بعد أيّام قليلة، تدخل الحرب الأوكرانية سنتها الثانية. ما كان متوقعا أن يكون مجرّد نزهة في حسابات فلاديمير بوتين، تحوّل إلى حرب استنزاف طويلة لا علاقة لها بكلّ الحروب التي خاضتها روسيا في السنوات العشرين الماضية. خاضت تلك الحروب من أجل تأكيد أنّها دولة عظمى وأنّه يجب أن يحسب لها حساب، تماما كما كانت عليه الحال في أيّام الاتحاد السوفياتي.
أخطأ فلاديمير بوتين في حساباته. لم يترك أمامه سوى خيار التصعيد… أي الذهاب بالحرب إلى النهاية بدل الاعتذار من أوكرانيا والأوكرانيين بسبب الدمار الذي سببه لشعب تخلّص مطلع تسعينات القرن الماضي من نير الاستعمار السوفياتي وتخلّفه في كلّ المجالات.
تبدو حرب أوكرانيا مختلفة عن حرب سيطرة روسيا على شبه جزيرة القرم في العام 2014 وعن التدخل المباشر، ابتداء من آخر أيلول – سبتمبر 2015، في الحرب التي يشنّها النظام الأقلّوي في سوريا على شعبه.
◙ هل لدى الجزائر ما تخجل به أمام العالم من علاقتها بروسيا، وهي علاقة تفسر وجود نظام ذي طابع ستاليني فيها لا يفكر سوى بصفقات أسلحة مع الجانب الروسي؟
ما تغيّر منذ يوم 24 شباط – فبراير من العام الماضي، عندما بدأ الهجوم الروسي على أوكرانيا، هو طبيعة الحرب الأوكرانية وأبعادها. من حرب تثير المخاوف من سيطرة روسيا على أوكرانيا تمهيدا للتحكّم بأوروبا، بات التركيز الأوروبي والأميركي على الدور الإيراني في تلك الحرب. تبدو أوروبا معنيّة في الوقت الحاضر بالدور الإيراني في استمرار الحرب الأوكرانية، كذلك باتت معنية بالدور الذي تلعبه مجموعة “فاغنر” التي تضمّ مرتزقة من مشارب مختلفة تقاتل باسم روسيا. على رأس هذه المجموعة صديق لفلاديمير بوتين ورجل أعمال مهمّ هو يفغيني بريغوجين.
ليس بعيدا اليوم الذي ستكتشف فيه أوروبا أبعادا أخرى خاصة بحرب أوكرانيا من نوع العلاقة الروسية – الجزائرية في وقت تنفي فيه الجزائر وجود مثل هذه العلاقة الخاصة التي هي في مستوى حلف بين الجانبين… فيما تؤكّدها موسكو عبر سيرجي لافروف.
كلّما مرّ يوم، يتبيّن أن الرئيس الروسي لم يكن قادرا على متابعة حربه التي تستهدف الاستيلاء على إخضاع أوكرانيا وشعبها، وبالتالي أوروبا، لولا دعم “الجمهورية الإسلامية” في إيران ومجموعة “فاغنر” وتواطؤ دول مثل الجزائر. أخذت الحرب بعد سنة على بدايتها بعدا جديدا. استطاع فلاديمير بوتين بفضل المسيّرات والصواريخ الإيرانية ودعم مجموعة “فاغنر” الصمود… أقله إلى الآن. يُخشى من تخاذل غربي يمكن أن يمكّنه من متابعة الحرب على الرغم من الخسائر البشرية الضخمة التي يتكبدها الشعب الروسي. في الواقع، يخاف الغرب، خصوصا حلف شمال الأطلسي (ناتو)، أن يستعيد الرئيس الروسي المبادرة بعد سلسلة الهزائم التي تعرّض لها منذ فشل الجيش الروسي في الاستيلاء على كييف في الأسابيع الأولى للحرب. ثمة معارك ضارية تدور حاليا في الداخل الأوكراني، في بخموت تحديدا. سيكون الجيش الروسي، بدعم من مجموعة “فاغنر” وإيران، على شفا استعادة المبادرة في أوكرانيا في حال تلكؤ الغرب في دعمها وسقوط بخموت. معنى ذلك دخول الحرب الأوكرانية مرحلة جديدة تطرح على الأوروبيين والأميركيين، المهتمين بتفادي سقوط القارة العجوز، تحدّيات جديدة.
ثمة نقاش فعلي يدور بين أعضاء مجموعة رامشتاين (خمسون دولة) التي تدعم أوكرانيا في مواجهة الغزو الروسي. يأتي هذا النقاش في شأن الطائرات المقاتلة بعدما حسم موضوع تزويد أوكرانيا بدبابات أميركية وأخرى من صنع ألماني. يوجد تركيز في الوقت الراهن على كيفية منع روسيا من تحقيق أي تقدّم جديد على الأرض. ليس معروفا كيف سيتصرّف الغرب، خصوصا في ما يخصّ التورط الإيراني في الحرب الأوكرانية والدور الأساسي الذي تلعبه مجموعة “فاغنر” التي يتجاوز نشاطها أوكرانيا في ضوء وجودها في سوريا وفي الساحل الأفريقي وشمال أفريقيا، في مالي وجمهورية الكونغو الديمقراطية على وجه التحديد. ليس وجود “فاغنر” في منطقة تهمّ النظام الجزائري مباشرة سوى تعبير عن وجه آخر للحرب الأوكرانية. يتمثل هذا الوجه الآخر في وجود تعاون جزائري – روسي على كلّ المستويات. يحاول النظام الجزائري إخفاء هذا التعاون وعمق الحلف مع روسيا، تماما مثلما كانت روسيا تحاول في الماضي إخفاء حلفها مع “الجمهورية الإسلامية” في إيران. إنّه حلف كشفته الحرب الأوكرانية.
◙ تبدو أوروبا معنيّة في الوقت الحاضر بالدور الإيراني في استمرار الحرب الأوكرانية، كذلك باتت معنية بالدور الذي تلعبه مجموعة “فاغنر”
في الأمس القريب، أكد وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف في حديث مع التلفزيون الروسي “RT”، إجراء مناورات عسكرية روسية – جزائرية في تشرين الثاني – نوفمبر الماضي في منطقة بشار. كان لافتا النفي الجزائر لإجراء مثل هذه المناورات… التي ما لبث لافروف أن أكّد حصولها. هل لدى الجزائر ما تخجل به أمام العالم من علاقتها بروسيا، وهي علاقة تفسّر وجود نظام ذي طابع ستاليني فيها لا يفكّر سوى بصفقات أسلحة مع الجانب الروسي؟
قد يكون الأمر متعلقا بالتقارب الفرنسي – الجزائري الذي حصل أخيرا، وهو تقارب تستهدف الجزائر من خلاله الحصول على أسلحة فرنسية وتكنولوجيا متطورة في ما يخص الأقمار الاصطناعية. ليس مستبعدا وقوع فرنسا في الفخّ الجزائري، لكنّ الأكيد أنّ روسيا لن تكتفي بمتابعة نسج علاقات مع إيران واستخدام مجموعة “فاغنر”. بعد سنة على الحرب الأوكرانية، تسعى روسيا إلى توسيع إطار هذه الحرب. ليس سرّا أنّها بدأت تتحرش بمولدافيا التي كانت في الماضي القريب جمهورية سوفياتية. تشير كلّ المعلومات الواردة من مولدافيا إلى حملة روسية يتعرّض لها هذا البلد المسالم من أجل زعزعة الاستقرار فيه.
يبقى أخطر ما في الأمر أن المعادلة التي يحاول فلاديمير بوتين فرضها غير قابلة للتطبيق. يريد ضمّ قسم من أوكرانيا وهذا غير مقبول غربيا. اليوم قسم من أوكرانيا، غدا ماذا؟ أين ستتوقف شهية الرئيس الروسي الذي يخوض حربا يستحيل أن ينتصر فيها، كونها معركة حياة أو موت لأوروبا ودولها كلّها.
باتت أوكرانيا مأزقا للجميع، ليس لبوتين وحده، بل لإيران أيضا ولدولة مثل الجزائر تعتقد أن امتلاكها للغاز يسمح لها بممارسة بهلوانيات من نوع نفي إجراء مناورات عسكريّة مع روسيا داخل الجزائر نفسها، فيما تؤكّد موسكو حصول هذه المناورات…