وجد عدد من الكتل النيابية في انتقاد الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون لحكومته فرصة للهجوم على بعض الوزراء. وانفجر سجال نادر بين الطرفين، على خلفية تشريعات وإجراءات تنظيمية، اعتبرها النواب حدا من دورهم ومسؤولياتهم في ممارسة الرقابة على المؤسسات الرسمية، وخذلان الشارع الذي انتخبهم.
شن أعضاء من المجلس الشعبي الوطني (الغرفة السفلى للبرلمان) هجوما غير مسبوق على وزيري التجارة وترقية الصادرات كمال رزيق، ووزيرة العلاقات مع البرلمان بسمة عزوار، على خلفية تصرفات الأول بمناسبة جلسة للرد على الأسئلة الشفهية، وتعمد الثانية تقليص دور النواب في ممارسة الرقابة على الحكومة ومؤسسات رسمية.
وكان وزير التجارة دعا أحد النواب في جلسة عقدت الأسبوع الماضي إلى “سحب كلامه”، وحمل مسؤولية تأخر ردود الوزراء على أسئلة النواب على نحو عام إلى الهيئة البرلمانية، فضلا عن دفاعه المستميت عن زملائه الوزراء الذين تغيبوا على جلسة طرح الأسئلة، وقد أثارت ردود الوزير غضب النواب.
وتزامن الهجوم المفاجئ الذي شنه نواب من مختلف الكتل والتشكيلات السياسية على أعضاء من الحكومة، مع الانتقادات التي وجهها الرئيس تبون لحكومته، وهو ما عده البعض هجوما انتهازيا لم يكن ليحدث لولا الإشارات التي لاحت حول قرب رحيل الحكومة الحالية أو الوزراء المعنيين بالانتقادات.
وكانت الأغلبية النيابية الموالية للسلطة لم تقم على امتداد الفترة الماضية بتوجيه أي انتقادات للحكومة أو مارست عليها أيا من الضغوط من أجل سحب أو تعديل عدد من مشاريع القوانين المثيرة للجدل بما في ذلك مشروع القانون الذي قلص من الواردات، والذي أبدى تبون مؤخرا تبرما منه.
وأصدر مكتب المجلس بيانا ذكر فيه أن “ما قام به وزير التجارة وترقية الصادرات رزيق تجاه ممثلي الشعب لا يليق بعضو الحكومة”. وعبر عن رفضه لما حدث خلال جلسة الأسئلة الشفوية الأخيرة، عندما “تجاوز وزير التجارة الأعراف المعمول بها”.
وأكد أن الوزير رزيق “جانب حسن التعامل أثناء رده على أحد النواب، غير مراع حرمة المؤسسة الدستورية بطريقة لا تليق بعضو في الحكومة واتهام المجلس بالتعطيل والتقصير في مسائل فصل فيها الدستور”.
وشدد على أن “علاقة البرلمان مع الحكومة تتسم بالانسجام والاحترام المتبادل، وأن السلطتين التشريعية والتنفيذية تسعيان إلى تكريس مبدأ التكامل والتنسيق بين الهيئتين والتعاون على تنفيذ برنامج رئيس الجمهورية”.
كما سجل البرلمان مقاطعة لنشاط الوزير المذكور خلال زيارة أداها إلى محافظة المدية (جنوبي العاصمة)، وهو ما يعتبر موقفا ينم عن أزمة تمهد إلى عدم تسمية الوزير خلال التشكيلة الحكومية القادمة، رغم تمسك الرئيس تبون به خلال التعديلات الحكومية الثلاثة التي أجراها منذ قدومه إلى قصر المرادية مطلع العام 2020.
ولم تسلم وزيرة العلاقات مع البرلمان عزوار من انتقادات النواب، على خلفية الإضافات الواردة في القانون المنظم لعلاقة الحكومة مع البرلمان، خاصة في مجال الرقابة، حيث تم طرح استثناء شؤون الدفاع والدبلوماسية من المراقبة البرلمانية، الأمر الذي اعتبره بعض النواب مساسا بالصلاحيات التي خولها لهم الدستور وإرادة المواطنين الذين انتخبوهم.
وانتقد العديد من النواب النصوص الجديدة التي أضافتها الحكومة للقانون الحالي المنظم للعلاقة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، واعتبروا الإضافات الجديدة تقييدا لمكانة ودور نواب الشعب، وتشجيعا لسلطات الدفاع والدبلوماسية على العمل خارج المؤسسات الدستورية للبلاد.
نواب من البرلمان الجزائري ينتقدون النصوص الجديدة التي أضافتها الحكومة للقانون واعتبروها تقييدا لمكانة ودور نواب الشعب
ودافعت الوزيرة عزوار عن الطرح الحكومي، وعن مقاصد وأهداف التعديلات المدرجة في القانون الناظم للعلاقة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية في الجزائر.
وذكرت في معرض إجابتها عن أسئلة وانشغالات النواب، أن “المشروع يسعى إلى تحقيق التكامل والانسجام بين السلطتين في إطار احترام مبدأ الفصل بين السلطات، وأن التعديلات تكفلت بكل المسائل التي جاءت في دستور 2020 وبالرؤية التي انتهجتها الحكومة في إطار تنفيذ برنامج رئيس الجمهورية”.
وأضافت الوزيرة “الأمر مرتبط بالتحفظ على أسرار الدولة كون أن الإجراء يستند إلى صلاحيات دستورية تجعل من الدفاع الوطني والعلاقات الخارجية من الصلاحيات الحصرية لرئيس الجمهورية، وأن الإقدام على هذه الخطوة جاء بناء على كون قطاعي الدفاع الوطني والدبلوماسية يقعان ضمن مجالات التحفظ”.
وكانت تقارير محلية تحدثت عن أن الإضافات الجديدة تمنع على النواب “نشر المعلومات والوثائق السرية المتحصل عليها حفاظا على النظام العام”، خاصة ما تعلق بالمعلومات والوثائق التي تكتسي طابعا سريا وإستراتيجيا يتعلق بالدفاع الوطني وأمن الدولة الداخلي والخارجي، والمصالح الحيوية للاقتصاد الوطني، وتلك المتعلقة بوقائع تكون محل إجراء قضائي.
وذكر رئيس المجموعة البرلمانية لحركة مجتمع السلم أحمد صادوق بأن “السلطة تفتقد لأي مبرر يسمح لها بوضع هذه التعديلات بشكلها الحالي”، وألمح إلى وجود دوائر تعمل على “التضييق على النشاط البرلماني في الجزائر”.