بن كيران يثير قضايا خلافية ليست ذات أولوية بالنسبة إلى المغاربة

ماموني

لا يزال الأمين العام لحزب العدالة والتنمية عبدالإله بن كيران يكرر ذاته بتمسكه بإثارة قضايا إشكالية ليست ذات أولوية بالنسبة للمواطن المغربي، على أمل استعادة الحزب الإسلامي البعض من بريقه داخل المشهد السياسي والشعبي في المملكة.

ويجد بن كيران في قضية الميراث أحد المداخل لدغدغة مشاعر المواطن المغربي، على الرغم من كون هذه القضية محسوما أمرها داخل المملكة.

وحتى يعطي للموضوع بعدا سياسيا، حذر بن كيران في بث مباشر على حسابه الرسمي بموقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، مساء السبت، المطالبين بالمناصفة في الإرث، الذين وصفهم بـ”نبتة السوء”، من مغبة ما يدعون إليه.

وقال الأمين العام لحزب العدالة والتنمية “لدينا بنية وصمدت، وبالأمس كان لدينا الربيع العربي، وتجاوزناه لثقة الناس في المرجعية التي نؤمن بها، وأنتم تغامرون بكل هذا، في وقت لا أحد طلبه منكم”، مضيفا “إذا كان أحد يريد التصرف في ماله كيفما شاء فهذا حقه في حياته، ولكن إذا توفي فلم يعد ذلك حقه، بل حق الشريعة، وإلا فستفتحون علينا أبواب التطرف”.

 

هشام عميري: تصريحات بن كيران محاولة يائسة لاستعادة ما فقده الحزب
هشام عميري: تصريحات بن كيران محاولة يائسة لاستعادة ما فقده الحزب

 

ولفت بن كيران إلى أن هذه المطالب تهديد صريح لأسس الدولة المغربية المبنية على الشريعة الإسلامية وإمارة المؤمنين، مشيرا إلى أن “دولا إسلامية تجرأت على أحكام شرعية وكانت عاقبتها ما ترون اليوم، ومنها تونس والعراق وسوريا والصومال”.

ويتخذ التيار الإسلامي من موضوع الإرث وغيره من القضايا التي تدخل في صميم الشريعة الإسلامية، ملعبا لمغازلة الناس، ويتم التركيز على إثارة مثل هذه القضايا مع اقتراب كل استحقاق انتخابي، كما هو الحال بالنسبة لحزب بن كيران.

وأكدت شريفة لمويير، الباحثة في العلوم السياسية بجامعة الرباط، أن “حزب العدالة والتنمية يلعب على المرجعية التي تؤسس لأحزاب الإسلام السياسي بهدف استمالة المؤيدين وتحقيق مكاسب سياسية، وذلك ما عشناه عقب تصدرهم لنتائج الانتخابات سنة 2011”.

واعتبرت لمويير أن بن كيران ليس بغريب خروجه للحديث ومهاجمة كل من يطالب بالإصلاحات الخاصة بمدونة الأسرة في شقها المتعلق بالمساواة في الإرث بين الأنثى والذكر.

وقالت الباحثة المغربية في تصريحات لـه إن الهدف من هذا الخطاب سياسي بالدرجة الأولى، حيث يسعى بن كيران لاستمالة المواطنين واللعب على وتر عواطفهم، على اعتبار أن هذه القضية محفوظة لمؤسسة إمارة المؤمنين التي توازن بين الديني والسياسي بما يخدم المصلحة العليا للوطن والمواطن.

وبعد توجيه العاهل المغربي الملك محمد السادس، في خطاب العرش في الحادي والثلاثين من يوليو الماضي، بمراجعة مدونة الأسرة (قانون الأحوال الشخصية) لتجاوز الاختلالات التي اعترت بعض بنودها، ارتفع النقاش حول العديد من المواد التي يتعين إصلاحها في المدونة بين أحزاب وجمعيات تتخذ من “المرجعية الإسلامية” كأساس لأي تغيير، فيما تركز الجهة الأخرى على مبادئ حقوق الإنسان والخيار الديمقراطي.

وكانت أمينة بوعياش، رئيسة المجلس الوطني لحقوق الإنسان، قد أكدت في وقت سابق ضرورة إقرار مبدأ المناصفة في نظام الإرث بالمغرب، معتبرة أن النظام الحالي يحمل عددا من مظاهر التمييز ضد المرأة، مضيفة أن إحدى صور هذا التمييز هي نظام التعصيب والوصية وقاعدة “للذكر مثل حظ الأنثيين”.

وقال أحمد الخمليشي، مدير دار الحديث الحسنية، في ندوة علمية بكلية علوم التربية بالرباط، إنه “لا يجادل أحدا في وجود مقتضيات في مدونة الأسرة قابلة للمناقشة والتعديل، ولكن الحوار ينبغي أن يكون هادئا وهادفا وأن نتناوله برزانة واستماع لكل الآراء، عوض التركيز على نقد المخالف، مع ضرورة تجاوز بعض المقولات التي تخلط بين الرأي الاجتهادي القابل للمراجعة وبين نصوص الوحي التي أُنزلت للطاعة والتطبيق”.

 

شريفة لمويير: بن كيران يحاول استمالة المواطنين واللعب على وتر عواطفهم
شريفة لمويير: بن كيران يحاول استمالة المواطنين واللعب على وتر عواطفهم

 

وكان بلاغ صادر عن الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية، اعتبر أن الدعوات إلى المناصفة في الإرث “خروج عن الإجماع الوطني والثوابت الجامعة للأمة المغربية، كما حددها الدستور المغربي الذي ينص على أن المملكة المغربية دولة إسلامية، وأن الإسلام دين الدولة، وأن الهوية المغربية تتميز بتبوّء الدين الإسلامي مكانة الصدارة فيها”.

واعتبر الحزب الإسلامي أن الهدف الأساسي وغير المعلن لتلك الدعوات، “يبقى هو المس بقدسية النص القرآني وتحطيم سمو الشريعة الإسلامية، وهو ما سيؤدي – لا قدر الله – إلى تخريب أسس نشوء واستمرار ووحدة واستقرار الدولة المغربية القائمة على الدين الإسلامي السمح والبيعة لولي الأمر وإمارة المؤمنين، وهما الأساسان المرتبطان بالنص القرآني وبالشريعة الإسلامية”.

وتفاعل رئيس الحكومة وحزب التجمع الوطني للأحرار عزيز أخنوش مع هذا الموضوع، مؤكدا في اجتماع حزبي السبت أن “الاجتهاد الفقهي المغربي الذي أبان عن تفرده في إطار إمارة المؤمنين سيبدع مجددا إصلاحات تواكب التحولات الاقتصادية والاجتماعية، وترتقي إلى مستوى الطموحات الحقوقية، وأن المدونة وازنت بين التمسك بجوهر العقيدة الإسلامية والانفتاح على الواقع المعيش والمحيط الحضاري”، لافتا إلى أن هذا الأمر “لم يكن ليتحقق لولا فضل ممارسة الملك لاختصاصاته الدينية كأمير للمؤمنين”.

وأكد هشام عميري، أستاذ العلوم السياسية، في تصريح لـه، أن تصريحات بن كيران محاولة يائسة لاستعادة ما فقده الحزب في الانتخابات التشريعية الأخيرة، خصوصا وأن المواطن المغربي فقد الثقة في الكثير من كلام السياسيين، ولاسيما أولئك الذين يستغلون الدين لأغراض سياسية ضيقة، لافتا إلى أن العدالة والتنمية كانت له تجربة غير موفقة في تدبير الشأن العام، وفشل في معرفة المسافة بين الحزب ومتطلبات المواطن المغربي.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: