تضاربت الروايات بشأن دوافع الاستقالة المفاجئة للأمين العام للاتحاد العام للعمال الجزائريين سليم لعباطشة، لاسيما وأنها تأتي عشية تمرير مشروع قانون العمل النقابي والحق في الاضراب المعروض على البرلمان.
وقدم لعباطشة استقالته من منصبه على رأس أعرق التنظيمات النقابية في البلاد، وعزت المنظمة القرار إلى أسباب شخصية، لكن تزامنها مع الجدل القائم حول التشريع الجديد، فتح المجال أمام تأويلات أخرى تتحدث عن فرضية تعرض الرجل لضغوط بعد تعبيره عن موقف معارض للمشروع.
وكانت تنظيمات نقابية مستقلة قد خاضت إضرابا ونظمت وقفات احتجاجية نهاية الأسبوع الماضي للتعبير عن رفضها للمشروع الذي تستعد الحكومة للدفاع عنه أمام نواب البرلمان، ودعت إلى سحبه وتنظيم جلسات حوار وتشاور بين الحكومة والشركاء الاجتماعيين.
استقالة الأمين العام لاتحاد العمال الجزائريين سليم لعباطشة عشية تمرير مشروع قانون يستهدف العمل النقابي
ولم يشارك الاتحاد العام للعمال الجزائريين في الإضراب، لكنه سبق وأن وجه تحفظات على مشروع القانون، وسط أنباء عن تعرض المنظمة النقابية لضغوط خصوصا وأنها محسوبة على الموالاة.
وجاء لعباطشة إلى هرم أكبر التنظيمات النقابية الجزائرية في العام 2019، في أعقاب انسحاب الأمين العام السابق عبدالمجيد سيدي سعيد، بعد تنحي الرئيس الراحل عبدالعزيز بوتفليقة عن السلطة في ماي 2019، وقد وجهت له تهم فساد انتهت إلى سجنه العام 2022.
وينحدر الأمين العام المستقيل من عائلة اليسار السياسي، حيث كان قياديا في حزب العمال الذي تتزعمه لويزة حنون، قبل أن يحاول الانقلاب عليها والاستحواذ على الحزب، لكنه فشل في ذلك، ثم تبوّأ منصب الأمين العام للاتحاد العام للعمال الجزائريين.
وأرجع بيان صادر عن الاتحاد سبب الاستقالة إلى “أسباب شخصية”، لم يوضحها، بينما تحدثت مصادر مقربة من لعباطشة عن أن الوضع الصحي للرجل لا يسمح له بالاستمرار في منصبه.
وأوضح الاتحاد في بيانه أن “الشغور جاء بعد انسحاب سليم لعباطشة من منصبه، لأسباب شخصية لم تمكنه من التفرغ كليا لأداء مهام الأمين العام على أحسن وجه مستقبلاً، وأنه تم تكليف حمو طواهرية رئيس نقابة عمال قطاع المحروقات (أحد فروخ الاتحاد)، لقيادة التنظيم بالنيابة إلى غاية تنظيم مؤتمر جديد”.
ويعد لعباطشة الأمين العام الوحيد الذي لم تدم مسؤوليته طويلا، فعادة ما قضى أسلافه سنوات طويلة على رأس الاتحاد ولم ينسحبوا إلا لأسباب قاهرة، حيث اغتيل عبدالحق بن حمودة العام 1996 من طرف مسلحين إرهابيين، وانسحب عبدالمجيد سيدي سعيد تحت ضغط احتجاجات الحراك الشعبي.
والاتحاد العام للعمال الجزائريين تنظيم نقابي موروث عن حقبة النضال ضد الاستعمار الفرنسي، وظل لسان حال الطبقة الشغيلة في البلاد خلال حكم الحزب الواحد، واستطاع الحفاظ على وعائه الشعبي حتى بعد التعددية في العام 1989، لكنه فقد بريقه في السنوات الأخيرة لحكم الرئيس بوتفليقة بسبب مواقفه المؤيدة للخيارات الاجتماعية والاقتصادية للحكومات المتعاقبة ودعمه السياسي للرئيس الراحل، مقابل ظهور نقابات مستقلة استقطبت قطاعا عريضا من قواعد المركزية النقابية.
تنظيمات نقابية مستقلة كانت قد خاضت إضرابا ونظمت وقفات احتجاجية للتعبير عن رفضها للمشروع الذي تستعد الحكومة للدفاع عنه أمام نواب البرلمان
ووفق بيانات الاتحاد فإنه يضم في صفوفه 2.3 مليون منخرط، وهو منتشر في مختلف القطاعات الإدارية والاقتصادية والخدماتية الحكومية والخاصة، لكن تواريه عن الأنظار في السنوات الأخيرة، رغم الوضع الاقتصادي والاجتماعي الذي تمر به البلاد أفقده وزنه القاعدي بحسب متابعين.
وظل الاتحاد العام للعمال الجزائريين يمثل شريكا اجتماعيا وسياسيا للسلطة ولفئة أرباب العمال، حيث جرت التقاليد على تنظيم لقاءات سنوية بين الأطراف الثلاثة لضمان الليونة اللازمة وتفادي الاحتجاجات، لكن الرئيس الحالي أدرج سُنّة جديدة منذ تقلده السلطة في البلاد، حيث عمد إلى اتخاذ إجراءات اجتماعية كرفع الرواتب والمعاشات والتسويات الإدارية بعيدا عن رأي الشركاء الاجتماعيين وأرباب العمل.
وقد تكون تلك الخطوة حلقة من مسلسل تحييد السلطة الجديدة للفواعل السياسية والنقابية في مناقشات الشأن العام، والاكتفاء بالتنظيمات والجمعيات الأهلية كشريك جديد لها.
وانضمت استقالة لعباطشة، من رئاسة أكبر منظمة نقابية في البلاد، إلى استقالات أخرى سجلت في قطاعات مختلفة، كالإعلام والسياسة، حيث سبق للوزير السابق والسياسي ومرشح الانتخابات الرئاسية الأخيرة عزالدين ميهوبي أن أعلن عن استقالته من الشأن السياسي وتفرغه للعمل الأدبي، الأمر الذي يؤشر على تحول صامت يترجم درجة التضييق التي تعيشه البلاد.