كشفت بيانات رسمية عن تكفل الخزينة العمومية الجزائرية بالملايين من الأفراد والأسر، كتكريس للطابع الاجتماعي للدولة التي مازالت ترصد مليارات الدولارات لمختلف المناسبات والمواسم، كشهر رمضان والدخول المدرسي ودعم المواد ذات الاستهلاك الواسع، لكن ذلك يترجم من جانب آخر الوضع الاجتماعي الهش لفئات عريضة من الجزائريين ويجعلها بؤر توتر مرشحة للاشتعال في أي لحظة.
كشف المفتش المركزي لوزارة الداخلية والجماعات المحلية والتهيئة العمرانية في الجزائر سعيد صامت عن استفادة مليونين ونصف مليون عائلة من “قفة رمضان”، ونحو ثلاثة ملايين تلميذ من المنحة المدرسية، وقرابة سبعة ملايين شخص من مشاريع تنموية في شتى المجالات، في إطار ما أسماه بـ”سياسة تحقيق العدالة الاجتماعية”.
وتعكس الأرقام حجم التحويلات الاجتماعية الضخمة التي مازالت ترصدها الحكومة للجبهة الاجتماعية، والتي ناهزت سقف 17 مليار دولار، من أجل تكريس الطابع الاجتماعي للدولة، لكن ذلك لا يحجب حجم أرقام البطالة والتضخم وتوسع دائرة الفقر، حيث تشير تقديرات إلى وجود نحو عشرة ملايين جزائري تحت خط الفقر.
المسؤولون الحكوميون يتجاهلون الخوض في مشكلة عجز الدولة عن خلق الثروة وتوفير مناصب الشغل
ولم يكشف المسؤولون الحكوميون، فيما عرف بـ”اليوم العالمي للعدالة الاجتماعية”، عن مدى عجز القطاعات الاقتصادية المنتجة عن خلق الثروة ومناصب الشغل، فرغم الأريحية المالية التي تعرفها البلاد خلال العام الأخير، وخطط الحكومة من أجل النهوض بالقطاع، إلا أن مساهمات الدولة تبقى ملاذا أخيرا للفقراء، في ظل غياب فرص الشغل.
واكتفى هؤلاء المسؤولون بترديد خطاب السلطة حول الطابع الاجتماعي للدولة، وضخامة التحويلات الاجتماعية وزيادة رواتب عمال القطاع الحكومي، واستمرار سياسة دعم المواد ذات الاستهلاك الواسع، رغم أن البيانات المعلن عنها تؤشر على وجود هوة عميقة بين تلك المساهمات والقدرة على توفير مناصب الشغل، فمن ضمن مليوني منحة بطالة تتكفل بها الخزينة العمومية لم يتم توفير مناصب شغل إلا لأقل من 80 ألف عاطل خلال العام الماضي.
ويوحي هذا بأن الخزينة العمومية مرشحة للمزيد من الاستنزاف رغم القيود المفروضة على منحة البطالة، حيث وصلت حسب تقديرات أعدها حزب العمال اليساري إلى أربعة ملايين طلب خلال الصيف الماضي، وجارٍ تقليصها بفرض المزيد من القيود بما في ذلك إجبارية إجراء فترة تكوين مهني في أحد المراكز الحكومية، وهو ما لم يرق لأصحاب الشهادات الجامعية العاطلين عن العمل.
وركز المفتش العام بوزارة العمل والتشغيل والضمان الاجتماعي عمار قمري، في تصريح للإذاعة الحكومية، على أن ” المؤشرات التي حققتها الجزائر في مجال العدالة الاجتماعية معتبرة جدا بالنظر إلى نظام الأجور ومنظومة الضمان الاجتماعي، وهما العمودان اللذان تقوم عليهما السياسة الاجتماعية في بلادنا”.
وذكّر بأن “العدالة الاجتماعية في الجزائر تقوم على مبدأ تكافؤ الفرص وعدم التمييز سواء على الأساس العرقي أو الجنسي وحتى الجغرافي أو الانتماء السياسي، وأن التشريعات الجزائرية تحارب دون هوادة كل أشكال التمييز، وتبقى العدالة الاجتماعية تكتسي أهمية كبرى، وهي جوهر التوجهات السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي يعكف على هندستها رئيس الجمهورية السيد عبدالمجيد تبون، في إطار رؤية مندمجة تستلهم روحها من بيان الفاتح من نوفمبر”.
العدالة الاجتماعية في الجزائر تقوم على مبدأ تكافؤ الفرص وعدم التمييز سواء على الأساس العرقي أو الجنسي وحتى الجغرافي أو الانتماء السياسي
ولفت قمري إلى التدابير المتخذة من قبل رئيس الجمهورية منذ عام 2020 إلى اليوم؛ إذ سجلت أربع محطات هامة للزيادات بطريقة مباشرة أو غير مباشرة انطلاقا من شهر يونيو 2020، حيث تمت مراجعة الأجر الوطني المضمون ليصبح 150 دولارا، بعد أن كان نحو 130 دولارا، ثم تم في يناير 2021 الإعفاء من الضريبة على الدخل الإجمالي للأجور التي تقل عن 250 دولارا، لنصل إلى مارس 2022 المتعلق بمراجعة سلم الضريبة على الدخل الإجمالي التي تشمل كل الأجور والزيادات بـ50 نقطة استدلالية، ثم آخرها في شهر يناير المنقضي حيث وقعت زيادات معتبرة للوظيفة العمومية وستتبعها في السنة المقبلة زيادات أخرى في الأجور بهدف الحفاظ على القدرة الشرائية للمواطن الجزائري.
وتبقى الزيادات المذكورة دون طموحات الفرد الجزائري قياسا بموجة الغلاء الفاحش وارتفاع مؤشر التضخم، فضلا عن أنها لم تمس إلا منتسبي الوظيفة العمومية، الأمر الذي يقصي عمال القطاعات الأخرى، لاسيما الاقتصادية والخدماتية، ويساهم في خلق حزازات داخل الطبقة العاملة، كانت محل تحذير من طرف فعاليات نقابية، مما وصفته بـ”الفوارق الاجتماعية” التي تجهض جهود تحقيق العدالة الاجتماعية.
لكن المسؤول الحكومي يرى أن رواتب القطاع الاقتصادي “تخضع لفلسفة أخرى، باعتبار أن كل مؤسسة مستقلة بكيانها عن المؤسسات الأخرى، وبالتالي بإمكانها خلق آليات على غرار الاتفاقيات الجماعية من خلال التفاوض الجماعي للزيادة في الأجور، فكل شركة لها إمكانيات مالية بإمكانها زيادة الأجور”.