لا تهدأ محاولات الجزائر لتمكين جبهة بوليساريو، وآخر تلك المحاولات عرض مشروع “ملغوم” يستهدف خلق إطار قانوني يضمن حضور الجبهة الانفصالية في الشراكات التي يعقدها الاتحاد الأفريقي.
رفض المجلس التنفيذي للاتحاد الأفريقي اعتماد مشروع “الإستراتيجية والإطار السياسي لشراكات دول الاتحاد الأفريقي” والذي يهدف ظاهريا إلى فتح المجال أمام مشاركة واسعة في جميع المؤتمرات والقمم التي تتعلق بشراكات الاتحاد.
ويرى مراقبون أن المشروع الذي تقف خلفه الجزائر وعدد من القوى الداعمة لها يستهدف في واقع الأمر إشراك بعض الكيانات ومن بينها جبهة بوليساريو الانفصالية في الشراكات الدولية التي ينسجها الاتحاد الأفريقي.
وتصدّى المغرب والعديد من الدول الأفريقية لهذا المشروع الملغوم الذي يستهدف فرض الكيانات الانفصالية على أرض الواقع، وتمت إحالة دراسة المشروع إلى الهيئات التداولية للاتحاد.
وأكد محمد الطيار الباحث في الدراسات الإستراتيجية والأمنية أن اتخاذ هذا القرار أفشل المناورات الجزائرية المدعومة من دولة جنوب أفريقيا، مشيرا إلى أنها محاولة مكشوفة لتأمين مشاركة بوليساريو، وانتهاك لقرارات رؤساء الدول الأفريقية المشرفة على هذه المشاركة.
واعتبر الطيار في تصريحات لـه أن المحاولات الحثيثة من طرف الجزائر لتكريس تواجد بوليساريو داخل الاتحاد الأفريقي جاءت بعدما استشعرت اقتراب دول الاتحاد من الاتفاق على طرد الجبهة قريبا، حيث أن النصاب القانوني الذي يسمح بذلك لم يعد بعيدا، وسيتم بذلك وضع حد للمناورات الجزائرية التي أصبحت تشكل مصدر قلق كبير للمنظمة الأفريقية، وتعرقل كل المجهودات الرامية إلى تحرر الشعوب الأفريقية من قبضة الفقر والهشاشة والصراعات المختلفة.
ويستهدف المشروع المثير للجدل تأمين حضور أكبر لبوليساريو داخل المؤتمرات والاجتماعات التي يحضرها الاتحاد الأفريقي مع شركائه في أوروبا وآسيا وغيرهما، ويضمن بشكل صريح ألا يكون هناك اعتراض على مشاركة الجبهة الانفصالية، سواء من طرف المغرب أو دول أفريقية أخرى ترفض وجود الكيان داخل هياكل الاتحاد.
وقال الطيار إن الدول الأفريقية أصبحت تعي جيدا أن وجود بوليساريو داخل أروقة الاتحاد يفوت عليها الكثير من فرص التنمية، ويعيق عقد شراكات وازنة، كما هو الحال في القمة الأفريقية – اليابانية التي تم تنظيمها في تونس في الصيف الماضي وعرفت فشلا ذريعا بسبب إقحام الجبهة في أعمالها في انتهاك لقوانين الاتحاد الأفريقي.
وكان المغرب قرر عدم المشاركة في قمة منتدى التعاون الياباني – الأفريقي (تيكاد) بتونس في أغسطس الماضي، كما استدعى سفيره بتونس للتشاور، وذلك عقب الاستقبال الرسمي الذي حظي به الأمين العام لجبهة بوليساريو إبراهيم غالي من قبل الرئيس التونسي قيس سعيد.
وكانت اليابان أكدت رسمياً في التاسع عشر أغسطس رفضها القاطع والصريح للدعوة التي وجهتها مفوضية الاتحاد الأفريقي لجبهة بوليساريو لحضور القمة، وأكدت أنها لا تلزمها البتة.
الدول الأفريقية أصبحت تعي جيدا أن وجود بوليساريو داخل أروقة الاتحاد يفوت عليها الكثير من فرص التنمية
كما تم إقصاء بوليساريو من القمة الأميركية – الأفريقية في ديسمبر الماضي والتي حضرها نحو 50 من قادة دول القارة السمراء، إضافة إلى تصريح وزير الخارجية الروسي من موريتانيا، وهو ما اعتبره الطيار قراءة جيدة من روسيا لحرص الدول الأفريقية على التخلص من الأزمة المفتعلة بالأقاليم الجنوبية المغربية، ما يبيّن اشتداد الخناق على النظام الجزائري، وهو ما دفعه إلى محاولة تأمين مشاركة بوليساريو مستقبلا.
وفي القمة السادسة للاتحاد الأفريقي – الاتحاد الأوروبي في فبراير 2022، عمم الاتحاد الأوروبي بيانا جدد فيه التأكيد على موقفه الثابت والراسخ بعدم اعترافه بالجمهورية الوهمية، واستشعارا للإزعاج الذي سببه حضور غالي فيه داخل المؤسسات الأوروبية، كان على المتحدث باسم الاتحاد الأوروبي التأكيد على أن هذا الموقف لا يشوبه أي غموض، مذكرا بإجماع الدول الـ27 الأعضاء في الاتحاد على عدم الاعتراف بالكيان الوهمي.
وفي مقابل الاعتراض على المشروع الذي يهدف إلى تأمين حضور بوليساريو في شراكات الاتحاد قرر المجلس التنفيذي للاتحاد دعم الترشيحات المغربية الحالية في المنظومة الدولية، منها ترشيحه لعضوية مجلس المنظمة البحرية الدولية للفترة 2024 – 2025، واللجنة الأممية المعنية بحماية حقوق جميع العمال المهاجرين وأفراد أسرهم، ودعم ترشيح المغرب لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة للفترة 2028 – 2029.
وبدأ قادة دول الاتحاد الأفريقي عقد قمتهم السنوية السبت، وستركز خصوصا على بحث أعمال العنف في منطقة الساحل وجمهورية الكونغو الديمقراطية التي تثير قلقا “عميقا” لدى الأمم المتحدة، إلى جانب مشروع منطقة التجارة الحرة في القارة.
وقالت الحكومة الإثيوبية إن 35 رئيس دولة وأربعة رؤساء حكومات على الأقل يشاركون في القمة التي تختتم الأحد.
ويمثل المغرب رئيس الحكومة عزيز أخنوش بحضور وزير الخارجية ناصر بوريطة.
ويرى الطيار أن المملكة المغربية حريصة على العمل مع الدول الأفريقية لتحقيق أهداف الأجندة القارية الهادفة إلى جعل أفريقيا دينامية قوية وديمقراطية ومستدامة، والتصدي للتهديدات والمخاطر المناخية، والإجراءات الكثيرة التي قامت بها المملكة والتي تترجم هذا الحرص، في المقابل انكشفت أهداف النظام الجزائري الذي يريد مأسسة
تواجد كيان وهمي انفصالي داخل كل شراكات الاتحاد الأفريقي التنموية، ما يخدم في عمقه أجندة القوى الاستعمارية التي تحرص على بقاء أفريقيا مقسمة وهشة لتستمر في استنزاف مقدرات شعوبها.