القطيعة مع إسبانيا تؤثر على علاقة الجزائر بأوروبا
يسود الغموض مستقبل العلاقات بين الجزائر والاتحاد الأوروبي على ضوء الأزمة المستمرة بين إسبانيا، البلد العضو في الاتحاد، والجزائر، والتي باتت تأثيراتها تظهر حيث لم يتم حتى الآن تحديد موعد لانعقاد مجلس الشراكة الأوروبية – الجزائرية وسط تبادل الاتهامات بين الطرفين.
اتهمت الجزائر مسؤولا في الاتحاد الأوروبي بتعمد طرح خطاب ملتبس تجاه العلاقات الأوروبية – الجزائرية، وإسقاط القطيعة بين إسبانيا والجزائر على الاتفاقيات المبرمة، مما يوحي إلى أزمة في الأفق تزيد من متاعب الجزائر في محيطها الإقليمي، خاصة مع اقتراب تولي مدريد لرئاسة الاتحاد الأوروبي.
ونقلت برقية لوكالة الأنباء الرسمية الجزائرية عن مسؤول رفيع بوزارة الشؤون الخارجية والجالية الوطنية بالخارج، لم تكشف عن هويته، بأن “المدير العام المساعد المكلف بالتجارة في مفوضية الاتحاد الأوروبي كرس اللبس عمدا بين البعد السياسي والتجاري، من خلال إعرابه عن قلق الاتحاد الأوروبي من إجراءات ردعية مزعومة اتخذتها الحكومة الجزائرية ضد إسبانيا”.
وأعربت البرقية عن استغراب المسؤول من عدم إشارة المسؤول الأوروبي الى الدور الإسباني في عرقلة عمل الهيئات المشتركة بين بلاده والاتحاد الأوروبي، وذكرت على لسانه قوله “بطبيعة الحال، لم يتطرق هذا المسؤول البتة إلى الموقف المعرقل للحكومة الإسبانية التي تقف في وجه تبني أولويات الشراكة التي تم التفاوض بشأنها، ووضع صيغتها النهائية منذ عدة أشهر في إطار سياسة الجوار الأوروبية”.
وأضاف “كما أنه غض الطرف أيضا عن موقف إسبانيا غير المسؤول، بحيث أنها تستغل بطريقة تعسفية قاعدة الإجماع لعرقلة انعقاد مجلس الشراكة، الذي يعتبر الهيئة السياسية القانونية المكلفة بالخوض في كافة الشؤون السياسية والاقتصادية والتجارية بين الطرفين الجزائري والأوروبي”.
ولفت المتحدث إلى أن “هذه التحركات الاستعراضية والضغوط التي تمارسها إسبانيا غير مجدية ولا تؤثر فينا بتاتا”.
وتقترب القطيعة الشاملة بين الجزائر وإسبانيا من عامها الأول، بعد إعلان الجزائر من جانب واحد تجميد اتفاق الشراكة الإستراتيجية، ووقف المعاملات الاقتصادية والتجارية بين البلدين، غداة إعلان مدريد عن دعمها للمقاربة المغربية في حل قضية الصحراء، والذي اعتبره الرئيس عبدالمجيد تبون “تنصلا من المسؤوليات السياسية والأخلاقية لإسبانيا على الصحراء المغربية”.
وأمام تبادل التهم بين الجزائر والاتحاد الأوروبي حول مسؤولية عرقلة انعقاد مجلس الشراكة بين الطرفين، بدأت تلوح بوادر أزمة في الأفق بين الجانبين.
وكان مسؤولون في الاتحاد الأوروبي أعربوا في أكثر من مناسبة عن قلقهم من التوتر المستمر بين الجزائر ومدريد، وتعمد خرق المبادلات الاقتصادية والتجارية بين الطرفين، على اعتبار أن إسبانيا هي عضو من أعضاء الاتحاد.
وجاء تصريح الرئيس تبون، في الرسالة التي وجهها بمناسبة الاحتفال باليوم الوطني للشهيد المصادف للثامن عشر من فبراير، ليعبر عن رغبة بلاده في تفادي التوترات الدولية، متزامنا مع السجال المستجد بين الطرفين، مما يرشحه لأن يكون رسالة تهدئة للاتحاد الأوروبي، حتى ولو أنه لم يخصه بالذكر.
وإلى جانب التوترات مع إسبانيا، تواجه الجزائر أزمة مستجدة مع فرنسا على خلفية إجلاء باريس لناشطة جزائرية من تونس قبيل ترحيلها إلى الجزائر.
ويرى مراقبون أن الجزائر تبدو ملزمة بخفض سقف التوترات المحيطة بها، لاسيما مع الضغوط التي التي تواجهها في عدد من الملفات ومنها العلاقة مع روسيا.
الجزائر تبدو ملزمة بخفض سقف التوترات المحيطة بها، لاسيما مع الضغوط التي التي تواجهها في عدد من الملفات ومنها العلاقة مع روسيا
وقال تبون “الجزائر مستعدة للحد من خطورة التوتر الذي أصبح يطبع العلاقات الدولية وينذر بتداعيات مقلقة، لتكون في أفضل المواقع للدفاع عن مصالحها الإستراتيجية، مع تمام الإدراك لدورِها الـمحورِي، ولمكانتها على خارطة توازنات السياق الإقليمي والدولي الراهن، وذلك بالعمل مع جميع شركائها من أجل الـمساهمة في استتباب السلم والأمن في الـمنطقة والعالم”.
وكان الأمين العام لوزارة الشؤون الخارجية والجالية الوطنية بالخارج عمار بلاني قد استقبل سفير الاتحاد الأوروبي بالجزائر توماس إيكارت، حيث استعرض الطرفان الاستحقاقات القادمة المسجلة في أجندة العلاقات الثنائية والعديد من القضايا الدولية والإقليمية ذات الاهتمام المشترك.
وذكر بيان الخارجية أن بلاني أبلغ ضيفه الأوروبي بأن “الجزائر الجديدة بقيادة رئيس الجمهورية تبون مصرة وحريصة في ذات الوقت على إقامة شراكة مثمرة ومربحة للطرفين مع الاتحاد الأوروبي، تكون مبنية على الندية والسعي لتحقيق المصالح والمنافع المشتركة”.
كما تبادل الطرفان الرؤى حول الأزمة الروسية – الأوكرانية والتحديات الجسيمة التي فرضتها على الأمن والاستقرار في العالم، وفي هذا الشأن شدد بلاني على “ضرورة تكثيف المساعي الدولية لوضع حد لهذه الأزمة في أسرع وقت ممكن، وعلى موقف بلاده الداعي منذ البداية إلى ضرورة حل النزاع من خلال الحوار والوسائل السلمية وبما يراعي ويضمن مصلحة كافة الأطراف”.
وباتت القطيعة الجزائرية مع إسبانيا، والموقف من أطراف الصراع في الأزمة الأوكرانية، ترمي بكل ثقلها في العلاقات الجزائرية – الأوروبية، على اعتبار أن بروكسل منزعجة من وقف المبادلات التجارية والاقتصادية بين الجزائر ومدريد، ومن العلاقات الوثيقة بين الجزائر وموسكو، خاصة في مجال صفقات التسليح.
ورغم دور الجزائر في توفير حاجيات أوروبية من الغاز خلال الأشهر الماضية، إلا أن ذلك لم يحجب حالة الشك حول موقف ودور الجزائر الإقليمي الخارج عن إرادة الاتحاد الأوروبي في إدارة مصالحه، خاصة في مجال الطاقة والتعاون الجيوإستراتيجي.
وتتطلع الجزائر إلى الانضمام إلى مجموعة “بريكس”، بحسب ما أعلن عنه مسؤولون جزائريون وروس، على أمل تنويع شراكاتها وبناء توازنات جديدة، في إطار ما أسماه الرئيس الجزائري بـ”دعم تعدد الأقطاب”، وإقامة صداقات واسعة مع الأوروبيين والأميركيين، كما مع الروس والأفارقة والعرب.