هل تستغل روسيا ارتباك الجزائر لبناء قاعدة عسكرية غرب المتوسط

بوشعيب البازي

أثار تواتر الزيارات الروسية إلى الجزائر، وخاصة زيارة أمين مجلس الأمن الروسي نيكولاي باتروشيف، وكذلك كثرة التصريحات التي تشيد بمستوى العلاقات الروسية – الجزائرية شكوكا بشأن خطط روسيا لتثبيت نفوذها في منطقة إستراتيجية على الحدود الجنوبية لأوروبا.

وأجرى باتروشيف مشاورات عسكرية وإستراتيجية مع مسؤولين بارزين في الجزائر، من بينهم الرئيس عبدالمجيد تبون وقائد الجيش الجنرال سعيد شنقريحة.

وأفاد التلفزيون الحكومي الجزائري بأن المحادثات بين شنقريحة وباتروشيف، الذي يقوم بزيارة إلى الجزائر على رأس وفد هام، “تناولت التعاون العسكري بين البلدين والسبل الكفيلة بتعزيزه أكثر فأكثر، إضافة إلى تبادل التحاليل ووجهات النظر حول القضايا ذات الاهتمام المشترك”.

◙ موسكو تستغل جنوح النظام الجزائري إلى التصعيد في محيطه الإقليمي لإقناعه بزيادة الوجود العسكري الروسي

ويرى خبراء ومحللون سياسيون أن روسيا لا تريد تضييع فرصة ارتباك النظام الجزائري ومخاوفه من الضغوط الغربية لتحقيق مكاسب إستراتيجية قد تكون من بينها إنشاء قاعدة عسكرية غرب المتوسط، بالإضافة إلى المضي قدما في الاتفاقيات العسكرية التي من ضمنها صفقة ضخمة قيمتها الجملية تفوق سبعة مليارات دولار.

وكان لافتا تركيز المسؤولين الروس على زيارة الجزائر وإطلاق تصريحات تؤكد أنها حليف إستراتيجي لبلادهم، وذلك في ظل تناقض الموقف الجزائري الذي يؤكد أحيانا أنه مع روسيا وأحيانا أخرى يوحي بأنه يخفف علاقاته معها ويقترب إلى الغرب أكثر، في ظل ضغوط خاصة من الولايات المتحدة وتلويح بالعقوبات بسبب صفقة عسكرية كبرى مقررة مع موسكو وتعتبرها واشنطن تمويلا للحرب الروسية في أوكرانيا.

ومن الواضح أن روسيا تبذل ما في وسعها لقطع الطريق أمام التقارب الغربي مع الجزائر، وهو ما بدا واضحا حين كشف وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف في الفاتح من هذا الشهر عن إجراء المناورات العسكرية الجزائرية – الروسية، في محافظة بشار الجزائرية خلال الفترة الممتدة من 16 إلى 28 نوفمبر 2022، بشكل سري بعد أن نفت الجزائر إجراءها في محاولة لتجنب الضغوط الغربية.

وجاء كلام لافروف مباشرة بعد انتهاء زيارة قائد الجيش الجزائري إلى باريس، في رسالة مفادها أن حديث رئيس أركان الجيش الجزائري وتعهداته هناك لا قيمة لهما، وأن الجزائر ستبقى حليفا لبلاده.

وتعتبر العلاقات العسكرية بين موسكو والجزائر العنوان الأبرز في الشراكة بين الطرفين، حيث تعتبر الجزائر من أكبر زبائن السوق الروسية للسلاح، ويجري إبرام صفقات تسليح ضخمة ومتتالية، الأمر الذي يثير مخاوف الغرب مما بات يوصف بـ”التعاون الوثيق” المهدد لمصالحه، خاصة منذ اندلاع الأزمة الأوكرانية.

وتبقى الجزائر من الشركاء الحائزين على حصرية بعض الأنواع من الأسلحة والمعدات العسكرية الروسية المتطورة، ولا يُستبعد أن يتم توسيع ذلك إلى مشروعات عسكرية أخرى، رغم الضغوط الأميركية والأوروبية، وذلك بالموازاة مع رغبة البلدين في توسيع التعاون بينهما إلى مختلف القطاعات الصناعية والاقتصادية والزراعية.

ولا يستبعد المراقبون أن تستغل موسكو جنوح النظام الجزائري إلى التصعيد في محيطه الإقليمي واعتماد سياسة معاداة الجميع، وخاصة عقدة السباق مع المغرب، لإقناعه بزيادة الوجود العسكري الروسي من خلال إنشاء قاعدة على المحيط الأطلسي تماما مثلما استغلت روسيا الظروف الصعبة للنظام السوري أثناء الحرب الأهلية ببناء قاعدة حميميم شرق المتوسط، والتي يصعب على أي قوة إخراجها منها حتى لو تم التوصل إلى حل سياسي بشكل نهائي في سوريا.

◙ الجزائر تبقى من الشركاء الحائزين على حصرية بعض الأنواع من الأسلحة والمعدات العسكرية الروسية المتطورة، ولا يُستبعد أن يتم توسيع ذلك إلى مشروعات عسكرية أخرى

وأفضت الضغوط الروسية والغربية على الجزائر إلى بروز جناحين داخل السلطة الجزائرية؛ الأول يوالي الشراكة التاريخية والأيديولوجية مع روسيا، والثاني يميل إلى الوقوف بجانب الغرب، الأمر الذي أفرز موقفا ملتبسا ومترددا، يظهر أحيانا بعيدا عن موسكو ومتماهيا مع الغربيين، وفي أحيان أخرى وفيا لتقاليد عقيدة الحقبة الاشتراكية.

وتحمل العلاقات العسكرية الروسية – الجزائرية طابعا إستراتيجيا، كثيرا ما كان مصدر قلق حقيقي للأميركيين والأوروبيين.

وشرع مسؤولو البلدين منذ أشهر في التحضير لـ”اتفاقية التعاون الإستراتيجي المعمق”، وجعلها حيز التنفيذ مع التوقيع عليها في قمة تأخرت لعدة أشهر ينتظر أن تجمع تبون ونظيره الروسي فلاديمير بوتين، خلال شهر مايو القادم في موسكو.

وقبل زيارة أمين مجلس الأمن الروسي ولقائه القيادة السياسية والعسكرية في الجزائر، سبق لوزير الصناعة الروسي فازيلي أوسماكوف أن التقى نظيره الجزائري حمد زغدار في نهاية الشهر الماضي. كما استُقبل السفير الروسي بالجزائر فاليريان شوفاييف من قبل الأمين العام لوزارة الخارجية عمار بلاني.

ولطمأنة الغرب، وخاصة الولايات المتحدة، سعت الجزائر للإيحاء بأنها تنأى بنفسها عن روسيا؛ وذلك بإلغاء المناورات وتأجيل زيارة تبون إلى موسكو، والتي كانت مقررة في نهاية العام الماضي، لتصبح في مايو القادم. وضمن سياسة “الحياد” تجاه روسيا انتقد الرئيس الجزائري قبل أيام عناصر فاغنر في مالي، وذلك في حوار أجراه مع صحيفة “لوفيغارو” الفرنسية، حيث اعتبر أن الأموال التي تصرف على العناصر الروسية كان الأجدى استغلالها في التنمية.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: