تعمل واشنطن على تدعيم تحالفها مع المغرب بشكل أكبر في الآونة الأخيرة ضمن مسار يظهر الأهمية التي توليها الولايات المتحدة للمملكة المغربية على المستوى الإستراتيجي، وفي نفس الوقت التحرك لتطويق النفوذ الروسي – الإيراني المتزايد في شمال أفريقيا وغربها ومنطقة الساحل والصحراء، خاصة بعد إعلان فرنسا انسحابها من المنطقة.
ولا ينحصر الاعتماد على المغرب في القدرات العسكرية والخبرة الأمنية، فمنطقة الساحل هي منطقة نفوذ تقليدية دينيا بالنسبة إليه ما يمكنه من الوقوف بوجه التمدد المذهبي الإيراني الذي يفتح الطريق أمام قدوم المسيّرات.
وأكد رئيس هيئة الأركان المشتركة الأميركية الجنرال مارك ميلي الأحد أن “المغرب شريك وحليف كبير للولايات المتحدة”، وذلك خلال زيارة يقوم بها إلى الرباط.
والتقى رئيس هيئة الأركان المشتركة الأميركية مع الوزير المغربي المنتدب لدى رئيس الحكومة المكلف بإدارة الدفاع عبداللطيف لوديي والجنرال دوكور دارمي بلخير الفاروق المفتش العام للقوات المسلحة الملكية وقائد المنطقة الجنوبية.
وشدد الجنرال ميلي على متانة العلاقات العسكرية التي تجمع بين البلدين معربا عن رغبة بلاده في تعميقها وتوسيعها، مشيرا في هذا الصدد إلى مناورات الأسد الأفريقي التي تقام منذ حوالي 20 سنة والتي أثبتت فاعليتها، إلى جانب العديد من القضايا الأخرى المتعلقة بالأمن الإقليمي.
ويرى محللون سياسيون أن تمتين التعاون الأميركي – المغربي، في ظل صراع النفوذ المتزايد بين الدول الكبرى على شمال أفريقيا، سيكون عنصرا مؤثرا في حماية مصالح البلدين من ناحية، وسيجعل المغرب بصفة خاصة عنصر توازن يساعد على الاستقرار في هذه المنطقة ذات البعد الحيوي ويقطع الطريق على أيّ تصعيد يدفع نحوه النظام الجزائري للتغطية على صراعاته الداخلية.
وكشفت التطورات الأمنية في السنوات الأخيرة عن أهمية الدور المغربي بالنسبة إلى أوروبا والولايات المتحدة. ولعبت المملكة المغربية دورا بارزا في الحرب على الإرهاب، ومكنت شركاءها الغربيين من معطيات أمنية بالغة القيمة ساعدت على تفكيك عدة شبكات إرهابية وأفشلت خططها.
ونجح المغرب في فتح عيون الدول الغربية على الخطر الإستراتيجي الذي يمثله التعاون بين النظام الجزائري وإيران، وكان أول من كشف عن تسليم طهران مسيّرات إلى بوليساريو وعن تدريب حزب الله لمسلحي هذه الجبهة الانفصالية، ما جعل أوروبا تشعر بأن الخطر الإيراني بات على حدودها الجنوبية.
ولاحقا، جاءت تقارير دولية لتدعم المعطيات التي قدمها المغرب بشأن خطر التعاون الجزائري – الإيراني، ومثلت عنصر ضغط إضافي على الجزائر التي تحولت إلى عامل توتير في المنطقة ليس فقط بسبب النشاط الإيراني المتزايد، ولكن كذلك بسبب النفوذ الروسي المتعاظم، في الوقت الذي فشلت فيه مساعي النظام الجزائري لتبديد مخاوف الغرب.
ويقول مراقبون إن المغرب يمتلك نقطة قوية إضافية وهي علاقاته الدينية والتاريخية مع أفريقيا، حيث يعتبر مرجعا روحيا للحركات الصوفية، وهو ليس في حاجة إلى بذل الكثير من الجهد وأئمته موجودون على الأرض، والرباط ملتقى دوري لمختلف الزعامات السياسية والدينية والقبلية في عموم منطقة الساحل.
ونشطت إيران في استبدال الحضور السلفي الذي أسست له السعودية هناك، قبل أن تقرر الانسحاب مما ترك فراغا سارعت طهران إلى استثماره من خلال مشاريع اجتماعية كالمدارس والمستشفيات والمراكز الثقافية ثم التبشير الديني وصولا إلى تأسيس ما يسمى بحزب الله – النسخ الأفريقية.
ويرى المراقبون أن الحضور الديني والثقافي في أفريقيا يجعل المغرب الأقدر على مواجهة إيران وعزلها، وهو ما يفسر سعي الولايات المتحدة لتمتين علاقاتها مع المملكة.
وقال هشام معتضد الخبير المغربي في العلاقات الدولية والأمنية إن زيارة رئيس هيئة الأركان المشتركة الأميركية إلى الرباط ترتبط بالتطورات الإقليمية التي تشهدها المنطقة المغاربية ومنطقة الساحل والصحراء، خاصة بعد وجود أدلة على التوغل الإيراني في شمال أفريقيا وبالتحديد في المحيط الإقليمي للمملكة، إلى جانب تسارع النفوذ الروسي بالمنطقة.
وأضاف معتضد في تصريح لـه أن الحوار المغربي – الأميركي عالي المستوى يمثل مناسبة لتمرير رسائل ذات أبعاد عسكرية في المنطقة وذلك لوجود سلوكات وتوجهات تهدد الأمن الإقليمي والمصالح المشتركة للمغرب والولايات المتحدة في ظل التدخلات الأجنبية في المنطقة.
وتأتي زيارة ميلي مباشرة بعد زيارة أخرى قام بها وفد أميركي يضم أسماء وازنة من الحزبين الديمقراطي والجمهوري تقدمه السيناتور بوب مينديز، وهو رئيس لجنة الشؤون الخارجية بمجلس الشيوخ، والسيناتور ليندسي غراهام، وتم خلالها مناقشة التعاون الثنائي مع المسؤولين المغاربة من أجل مواجهة مجموعة من التحديات الأمنية الإقليمية بشكل مشترك منها مكافحة الإرهاب.
وشدد وفد الكونغرس أثناء اجتماعه مع وزير الشؤون الخارجية المغربي ناصر بوريطة، نهاية الشهر الماضي، على أهمية الرهان الإستراتيجي الأميركي على المغرب على المستوى الإقليمي، مبرزا أن المغرب يعد أحد أقرب وأقدم حلفاء بلاده.
وفي سياق صراع النفوذ بمنطقة شمال أفريقيا، تزامنت زيارة وفد الكونغرس الأميركي إلى المغرب مع زيارة سكرتير مجلس الأمن الروسي نيكولاي باتروشيف إلى الجزائر، حيث التقى بقائد أركان الجيش الجزائري الفريق أول السعيد شنقريحة من أجل “تعزيز التعاون العسكري ومناقشة القضايا ذات الاهتمام المشترك”، وفق ما أورده بيان لوزارة الدفاع الجزائرية، الذي ذكر أن الجانبين “بحثا التعاون العسكري بين البلدين والسبل الكفيلة بتعزيزه”.
ولفت أستاذ القانون المغربي محمد الكريني إلى أن تنافس إيران وروسيا الكبير لتثبيت نفوذهما داخل القارة الأفريقية دفع الولايات المتحدة إلى توسيع التعاون مع المغرب عسكريا وسياسيا ولوجستيا للحفاظ على المصالح الحيوية المتبادلة على المستوى القاري والإقليمي.
وشدد الكريني في تصريح لـه على أن إيران وروسيا تجمعهما نفس النظرة القلقة من تزايد تحالفات الرباط المهمة مع واشنطن التي دعمت سيادة المغرب على صحرائه، إلى جانب التعاون الأمني والعسكري بينهما ما يعكس تحذيرا لأيّ تواجد إيراني في المنطقة.
وعبرت واشنطن عن قلقها بشأن الحضور المتزايد لمجموعة المرتزقة فاغنر في أفريقيا، بعد إصرار موسكو على التواجد بالمنطقة من خلال تقديم خدماتها العسكرية للحكومات المحلية في مالي وبوركينا فاسو.
وقالت نائبة المتحدث باسم وزارة الدفاع الأميركية سابرينا سينغ، في وقتٍ سابق، إن البنتاغون “يراقب باستمرار تصرفات وتواجد روسيا في شمال أفريقيا ونموه المستمر، لكنه ليس مستعداً بعد للحديث عن إجراءات ردّ محتمل”.