في ظل أزمة الطاقة التي تعاني منها دول العالم، بات من الواضح أن الاستغلال الأميركي للعنوان الأوكراني، يستهدف شن الحرب على روسيا، وأوروبا أيضاً وحرمان دولها من الغاز الروسي.
في زمن الزلازل الجيولوجية والسياسية والعسكرية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية، والتي تسبّبت بهزّ استقرار غالبية دول العالم، تُخرج الإدارة الأميركية كل ما في جعبتها من وحشية وكراهية وشراسة في مواجهة من تصنّفهم أعداءها، على حساب إثبات إنسانيتها المشكوك فيها أصلاً، ووسط من اكتشف مؤخّراً أو منذ أمدٍ بعيد، أصابعها الخفية ووقوفها وراء عشرات الزلازل السياسية والعسكرية والاقتصادية.
فجّر الصحافي الأميركي سيمورهيرش زلزالاً جديداً، وجّه من خلاله الاتهام مباشرةً إلى الولايات المتحدة الأميركية وإدارتها الحالية بتفجير أنابيب نورد ستريم 1و2 في بحر البلطيق العام الماضي، وفضح في تقريرٍ أصدره مؤخّراً، آلية حدوث وتنفيذ تلك التفجيرات التخريبية، التي امتدت تداعياتها من روسيا إلى تركيا إلى كل دول المرور والتزوّد بالغاز الروسي.
وقد تزامن صدور تقرير هيرش مع وقوع الزلزال المدمّر الذي ضرب كلّاً من سوريا وتركيا فجر السادس من فبراير الحالي، الأمر الذي يثير التساؤلات حول احتمالية وجود نوايا “لزلزال” أميركي إرهابي لاستهداف خطوط وأنابيب أخرى، وقد يكون على رأسها استهداف السيل التركي بخطيه ترك ستريم وبلو ستريم.
تقرير هيرش أحرج الإدارة الأميركية وأجبرها على التحرّك، فسارعت بالأمس وزارة الخارجية الأميركية لإصدار بيانٍ نفت من خلاله علاقتها بالحادث، في حين امتنع المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية “وانغ وين بين” عن توجيه الاتهامات بشكلٍ مباشر إلى الولايات المتحدة وتورّطها في التخريب، لكن لفت الانتباه صمت كبريات وسائل الإعلام الغربية التعليق على تقرير هيرش وتفاصيل المخطط التي أوردها فيه، ودعا وانغ إلى إجراء تحقيق موضوعي، فيما وصفت موسكو التفجير بأنه “عمل إرهابي دولي”.
بالنسبة إلى تركيا، وفي ظل العلاقات التركية الأميركية المتوترة، وعشرات الخلافات المعقّدة العالقة، وعدم الترحيب الأميركي باستقلال القرار التركي المتنامي، وتأثير التقارب التركي الروسي المتزايد على ذلك، إضافة إلى الهدية التي قدّمها الرئيس بوتين إلى تركيا بتحويلها إلى مركزٍ دولي للغاز. وفي ظل تقرير هيرش، واتجاه الأنظار إليها على أنها المشتبه به الأول في تفجيرات أنابيب نورد ستريم، وهو خط أنابيب الغاز الوحيد الذي لا يزال الغاز الروسي يمر من خلاله “يدخل أوروبا”.
وكذلك باستهداف إيصال الوقود الأزرق الروسي إلى أوروبا الغربية، ترتفع المخاوف التركية والروسية، من فعل أميركي مشابه، في ظل التصعيد العسكري الأميركي وحلف الناتو والاتحاد الأوروبي لمواجهة روسيا عبر الساحة الأوكرانية، الأمر الذي قد يشكّل حاجةً أميركية–غربية للنيل من موسكو ولمعاقبة أنقرة.
بالتوازي مع تصاعد بعض الأصوات الأميركية الداخلية المؤيدة لطلب جون بولتون بطرد تركيا من الناتو، وخروج أصواتٍ أميركية بالمقابل تدعم وصف جيفري يانغ، مرشح الحزب الديمقراطي لتولي منصب حاكم ولاية كنتاكي، للرئيس بايدن، ومستشار الأمن القومي سوليفان، ووزير الخارجية بلينكن، ووزير الدفاع أوستن، ونائبة وزير الخارجية فكتوريا نولاند، بأنهم “مجرمو حرب، ويجب إقالتهم ومحاكمتهم”.
من جهةٍ أخرى تدرك تركيا أن أهمية أوكرانيا بالنسبة للولايات المتحدة، والتي تتجاوز الأيام السعيدة كافة التي مرت وتلك التي قد تأتي لاحقاً بين واشنطن وأنقرة، من خلال المصلحة المشتركة القديمة والتي ما زالت مستمرة، بين كييف وواشنطن لتعطيل أو إبطاء حجم التدفق عبر الخطوط التركية، وهذا بحد ذاته قد يشكّل هاجساً تركياً من تكرار إرهابيي نظام كييف محاولة تفجير خط الأنابيب المؤدية إلى تركيا، في تشرين الثاني/نوفمبر العام الماضي.
وفي ظل أزمة الطاقة التي تعاني منها دول العالم، بات من الواضح أن الاستغلال الأميركي للعنوان الأوكراني، يستهدف شن الحرب على روسيا، وأوروبا أيضاً وحرمان دولها من الغاز الروسي، وزيادة اعتمادها على الغاز الأميركي وبسعر يعادل أربع مرات سعر الغاز الروسي. على الرغم من اختلاف طبيعة وأعماق بحر البلطيق عن البحر الأسود، لا يمكن استبعاد حدوث أي عملٍ إرهابي مماثل لما تعرّضت له أنابيب نورد ستريم، وقد تكون أنابيب السيل التركي هدفاً على لائحة التخريب الإرهابي الدولي المنظّم، خصوصاً وأن الولايات المتحدة تحاول قطع خطوط الغاز الروسي المتجهة نحو أوروبا كافة.