زيارة المفوض الأوروبي المكلف بسياسة الجوار إلى الرباط تأكيد على التزام أوروبي بالشراكة

ماموني

تشكل زيارة المفوض الأوروبي المكلف بسياسة الجوار وتوسيع الاتحاد إلى الرباط فرصة لامتصاص التوتر الذي طبع مؤخرا العلاقات المغربية – الأوروبية على خلفية توصية صادرة من البرلمان الأوروبي رأت فيها الرباط تحاملا عليها وتدخلا في شؤونها الداخلية.

تعكس زيارة المفوض الأوروبي المكلف بسياسة الجوار وتوسيع الاتحاد أوليفر فارهيلي إلى الرباط والتي تم خلالها توقيع حزمة من الاتفاقيات، رغبة الاتحاد الأوروبي في احتواء التوتر الذي استجد في الأسابيع الماضية مع المغرب، وحرص مؤسسات الاتحاد على الحفاظ على الشراكة متعددة الأوجه مع المملكة.

وتعتبر زيارة المفوض الأوروبي، التي بدأت الأربعاء وتستمر إلى الجمعة، الثانية له إلى المغرب في أقل من عام.

وحسب المفوضية الأوروبية، ستساهم زيارة فارهيلي إلى الرباط في جعل سنة 2023 مرحلة هامة لتعزيز فعالية الشراكة بين المغرب والاتحاد الأوروبي في أفق عقد الدورة الخامسة عشرة لمجلس الشراكة بين الطرفين، وفرصة لتأكيد التزام الاتحاد والرباط بمواصلة التعبئة واتخاذ التدابير الضرورية لتوطيد شراكتهما وضمان استمراريتها في خدمة مصالحهما المشتركة، بروح من الثقة المتبادلة.

 

محمد لكريني: الزيارة جاءت لتطويق أي مطبات من طرف مؤسسات أوروبية أخرى
محمد لكريني: الزيارة جاءت لتطويق أي مطبات من طرف مؤسسات أوروبية أخرى

 

وأجرى فارهيلي خلال اليوم الثاني من زيارته مباحثات مع وزير الشؤون الخارجية والتعاون الأفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج ناصر بوريطة إلى جانب عدد آخر من المسؤولين المغاربة حول مسار العلاقات الثنائية وآفاق تطويرها.

وقال المفوض الأوروبي في مؤتمر صحافي عقده مع وزير الخارجية المغربي إن “المغرب ركيزة أساسية للاستقرار في حوض المتوسط”، مبرزا أن “هذا التموقع الجيوستراتيجي للمملكة يعطيها حضورا أقوى بفضل الإصلاحات المهيكلة التي حقّقتها”.

وشدّد المسؤول الأوروبي على أن المغرب “شريك أساسي للمفوضية الأوروبية، ولا يمكن إيجاد شريك مثيل له”، مضيفا أن “هذا التعاون المثمر في صالح جميع الأطراف”.

من جهته اعتبر بوريطة أن زيارة فارهيلي “تؤكد على عمق ومناعة وقوة العلاقات التي تجمع المملكة بالمفوضية الأوروبية”.

وأوضح وزير الخارجية المغربي أن الزيارة “تقع ضمن لقاءات إيجابية تطبعها روح الصراحة والصداقة وروح تنفيذ التزاماتنا في ما يخص تطوير العلاقة مع الاتحاد الأوروبي”، وشدد على أنه سيتم العمل على تنفيذ كل ما تم التفاهم بشأنه من أجل فتح آفاق جديدة على المستوى الأمني ومجال الهجرة انطلاقا من العام الجاري.

ولفت بوريطة إلى أن “هناك حوارا متعدد الأطراف سيكون بين المغرب والمفوضية حول القضايا المشتركة”، متوقفا عند “التعاون الثلاثي الإقليمي بين المغرب والمفوضية وإسرائيل، وهو عنصر مكمل للتعاون الثنائي وسيهم قضايا متعددة”.

ومضى قائلا “كدول جنوب البحر الأبيض المتوسط، سيتم تحقيق هذا التعاون الإقليمي ذي البعد المشترك. وسيتم التوقيع على وثيقة قبل نهاية هذا الشهر لتأكيد هذا البعد الإقليمي”.

واعتبر محمد لكريني أستاذ العلاقات الدولية في كلية الحقوق آيت ملول جامعة ابن زهر، أن هذه الزيارة من طرف المسؤول الأوروبي كجهة تنفيذية جاءت لتطويق أي مطبات من طرف مؤسسات أوروبية أخرى قد تعرقل تمتين علاقات الاتحاد مع المغرب، واستيعاب انفتاح المملكة على مجموعة من القوى الدولية الكبرى مثل الصين وروسيا والهند.

وتفعيلا لروح الشراكة الثنائية دعا وزير الشؤون الخارجية المغربي الاتحاد الأوروبي إلى التفاعل السريع مع خروج المغرب من اللائحة الرمادية لمجموعة العمل المالي من خلال سحبه من اللائحة الرمادية للاتحاد الأوروبي، مشيرا إلى أن الاتحاد له تعامل تلقائي مع هذه اللوائح.

5.5 مليار درهم (500 مليون دولار) قيمة خمسة برامج للتعاون المشترك لدعم برامج الإصلاح في البلاد

وقال بوريطة إن “الإصلاحات الملكية جعلت المغرب يخرج من مسلسل المتابعة المعززة أو ما يعرف باللائحة الرمادية لمجموعة العمل المالي ‘فاتف’”.

وأضاف المسؤول المغربي أن “الاتحاد الأوروبي له تعامل تلقائي مع هذه اللوائح، وبما أن المغرب خرج من لائحة ‘فاتف’، فإن على الاتحاد الأوروبي التفاعل بسرعة مع هذا الأمر ويسحب المغرب من اللائحة الرمادية للاتحاد الأوروبي”.

ويرى لكريني في تصريحات لـه أن المفوض الأوروبي يعي جيدا الموقع الإستراتيجي المهم للمغرب فضلا عن الأدوار التي يلعبها في هذا الصدد، مشيرا إلى أن للرباط وضعا متقدما مع هذا التكتل رغم اختلاف القوى والموازين بين هذين الطرفين.

وسبق لبوريطة أن أكد أن المغرب يطمح إلى شراكة متينة تقوم على الاحترام المتبادل وتقارب المصالح والقيم المشتركة، لافتا إلى أن زيارة المفوض الأوروبي تأتي في وقت تشهد فيه الشراكة المغربية – الأوروبية تطورا مستمرا ونتائج إيجابية، على الرغم من بعض المنغصات.

وكانت العلاقة بين المغرب والاتحاد الأوروبي شهدت توترا في الفترة الماضية على خلفية نجاح بعض اللوبيات المعادية للرباط في تمرير توصية داخل البرلمان الأوروبي تضمنت انتقادات لواقع الحريات في المملكة، كما لم تخل تلك التوصية من تدخل في شؤون القضاء المغربي.

وقد اتهمت الرباط صراحة بعض القوى في الدولة العميقة الفرنسية بالوقوف خلف تلك التوصية غير الملزمة، في محاولة للتهرب من بعض الالتزامات حيال المغرب ومنها مسألة الصحراء.

ولا تزال بعض دول الاتحاد الأوروبي في نظر الرباط لم تتجاوز المنطقة الرمادية بخصوص الاعتراف بمغربية الصحراء وتأييد المقترح المغربي للحكم الذاتي، وذلك تماشيا مع الخطاب الملكي بمناسبة ثورة الملك والشعب في العشرين من أغسطس الذي اعتبر أن الصحراء هي النظارة التي ينظر بها المغرب إلى العالم ويقيس بها التزام حلفائه.

ولفت لكريني إلى أنه رغم التعاطي الإيجابي لفارهيلي مع ملف الصحراء المغربية إلا أنه لا يرقى إلى موقف إسبانيا المتقدم وأيضا الاعتراف الأميركي بمغربية الصحراء، ويمكن للمغرب أن يستثمر موقف هذا المسؤول المهم داخل التكتل الأوروبي خدمة لمصالحه العليا في إطار رابح رابح.

ووقع المغرب والاتحاد الأوروبي الخميس خمسة برامج للتعاون المشترك بقيمة 5.5 مليار درهم (500 مليون دولار) لدعم برامج الإصلاح في البلاد.

وأوردت وكالة المغرب الرسمية أن الوزير المنتدب المكلف بالميزانية فوزي لقجع وقع الاتفاقيات مع المفوض الأوروبي.

وتتعلق الاتفاقيات بدعم الحماية الاجتماعية، والتحول الأخضر، وإصلاح الإدارة العمومية، والهجرة، والإدماج المالي.

واعتبر فارهيلي خلال المؤتمر الصحافي مع بوريطة أن “المشاريع المتفق عليها صباح الخميس بين المفوضية والمملكة تبرز أهمية التزامنا المباشر معكم.. ونأمل أن يكون المغرب من أكبر المستفيدين من الخطة الاستثمارية من أجل دعم جهود الإصلاح الاقتصادي، لأننا بحاجة إلى اقتصاد عصري وجديد للمغرب”.

وشدد على أهمية دعم الطاقات الخضراء، لافتا إلى أن المغرب له القدرة والإمكانية ليصبح مصدرا للطاقة بالنسبة إلى أوروبا.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: