تشكل العلاقة المتنامية بين الجزائر وروسيا وإيران تحديا كبيرا بالنسبة للولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين، خصوصا وأن هذه العلاقة باتت تؤثر بشكل كبير على الوضع في منطقة الساحل الأفريقي، وسط دعوات غربية إلى ضرورة التحرك في مواجهة هذا الوضع قبل فوات الأوان.
يتابع الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة بقلق تنامي العلاقات بين الجزائر وروسيا وإيران، وسط تقارير تفيد باعتزام الجزائر تسهيل إنشاء قواعد عسكرية روسية في منطقة الساحل الأفريقي بمساعدة إيران.
وتملك الجزائر بحكم موقعها الجغرافي حضورا مهما في منطقة الساحل وهي ترعى مفاوضات بين الفرقاء الماليين، ويخشى الغرب من أن توظف الجزائر هذا التأثير والحضور لزيادة تمكين روسيا في هذه الساحة.
وتشهد منطقة الساحل الأفريقي تنافسا محتدما بين روسيا من جهة والولايات المتحدة وحلفائها الغربيين من جهة ثانية، وتبدو الكفة إلى حد الآن تميل إلى صالح موسكو، عبر مجموعة فاغنر.
وسبق وأن أبدت الولايات المتحدة قلقها من العلاقات الروسية –الجزائرية، مطالبة الجزائر بضرورة وضع مسافة مع موسكو، وأن التخفي خلف سياسة الحياد، لم يعد مقبولا في ظل المتغيرات الطارئة على المشهد الدولي والإقليمي، لكن الجزائر رفضت إلى حد الآن مثل هذه الضغوط الأميركية.
ويقول متابعون إن تنامي الحضور الروسي في منطقة الساحل والذي يجري بتنسيق مع إيران، يجعل من واشنطن وحلفائها الأوروبيين منتبهين أكثر للدور الذي يمكن أن تلعبه الجزائر في تعزيز هذا الحضور.
الجزائر تتلقى إمدادات مهمة من الطائرات دون طيار من إيران، لنقلها إلى جبهة بوليساريو الانفصالية
وأشارت العديد من تقارير الاتحاد الأوروبي وتسريبات لوسائل إعلام غربية إلى تلقي الجزائر إمدادات مهمة من الطائرات دون طيار من إيران، لنقلها إلى جبهة بوليساريو، وهي مجموعة انفصالية تحظى بدعم السلطات الجزائرية، في معركتها ضد المغرب.
وذكرت التقارير اعتزام إيران على نقل تجربة حزب الله اللبنانية إلى المنطقة الأفريقية عبر إنشاء الفرع الأكثر راديكالية من إسلاميتها في الساحل والصحراء، وهي تحتاج في ذلك إلى دعم من الجزائر.
ونشرت صحيفة “لوموند” الفرنسية مؤخرا تقريرا يفيد بأن الحكومة الجزائرية سمحت بدخول مجموعة فاغنر الروسية (التي تقاتل حاليا في أوكرانيا بموجب أوامر من الرئيس فلادمير بوتين) إلى مالي، وهو ما تسبب في انسحاب فرنسا من البلد الأفريقي، وقد شكل ذلك ضربة كبيرة للتحالف الذي تقوده الولايات المتحدة لإنهاء الإرهاب في المنطقة.
وتعتبر الحكومة الجزائرية حليفا قويا وتاريخيا لروسيا وتشير التقديرات إلى أنها تشتري سنويا أسلحة بقيمة 10 مليارات دولار، ما يسمح بتمويل العملية الروسية الخاصة في أوكرانيا. وبحلول عام 2023، تخطط الجزائر لتخصيص 23 مليار دولار لشراء الأسلحة، أكثر من نصفها سيكون من روسيا.
وانعكس التحالف العسكري الروسي – الجزائري في الآونة الأخيرة في المناورات المشتركة، البحرية بشكل رئيسي، التي أجريت بين البلدين في البحر المتوسط. وقد جعلت الجزائر العاصمة موانئها وسفنها متاحة لموسكو. كما شاركت في مناورات عسكرية أخرى طورها كلا البلدين في الماضي، سواء في القوقاز أو في سيبيريا، وكذلك في شمال أفريقيا.
الحكومة الجزائرية تعتبر حليفا قويا وتاريخيا لروسيا وتشير التقديرات إلى أنها تشتري سنويا أسلحة بقيمة 10 مليارات دولار
وزار سكرتير مجلس الأمن الروسي نيكولاي باتروشيف مؤخرا الجزائر، حيث بحث مع كبار المسؤولين الزيارة المقررة للرئيس عبدالمجيد تبون إلى موسكو في مايو المقبل، وعلاقات التعاون في مجالات الدفاع والأمن.
واستقبل تبون المسؤول الروسي بمقر الرئاسة، بحضور بومدين بن عتو، المستشار لدى رئيس الجمهورية، المكلف بشؤون الدفاع والأمن، بحسب بيان مقتضب للرئاسة الجزائرية.
والتقى المسؤول الروسي في اليوم نفسه مع رئيس أركان الجيش الجزائري الفريق سعيد شنقريحة، وقادة القوات البرية والبحرية والجوية، وقائد سلاح الدرك، وأبرز المديرين بقطاع الدفاع، بحسب ما جاء في بيان لوزارة الدفاع الذي أكد أن الطرفين “أجريا محادثات تناولت التعاون العسكري بين البلدين، كما بحثا السبل والوسائل الكفيلة بتعزيزه أكثر فأكثر، وتبادلا وجهات النظر حول القضايا ذات الاهتمام المشترك”.
ونقل البيان عن شنقريحة قوله إن الزيارة “تمثل بالنسبة لنا دليلا على الإرادة الثابتة والصريحة لبلدينا لتعزيز، بشكل أكبر، الشراكة الإستراتيجية والتاريخية التي تميز علاقاتنا الثنائية، وبالأخص في مجال التعاون العسكري”.
ولا تخلو زيارة المسؤول الروسي رفيع المستوى إلى الجزائر من تحد للإرادة الغربية، وسط ترجيحات لمتابعين بأن الغرب مضطر إلى إعادة النظر في سياسته مع الجزائر، التي اتسمت حتى الآن بالليونة.
وأشار خيسوس سانشيز لامباس، نائب رئيس معهد الإحداثيات للحكم والاقتصاد التطبيقي، إلى “أن المعلومات المتاحة تسمح لنا بالتنبؤ بسيناريو مزدوج لعدم الاستقرار يسمح لروسيا ببناء قبضة حول الاتحاد الأوروبي: أوكرانيا في الشمال والصحراء في الجنوب، مما يؤدي إلى تفاقم أزمة إمدادات الطاقة”.
ويرى سانشيز لامباس أنه “فيما تتركز الدراما الإنسانية في الشمال حيث ينصب كل الاهتمام السياسي والإعلامي للولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، يُنظر إلى الوضع في الجنوب على أنه شيء بعيد”.
وشدد نائب رئيس معهد الإحداثيات للحكم على أن “القوى الغربية يجب عليها توقع الكارثة من خلال تعزيز العلاقات مع عدد قليل من الشركاء الموثوق بهم في المنطقة، مثل المغرب. وإن بدأ الوقت متأخرا”.