التقشف وسيلة محدودي الدخل لمواجهة الغلاء في المغرب

حنان الفاتحي

عمقت موجة الغلاء في المغرب القلق من خروج الأوضاع عن السيطرة مع اقتراب شهر رمضان واستمرار ارتفاع أسعار السلع في الأسواق المحلية وتأثيراتها خاصة على الطبقة الفقيرة، التي لا تزال تترقب بفارغ الصبر إحداث اختراق في جدار الأزمة.

تتسارع وتيرة التضخم في أسواق المغرب بعدما وصلت إلى مستويات تاريخية، مدفوعة بزيادة تكاليف الغذاء والطاقة، ليبلغ مستوى جديدا ويستمر في استنزاف قدرات الناس الذين يكابدون لتوفير مستلزماتهم اليومية.

وبات الكثير من المغاربة، وهم على أبواب شهر رمضان الذي يشهد عادة تزايد الاستهلاك، مضطرين إلى اتباع التقشف الإجباري بسبب ارتفاع الأسعار بشكل جنوني، والذي يرهق ميزانياتهم الأسرية ويضع الحكومة تحت ضغط الغضب الاجتماعي.

وكمثال على ذلك أصبحت خديجة العسري خلال الفترة الأخيرة كغيرها من المواطنين مجبرة على شراء ما يسد حاجياتها بسبب ارتفاع الأسعار في الأسواق.

وخلال تواجدها في سوق حي سيدي موسى الشعبية بمدينة سلا القريبة من العاصمة الرباط تشكو السيدة الستينية من الارتفاع الكبير في ثمن الخضر والفواكه واللحوم مؤخرا. وقالت لوكالة الصحافة الفرنسية إنها “أصبحت مضطرة إلى شراء كميات أقل”.

ويعاني البلد، البالغ عدد سكانه نحو 36 مليون نسمة، منذ العام الماضي من مستويات تضخم مرتفعة. وقد تضرر من هذا التضخم خصوصا ذوي الدخل المحدود، بحسب تقرير حديث للبنك الدولي.

 

عبدالرحيم هندوف: الغلاء يعود إلى تراجع العرض بعد ارتفاع كلفة الإنتاج
عبدالرحيم هندوف: الغلاء يعود إلى تراجع العرض بعد ارتفاع كلفة الإنتاج

 

ويُعزى الوضع إلى تداعيات الحرب في أوكرانيا وموجة الجفاف الحاد التي أثرت على أداء القطاع الزراعي الأساسي في النمو الاقتصادي.

لكن التضخم ازداد ليبلغ 8.9 في المئة خلال نهاية يناير الماضي، وفق ما أعلنته المندوبية السامية للتخطيط هذا الأسبوع. وعزت ذلك أساسا إلى ارتفاع أسعار المواد الغذائية بحوالي 17 في المئة وخصوصا الخضر والفواكه واللحوم.

وكان معدل التضخم قد وصل إلى 6.6 في المئة خلال العام الماضي بأكمله، وكان حينها أعلى مستوى مسجل بالبلاد منذ ثلاثة عقود بسبب ارتفاع كلفة الغذاء والوقود، وهو ما أجبر البنك المركزي على رفع الفائدة في سبتمبر وديسمبر إلى 2.5 في المئة.

ويشعر المتقاعد الستيني عبدالسلام المهداوي بأن ما ينفقه أسبوعيا “تضاعف ثلاث مرات”، كما يقول قبل أن يركب سيارته عند مدخل السوق المطلة على المحيط الأطلسي.

ويضيف “الجميع تضرروا لكنني أستطيع التحمل. أفكر في من هم أقل مني تحمّلا، خصوصا مع اقتراب رمضان”.

وتعرضت الحكومة التي يرأسها رجل الأعمال الثري عزيز أخنوش لانتقادات كبيرة من طرف المعارضة البرلمانية ونقابات عمالية ووسائل الإعلام المحلية بسبب ذلك، فيما نظمت وقفات احتجاجية محدودة في العديد من المدن، منعت السلطات جلها.

وأرجعت الحكومة الوضع إلى مضاربات في الأسعار، معلنة تشديد المراقبة في الأسواق، لكن آخرين يرون أنه في علاقة باستيراد التضخم جراء ما يحدث في العالم نتيجة الحرب في شرق أوروبا.

والخميس الماضي أعلن الناطق باسمها الوزير مصطفى بايتاس تنفيذ أكثر من 64 ألف عملية مراقبة للأسواق منذ بداية العام حتى الثاني والعشرين من فبراير، ورصد أكثر من 3 آلاف مخالفة. وأكد الاستمرار في “مكافحة كافة أساليب الغش والاحتكار والمضاربة”.

وكذلك تقرر وقف تصدير بعض الخضر إلى بلدان أفريقيا جنوب الصحراء “منذ حوالي أسبوعين”، وفق ما أكده المسؤول في الجمعية المغربية للمصدرين نحو أفريقيا محمد زمراني.

لكنه في تصريحات لوكالة الصحافة الفرنسية اعتبر القرار “مضرا بمكاسب المغرب الدبلوماسية، ويهدد بالتأثير على مكانتنا في السوق الأفريقية”.

وبدأ بعض رواد سوق سيدي موسى يستشعرون تراجع أسعار بعض المواد، آملين الرجوع قريبا إلى المستويات المعتادة.

وتقول إحدى المتسوقات، تسمى لطيفة، عند مدخل السوق الممتدة على أرصفة شارع يتوسط بنايات سكنية “الحمد لله بدأت بعض الأسعار تتراجع، لكن ثمن اللحم لا يزال مرتفعا.. نأمل الفرج من الله”.

واعتبر المجلس الاقتصادي والاجتماعي أن الإجراءات الحكومية “تبقى غير كافية”، داعيا خصوصا إلى إصلاح منظومة التسويق التي تعاني “حجما مفرطا للوسطاء ما يذكي المضاربة”.

ونبه الباحث في السياسات الزراعية عبدالرحيم هندوف إلى أن الغلاء يعود خصوصا إلى “تراجع العرض بعد ارتفاع كلفة الإنتاج جراء غلاء أسعار البذور والأسمدة، وتداعيات الجفاف الحاد الذي دفع العديد من المزارعين إلى التخلي عن الزراعة هذا الموسم”.

وكان المغرب اعتمد في العام 2008 إستراتيجية المخطط الأخضر الطموحة التي ساهمت في رفع الإنتاج والصادرات الزراعية. لكنها أفادت فقط المزارعين الكبار وفق منتقديها، الذين يدعون إلى مراجعة السياسة الزراعية بتوجيهها أولا نحو تحقيق الاكتفاء الذاتي.

وفي سوق سيدي موسى يشكو الباعة أيضا من موجة الغلاء، بينما ترتفع أصوات بعضهم من حين إلى آخر ترويجا لبضاعتهم.

◙ 9.8 في المئة معدل أسعار الاستهلاك مع نهاية يناير الماضي وهو أعلى مستوى حتى الآن

ويقول بائع الفواكه محمد حمالي إنه بات مضطرا إلى بيع الأفوكادو بأقل من كلفته، مؤكدا أن ذلك “أفضل من أن يظل هنا حتى يتلف”.

ويرى التاجر الذي يعيل أسرة من ابنين وزوجة عاطلة عن العمل، أن “الوضع يحتم على الحكومة أن تخصص دعما للمحتاجين”.

وتصرف الحكومة حاليا دعما غير مباشر لأسعار الغاز والدقيق والسكر. ويرتقب أن يتم التخلي عنه تدريجيا بدءا من العام الجاري، في مقابل الشروع في صرف دعم مباشر يستهدف فقط الأسر ذات الدخل المحدود.

وكانت السلطات قد لجأت خلال العام الماضي إلى زيادة نفقات صندوق المقاصة ليبلغ 42 مليار درهم (4.1 مليار دولار) بزيادة قدرها 92.8 في المئة على أساس سنوي، إضافة إلى دعم فواتير الماء والكهرباء.

ويعول على هذا النظام الجديد المنتظر منذ نحو عقد من الزمن، لتخفيف الفوارق الاجتماعية والمجالية الحادة في البلاد. وتراهن الرباط خصوصا على أن يعود النمو الاقتصادي هذا العام إلى 3.1 في المئة.

وفي الشهر الماضي أكد البنك الدولي أن الإستراتيجية التي تتبعها الحكومة المغربية للتخفيف من أعباء التضخم الجامح تواجه بعض الإشكاليات، رغم أنها ساعدت في الحد من زيادة معدلات الفقر في البلاد.

وقال جيسكو هنتشل، المدير الإقليمي لمنطقة المغرب العربي ومالطا بالبنك، في مقابلة مع وكالة بلومبيرغ آنذاك إن “خطة الحد من تأثير التضخم على القوة الشرائية للأسر تقوم أساسا على الحفاظ على استقرار الأسعار”.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: