تراجع الصحافة الورقية يفتح الساحة للأخبار الكاذبة في المغرب
كشف المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي في المغرب أن المؤسسات الحكومية تتحمل مسؤولية كبرى في انتشار الأخبار الزائفة، بسبب عدم احترام الكثير منها لقانون الحق في الحصول على المعلومة، إلى جانب ضعف الإعلام المحلي.
واعتبر المجلس، في تقرير أصدره الأربعاء عنوانه “الأخبار الزائفة: من التضليل الإعلامي إلى المعلومة الموثوقة والمتاحة”، أن تواصل الإدارات والمؤسسات الحكومية “بطيء وغير متفاعل بالقدر الكافي”، وأن القانون المتعلق بالحق في الحصول على المعلومات “إما غير مطبق على النحو السليم أو غير مطبق بالمرة”.
وتزامن تقرير المجلس مع انتشار واسع عبر صفحات على موقع فيسبوك ومواقع إلكترونية خبر وفاة الجنرال والقائد السابق لجهاز الدرك الملكي حسني بنسليمان، الذي يعتبر واحدا من “الجنرالات الأربعة” الذين ساهموا في استقرار المغرب وحماية الملكية.
المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي حذر من خطر الأخبار الكاذبة لما تشكله من تهديد للثقة في مؤسسات الدولة
وأكدت وسائل إعلام مغربية محلية أن خبر وفاة الجنرال عار عن الصّحة، ومجرد إشاعة لا أساس لها من الصحة.
ويرى المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي (مؤسسة دستورية) أن المنصات الرقمية تعد عنصرا محفّزا لتفشي هذه الظاهرة، باعتبار أن نموذجها الاقتصادي يقوم على الإشهار عبر الإنترنت، ما يجعلها تبحث عن جذب أكبر عدد ممكن من المستعملين، وبعضها يفعل ذلك “مهما كلّف الأمر”، وذلك بهدف خلق الحدث “البوز”، وإبقاء المستعملين أطول فترة ممكنة على اتصال بمواقع التواصل الاجتماعي.
كما أرجع المجلس أسباب انتشار الأخبار الزائفة إلى تراجع الصحافة الورقية وظهور الصحافة الإلكترونية، موضحا أنه رغم تطور هذه الأخيرة الهائل، إلا أن ذلك تسبب في تشتت المشهد الإعلامي.
وقال رئيس المجلس أحمد رضا الشامي إن الأخبار الكاذبة تؤدي إلى صناعة رأي عام مواز ومزيف، وهذا هو الأخطر”.
وتطرق الشامي لبعض مظاهر التأثير السلبي للأخبار الزائفة التي انتشرت في المغرب، “مثل تداول معطيات غير صحيحة حول سعر الدرهم المغربي مقابل الدولار، ونشر إشاعات حول لقاح فايروس كورونا تفيد بأنه يحتوي على شريحة تمكّن من مراقبة الملقحين، وهو ما حذا بعدد من الناس إلى عدم الإقبال عليه”.
وقال الشامي إن “الأخبار الزائفة تخلف تداعيات سلبية، حقوقية وسياسية واجتماعية، تمس بالثقة في المؤسسات، وتضرب الشعور بالأمن والأمان داخل المجتمع، كما تشكك في الحسّ السليم، خاصة في وقت الأزمات”.
من جانب آخر، أشار المجلس إلى أن “عدم انتظام تحيين المواقع الإلكترونية للمؤسسات والإدارات الحكومية من أسباب انتشار الأخبار الزائفة في المغرب”، مسجلا “عدم وجود مقاربة شمولية لإحداث منصات للتحقق من صحة المعلومات، إذ لا توجد في المغرب سوى أربع منصات تعود ثلاث منها إلى الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزيون، ووكالة المغرب العربي للأنباء، والهيئة العليا للاتصال السمعي البصري، إضافة إلى منصة خاصة”.
وحذر المجلس من خطر الأخبار الكاذبة لما تشكله من تهديد للثقة في مؤسسات الدولة والأمن المجتمعي وانتهاك الحياة الخاصة للأفراد.
وحسب نتائج استشارة المواطنة التي أطلقها المجلس في الموضوع على منصته الرقمية “أشارك”، تتمثل الدوافع الرئيسية في إشاعة الأخبار الزائفة في السعي إلى تحقيق الربح المادي والبحث عن الإثارة ونشر بعض الأفكار.
وتقتضي محاربة الأخبار الزائفة توفر صحافة قوية لديها مصادر ذات مصداقية، لكن الصحافة الوطنية المغربية تعتريها مجموعة من النواقص التي تحد من قدرتها على ذلك؛ ففي الوقت الذي تراجعت فيه الصحافة الورقية، وشهدت الصحافة الرقمية تطورا هاما، فإن المشهد الإعلامي يعاني من التشتت، حيث لا توجد مجموعة إعلامية كبيرة بالقدر الكافي، إضافة إلى التحدي المتمثل في التكوين المستمر للصحافيين.
وللتحقق من صحة المعلومات، أوصى المجلس بإحداث بوابة رقمية عمومية للتحققِ من المعلومات (Fact – checking) بخصوص الأخبار الرسمية، مع رصد المبادرات التي تم إطلاقها على مستوى عدد من المؤسسات الإعلامية (وكالة المغرب العربي للأنباء والهيئة العليا للاتصال السمعي البصري وغيرهما)، وتقديم الدعم المالي لمواقع “التحقق من المعلومات” من خلال صناديق مستقلة.