوات المتواجدة في الصحراء المغربية من الجيش المغربي التابع للقوات المسلحة الملكية المغربية وجبهة بوليساريو، مشيرة إلى أنها لا تفعل شيئًا أكثر من ضمان متابعة الصراع، بدون اتخاذ أي إجراءات.

ولم تتطرق القناة الفرنسية إلى التنمية الاقتصادية والاجتماعية التي تعيشها الصحراء المغربية، متجاهلة إبراز منجزات المغرب بصحرائه، واستثمارات المملكة الكبرى لخدمة مصالح السكان هناك.

وقال متابعون إن القناة تستغل جهل الرأي العام في أميركا اللاتينية بالقضية لتوجيهه وفق أجندة مشبوهة ومغرضة.

وتُذاع قناة فرانس 24 الناطقة بالإسبانية في 17 من أصل 19 دولة ناطقة باللغة الإسبانية في أميركا اللاتينية.

وقالت عام 2021 إنها تجمع “أكثر من ثلاثة ملايين مشاهد كل أسبوع” في كولومبيا والأرجنتين والمكسيك، وهو رقم يزيد بنسبة 56 في المئة مقارنة بعام 2019.

القناة الفرنسية لم تتطرق إلى التنمية الاقتصادية والاجتماعية التي تعيشها الصحراء المغربية، متجاهلة إبراز منجزات المغرب بصحرائه

وعلى المستوى الرقمي، تسجل قناة فرانس 24 باللغة الإسبانية “2.8 مليون زيارة في المتوسط شهريًا (أكثر من 6.4 في المئة مقارنة بعام 2020)”.

يذكر أنه تم إطلاق قناة فرانس 24 باللغة الإسبانية عام 2017، وقد ضاعفت بالفعل بثها اليومي من 6 إلى 12 ساعة في سبتمبر 2019، ثم أعلنت القناة الفرنسية أن النسخة الإسبانية ستبث بشكل مستمر، وزاد وقت بثها من 12 إلى 24 ساعة يوميا، حرصا منها على تسريع وتيرة تطورها في أميركا اللاتينية.

وقالت القناة إن هذا التطور الجديد سمح بـ”تعزيز مكانتها في المشهد السمعي البصري في أميركا اللاتينية” من خلال تقديم “عرض معلومات مستمر باللغة الإسبانية يعادل عروض فرانس 24 بالفرنسية والإنجليزية والعربية”.

ويفتقد الإعلام اللاتيني بصفة عامة كما الرأي العام إلى القراءة الصحيحة لقضية الصحراء المغربية بسبب عدم امتلاك معلومات صحيحة.

فهل يعبر التوجه الدعائي المعادي للرباط من طرف فرانس 24 عن تعنت فرنسي إزاء حالة الفتور التي تنتاب العلاقات المغربية – الفرنسية، أم أنها مجرد دوائر ضيقة داخل القرار الفرنسي تحاول ابتزاز المغرب وعرقلة انفتاحه على الشركاء الآخرين من القوى الدولية الوازنة التي تتوجس باريس من حضورها في العمق الأفريقي، كما تتوجس من أدوار المغرب المتصاعدة في مجال يعتبره الفرنسيون خاصا بنفوذهم؟

مراقبون للشأن المغربي يتهمون وسائل الإعلام الفرنسية وخاصة قناة فرانس 24 بالانحياز والكيل بمكيالين في تغطيتها للشأن المغربي

ويتهم مراقبون للشأن المغربي وسائل الإعلام الفرنسية وخاصة قناة فرانس 24 بالانحياز والكيل بمكيالين في تغطيتها للشأن المغربي، مؤكدين تواتر الحوادث التي تؤكد هذا الأمر. ويسلط مراقبون الضوء على “ازدواجية” سلوك السلطات الفرنسية مع الانفصاليين. فبينما تقدم القناة الإخبارية فرانس 24 نفسها كمنبر في جميع المواسم للانفصاليين في بوليساريو باسم احترام حرية التعبير، تراقبها السلطات الفرنسية من أعلى مستوى من الدولة عندما يتعلق الأمر بانتقاد الجزائر.

وقال يونس مجاهد رئيس مجلس الصحافة بالمغرب إن “البروباغندا أصبحت تطغى على مضامين القناة بشكل كبير”، وشدد مجاهد على أن فرانس 24 “تتعامل مع المغرب بشكل منحاز وبانتقائية كبيرة”، مردفا أن “بلدانا عديدة تشهد خروقات لكن لا يتم التطرق إليها على الإطلاق”، ومتسائلا حول العلاقة بين هذا الأمر والنقاش بين المغرب وفرنسا على المستوى السياسي.

ويتهم مغردون وإعلاميون مغاربة وسائل إعلام فرنسية بشن هجمات إعلامية ضد بلادهم، وقالوا إن قناة فرانس 24 مولت حملة إعلانية على فيسبوك للترويج لاتهاماتها ضد المغرب.

وفي يوليو الماضي تصدر هاشتاغ ساخر بعنوان #غردكأنكصحافي_فرانس 24 الترند المغربي على مواقع التواصل الاجتماعي، رد فيه مغردون مغاربة بطريقتهم الخاصة على بعض التقارير الصحافية التي نشرتها قناة فرانس 24 حول اتهام المغرب باستخدام برنامج بيغاسوس للتجسس.

وتقول شامة درشول الباحثة المتخصصة في الإعلام الجديد إن قناة فرانس 24 تنتمي إلى ما يسمى بالإعلام الدعائي أو الإعلام الموجه، وهو الإعلام الذي يكون تابعا لوزارة خارجية دولة ما، ويمول من قبلها، لكنه ينفذ أجندة وزارة الدفاع تحت غطاء ناعم. ويستهدف هذا النوع من الإعلام الدول التي لوزارة الخارجية مصالح إستراتيجية فيها (حالة فرنسا – المغرب).

وتضيف أن “هذا النوع من الإعلام يدخل في مجال نادر اسمه الخدمات اللاعسكرية (Non military services)، حيث يتم توظيف عدد من الأدوات بما فيها الإعلام لتحقيق أهداف يستحب تحقيقها دون حاجة إلى الدخول في مواجهات عسكرية”.

وتعتبر درشول أن “فرانس 24 تقلد قناة الحرة الأميركية وقبلها راديو سوا، حيث كان إطلاق هذين المنبرين مع تداعيات أحداث الحادي عشر من سبتمبر، وحربي أفغانستان والعراق، وقبلهما كانت إذاعة صوت أميركا بأقسام موجهة للشرق الأوسط، كوبا، كوريا الشمالية وإيران”.

ورغم ذلك تؤكد الباحثة أن “فرنسا تلميذ سيء للولايات المتحدة”.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: