لجأ النظام الجزائري في الأيام الأخيرة إلى تصعيد خطابه تجاه المغرب والتلويح بالخيار العسكري بسبب أزمة “الخرائط”، في موقف لا يُعرف ما إذا كان الهدف منه التغطية على مشاكل داخلية وخارجية تحاصر الجزائر وصرف أنظار الجزائريين عنها بافتعال قضية جانبية.
يأتي هذا في وقت لا يستغرب فيه مراقبون أن يكون هذا الخطاب العدائي بمثابة تحضير نفسي لمغامرة عسكرية جزائرية ولو محدودة ضد المغرب لكسر حالة العزلة التي تعيشها، خاصة مع تواصل الضغوط الغربية على النظام الجزائري لدفعه إلى فك ارتباطه بروسيا.
سبق للمغرب أن احتج بقوة حين تصرفت قناة جزائرية مقربة من السلطة في الخارطة المعتمدة من طرف الجامعة العربية
وصعّدت الجزائر لهجة خطابها تجاه ما وصفته بـ”الأطماع التوسعية” للمغرب، غداة صدور خريطة جغرافية على مجلة “ماروك إيبدو”، اقتطعت جزءا من الأراضي الجزائرية في إطار ما يعرف بـ “الصحراء الشرقية”، ولوحت بجاهزية الجيش لمواجهة أي مخطط يستهدف السيادة الإقليمية.
وعبر رئيس الغرفة الأولى للبرلمان الجزائري (المجلس الشعبي الوطني) إبراهيم بوغالي عن جاهزية الجيش الجزائري لردع أيّ أطماع توسعية للمغرب، وهي لهجة لم تصدر منذ قرار القطيعة بين البلدين في صيف 2021، الأمر الذي قد يفتح المجال أمام خطوات أخرى مفاجئة.
ويرى مراقبون أن نشر خريطة تقتطع جزءا من أرض أي بلد يمكن الرد عليها بحجج قانونية أو حملة إعلامية تفسيرية، أو إصدار بيان، لكن التلويح بالخيار العسكري مباشرة لمواجهة خريطة يظهر أن النظام الجزائري ضعيف، وأنه وجد في هذه الخريطة فرصة للتصعيد والتغطية على حقائق أخرى أكثر أهمية.
ويشعر الجزائريون بأن النظام قد أرهقهم بالصراعات في اتجاهات مختلفة. ولا يقف الأمر عند التصعيد مع المغرب، فعلاقات الجزائر متوترة مع فرنسا وإسبانيا وتونس. ولا يلجأ النظام إلى القنوات الدبلوماسية لحل الخلافات، وإنما يمر مباشرة إلى التصعيد مثل تعليق اتفاقية الصداقة مع إسبانيا من جانب واحد، وتعطيل اتفاقية الغاز مع فرنسا وتغليب صراعات الماضي على المصالح المشتركة.
ومنذ اتهام المغرب في صيف 2021 بالوقوف وراء الحرائق التي اندلعت حينها في الجزائر، لم تتوقف السلطة الجزائرية عن تأليب الشارع ضد المغرب، خاصة بعد التطبيع بين الرباط وتل أبيب، ودخول الطرفين في اتفاقيات تعاون واسع، لاسيما في المجالين العسكري والأمني.
وبالرغم من زيادة عائدات الغاز والنفط، إلا أن النظام فشل في كسب ثقة الشارع الجزائري، وهو يضغط بكل الطرق لإسكات أصوات المنتقدين في الإعلام العمومي وعلى مواقع التواصل الاجتماعي. وقد يقود هذا الفشل إلى عودة الحراك الشعبي إلى الاحتجاج في الشارع.
ولا يستبعد المراقبون أن يلجأ النظام، الذي يعيش على وقع صراعات داخلية في ظل سيطرة المؤسسة العسكرية، إلى مغامرة عسكرية للقفز على تلك الصراعات وتأجيلها. لكنهم يحذرون من أن أي مغامرة تجاه المغرب ستعود على النظام الجزائري بالوبال خاصة في ظل التطورات التي تشهدها المنطقة وتوسع علاقات الرباط وشراكاتها العسكرية والأمنية.
وكان الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون قد صرح في لقاء له مع الصحافة المحلية، نهاية العام الماضي، بأن “القطيعة مع المغرب كانت بديلا للحرب بين البلدين”، وهو ما يتنافى مع التصعيد المسجل هذا الأسبوع في الجزائر ضد المغرب؛ فبعد برقية وكالة الأنباء الرسمية التي توصف بـ”لسان حال الدولة “، جاء التلويح بالخيار العسكري الأربعاء من طرف الرجل الثالث في السلطة، أي رئيس البرلمان.
التلويح بالخيار العسكري لمواجهة خريطة يظهر أن النظام الجزائري ضعيف، واختار الهروب إلى الأمام بدل مواجهة الحقائق
وتعيش الجزائر والمغرب، منذ إعلان القطيعة من الجانب الجزائري، على وقع حرب إعلامية وإلكترونية، ووجدت في سجال “الخرائط ” منصة لتعميق الأزمة بين البلدين والدفع بها إلى منزلق غير محسوب العواقب، في حين خفت صوت النخب السياسية والأهلية والأكاديمية الداعية إلى حصر الخلاف في المؤسسات الرسمية وإبعاد الشعبين عنه، بسبب هيمنة الخطاب الصدامي.
وقد سبق للمغرب أن احتج بقوة خلال انعقاد القمة العربية بالجزائر في مطلع شهر نوفمبر الماضي، حين تصرفت قناة جزائرية مقربة من السلطة في الخارطة المعتمدة من طرف الجامعة العربية، حيث استحدثت حيزا لإقليم الصحراء في تحد للمغرب الذي يرى أن الأقاليم الجنوبية جزء من أراضيه.
كما احتج المغرب على أقمصة رياضية أنتجتها شركة إعلانات رياضية ألمانية للاعبي المنتخب الجزائري، على خلفية حمله أشكال “الزليج” المتنازع على ملكيته بين البلدين.