أظهرت الحكومة الإسبانية ارتياحا للشراكة المربحة مع المغرب، وما حققته حتى الآن من نتائج مثمرة خاصة على مستوى الأمن والهجرة، حيث تم تفكيك العديد من الشبكات الإجرامية العابرة للحدود، كما سجل تراجع كبير في نسق الهجرة غير الشرعية.
أشاد وزير الشؤون الخارجية والاتحاد الأوروبي والتعاون الإسباني خوسيه مانويل ألباريس بالشراكة القائمة مع المغرب، وما حققته من نتائج إيجابية ملموسة لاسيما على الصعيد الأمني.
ودخلت العلاقات المغربية – الإسبانية منذ أبريل مرحلة جديدة، بعد اعتراف مدريد بسيادة المغرب على صحرائه، وتبنيه مقترح المملكة لحل النزاع المستمر منذ عقود مع جبهة بوليساريو الانفصالية التي تدعهما الجزائر.
وقال ألباريس، في كلمة له أمام لجنة الشؤون الخارجية بالبرلمان الإسباني، إن التعاون مع المغرب مكن من “تفكيك الشبكات الإجرامية والإرهابية بفضل عمل الأجهزة والأجهزة الأمنية”، مشيرا إلى أن “النتائج الملموسة” التي تحقّقت خلال هذه الفترة تعود بالنّفع على مواطني سبتة ومليلية المحتلتين، بالإضافة إلى مواطني جزر الكناري والأندلس.
وعقد المغرب وإسبانيا في فبراير الماضي بالرباط الاجتماع الثاني عشر رفيع المستوى الذي توج بإعلان مشترك، عبر فيه الطرفان عن التزامهما بتوطيد العلاقات الممتازة التي جمعتهما دائما وجددا التأكيد على إرادتهما في إغنائها بشكل متواصل، كما أكدا عزمهما على توطيد تعاونهما في مجال محاربة الإرهاب، مبرزين أنهما يواصلان العمل المشترك وفي إطار الأمم المتحدة من أجل تطوير الجهود الدولية في مجال محاربة الإرهاب وتمويله.
ونظرًا لأهمية حماية الحدود الجغرافية من أي اختراقات من الجماعات المتطرفة والإجرامية، أكد هشام معتضد الباحث في العلاقات الدولية، والمقيم في كندا، أن تصريحات وزير الخارجية الإسباني أمام البرلمان تعني أن أجهزة الدولة الإسبانية واعية تماما بأهمية التعاون الأمني والإستراتيجي مع المغرب خاصة وأن مدريد سياسيا في حاجة إلى الرباط أكثر من أي وقت مضى.
وأكد معتضد، في تصريحات لـه، أن المؤسسات المغربية تعتبر التنسيق والتعاون الإيجابي والبنّاء وحسن الجوار قيما أساسية وقناعات إستراتيجية تؤطر عملها الدبلوماسي وسياستها الخارجية، وهو ما سيخدم التنسيق الثنائي في القضايا المتعلقة بمكافحة التهديدات التي تشكلها الجماعات المتطرفة وشبكات الجريمة المنظمة التي تنشط في منطقة غرب البحر الأبيض المتوسط.
وكان المكتب المركزي للأبحاث القضائية التابع للمديرية العامة لمراقبة التراب الوطني في المغرب قد تمكن في أكتوبر الماضي، وفي عملية أمنية مشتركة مع المفوضية العامة للاستعلامات التابعة للشرطة الوطنية الإسبانية، من تفكيك خلية إرهابية تنشط في كل من الناظور ومليلية، ويشتبه في ارتباطها بتنظيم الدولة الإسلامية.
وأبرز وزير الشؤون الخارجية والاتحاد الأوروبي والتعاون الإسباني أن النتائج العملية والملموسة باتت ماثلة للعيان على الأرض، وهي من إفرازات المرحلة الجديدة من العلاقة مع المغرب في جميع الميادين.
وأثناء تفاعله مع أسئلة المعارضة وبعض أحزاب الأغلبية، أعرب رئيس الدبلوماسية الإسبانية عن تقديره للعلاقة مع الرباط، قائلا إن العلاقة الجديدة مع المغرب متميزة ومبنية على “ركائز متينة” تستند إليها، والتي تم تحديدها في “خارطة الطريق” المتفق عليها، عقب زيارة رئيس الحكومة بيدرو سانشيز إلى الرباط في السابع من أبريل الماضي.
وشدد المسؤول الإسباني على أن الرباط ومدريد تتعاونان على مكافحة المافيات التي تتاجر بالبشر، مضيفا أن الهجرة ينبغي أن تكون آمنة وقانونية ومنتظمة ومنظمة، مسجلا في هذا السياق انخفاض وتيرة الهجرة غير القانونية بـ69 في المئة، على مستوى الوصول إلى السواحل الأندلسية، خلال يناير مقارنة مع نفس الشهر من 2022، وبـ82 في المئة على مستوى جزر الكناري.
وبخصوص إشكالية الهجرة وتحدياتها على ضفة المتوسط أكد هشام معتضد في تصريحاته لـه أن “إسبانيا كانت لها الشجاعة الكافية والمسؤولة للاعتراف بالمجهودات الجبارة التي يقوم بها المغرب لتدبير هذا الملف المركب والمعقد من أجل كسب رهاناته وضبط مكوناته المتغيرة”.
وترجمة لخطط التعاون المغربي – الإسباني في مجال الهجرة، صادق مجلس الوزراء الإسباني في أكتوبر الماضي على منح المغرب مساعدة مباشرة في مجال التعاون الشرطي الدولي للمملكة المغربية بمبلغ 30 مليون أورو، توجه بالأساس إلى تمويل مكافحة الاتجار بالبشر وإدارة تدفقات الهجرة، أو بشكل غير مباشر عن طريق خطط التنمية الاجتماعية والاقتصادية الشاملة لمدينتي سبتة ومليلية، باستثمارات مجمعة تزيد على 711 مليون أورو.
ومن المقرر أن تحصل الرباط على 130 مركبة رباعية الدفع مخصصة لمحاربة الهجرة غير النظامية ومزودة بشبكات المراقبة، بقيمة ستة ملايين يورو.
واتخذت مدريد من الرباط شريكا إستراتيجيا في محاربة الهجرة غير النظامية، حيث تم تقديم آليات عسكرية وأمنية إلى المملكة، وجعلت من الرباط المستفيد الأجنبي الرئيسي من الإعانات الإسبانية غير القابلة للاسترداد (أكثر من 92 مليون يورو).
وكان من المنتظر أن يرتفع منسوب التنسيق بعد تقارب بيدرو سانشيز، رئيس الحكومة الإسبانية الحالي، مع المغرب والاعتراف بمقترح الحكم الذاتي في الصحراء، والذي كسر أكثر من أربعة عقود ونصف العقد من الحياد الإسباني في هذا الشأن.
ويمثل المغرب ثاني أكبر دولة في القارة الأفريقية تتعاون في مجال الهجرة مع إسبانيا والاتحاد الأوروبي، بإجمالي مساعدات موجهة إلى دعم جهود محاربة الهجرة غير الشرعية يصل إلى 346 مليون يورو، 238 مليون منها تقريبا من صندوق الاتحاد الأوروبي الاستئماني، المخصص للطوارئ في قارة أفريقيا.
وفي هذا الصدد ذكّر وزير الداخلية المغربي عبدالوافي لفتيت الثلاثاء بالرباط، في لقاء رسمي، بالتضامن الفعال للمغرب والجهود الحثيثة التي يبذلها في مجال مراقبة الحدود ومحاربة جميع أشكال الجريمة العابرة للحدود، والتي تجعل من المملكة فاعلا رئيسيا في استتباب الأمن الإقليمي.
وعلى المستوى العملياتي شددت المملكة على ضرورة التمييز بين ضحايا الهجرة السرية الذين تجب حمايتهم وشبكات تهريب المهاجرين التي تتعين مكافحتها بحزم مطلق.