اكتشفت الحكومة الجزائرية ضعف الإعلام الوطني في التأثير داخليا وخارجيا وعدم قدرته على الدعم الدبلوماسي، لكن معالجتها للوضع تقتصر على المطالب باستباق الهجوم الإعلامي دون معالجة جوهرية لمشاكل القطاع المثقل بالتعليمات.
دعا وزير الاتصال الجزائري محمد بوسليماني وسائل الإعلام الوطنية إلى التصدي للحملات العدائية التي تستهدف الجزائر، من خلال تبني “منهج استباقي” دفاعا عن مصالح البلاد، في إشارة إلى ضعف إعلام بلاده في صناعة التأثير على الرأي العام داخليا وخارجيا.
وأبدى بوسليماني استياء من أداء إعلامه المقيد بالرقابة والتعليمات الفوقية، حين أفاد بأن “زمن الاكتفاء برد الفعل قد ولى”، رغم أن المشكلة الجوهرية التي يعاني منها الإعلام الجزائري هي عدم قدرته على اتخاذ المبادرة بسبب ضغوط السلطة، إذ أن الكثير من وسائل الإعلام المستقلة التي حاولت أن تتخذ نهجا تحريريا موضوعيا بعيدا عن إملاءات الحكومة أغلقت أبوابها بعد محاصرتها اقتصاديا بشكل خاص.
وقال الوزير بوسليماني في منتدى القناة الأولى للإذاعة الجزائرية، إنه يتعين على الإعلام الجزائري أن يكون “استباقيا”، و”أن يشكل حصنا منيعا ضد الحملات الإعلامية العدائية التي تسعى لضرب استقرار الجزائر ومؤسساتها”. وهي الحملات التي أكد أنها “لم ولن تنجح”، نظرا لأن هذه المؤسسات “نابعة من صلب الشعب الجزائري”. وأضاف بالقول ”نحتاج إلى منظومة إعلامية قوية وإلى أن يكون الصحافي في الصفوف الأولى، في ظل التحديات الراهنة التي تواجهها الجزائر”.
ويعتبر صحافيون في هذا السياق أن “تصريحات الوزير منفصلة عن الواقع، حيث يطالب الصحافي بأن يكون صاحب المبادرة ومؤثرا، دون أن يمتلك أهم المقومات وهي مصادر الخبر”.
ويقول مراقبون إن “الإعلام الجزائري فاقد للمصداقية على المستوى الرسمي والشعبي فالجمهور يشكك دائما في ما يتم نشره في الإعلام المحلي وما يقدمه بسبب مساندته الدائمة للسلطة، وغيابه عن مشاكل الجمهور وأزماته”.
ويشتكي صحافيون في الجزائر من الظروف التي يعملون فيها ومستوياتهم المهنية، وسط منافسة من مواقع التواصل الاجتماعي حيث يمتلك المواطن الصحافي مساحة حرية أكبر في التعبير عن الرأي وانتقاد ما يجب نقده.
ويغلب على المشهد الإعلامي في الجزائر الضبابية، رغم تعدّد القنوات التلفزيونية واتساع التناول الإعلامي لمختلف القضايا عبر مواقع التواصل الاجتماعي، إذ مازالت وسائل الإعلام العمومية بالأخص في عملية مد وجزر بين تلبية ما يطلبه المواطنون، وبين ما تفرضه عليها السلطة السياسية.
لكن الوزير الجزائري أغفل جميع الأسباب التي أدت لانحدار المهنية في القطاع، وهو يسهب في ذكر مطالبه من الإعلام، وسط الهجمات التي تعرضت لها البلاد وكشفت الضعف الصارخ للإعلام الجزائري.
وأبرز بوسليماني الدور المنوط بالإعلام في “مرافقة جهود الدولة في المجال الدبلوماسي واستعادة الجزائر لمكانتها الطبيعية باعتبارها قوة إقليمية وكلمتها أصبحت مسموعة بعد السنوات الصعبة التي مرت بها”. وذكر من جهة أخرى “باهتمام الرئيس عبدالمجيد تبون بتطوير القطاع وترقيته”، وذلك من خلال “خطة عمل شاملة تتضمن إعادة النظر في قوانين الإعلام حيث تم الانتهاء من إعداد مشاريع القانون العضوي للإعلام وقانون السمعي البصري وقانون الصحافة المكتوبة والإلكترونية وهي حاليا على مستوى البرلمان”.
واعتبر أن هذه القوانين تهدف إلى تنظيم القطاع بالإضافة إلى “ضبط الأمور في قطاع السمعي البصري وتطهيره وتنظيم عمل القنوات الخاصة التي تم الشروع في توطين 16 منها بمؤسسة البث الإذاعي والتلفزيوني”. وتحاول الحكومة الجزائرية توجيه اهتمام وسائل الإعلام نحو القضايا الخارجية بصورة أكثر إقناعا وفي نفس الوقت تلبية اهتمامات الجمهور الداخلي، للحدّ من توجهه نحو المنابر الخارجية، لكن هذه المهمة ليست سهلة في ظل القيود والرقابة المفروضة على وسائل الإعلام.
ويطالب تبون في كل مرة الإعلام الجزائري بإسناد مجهود الدولة في الرد على “الحرب التي تتعرّض لها الجزائر”، وطالبه بالمزيد من الجهد لاكتساب أدوات التحكم في المناهج والمعارف للتصدي لحروب الجيل الرابع، في اعتراف ضمني بعدم احترافية الإعلام في بلاده وعدم قدرته على المنافسة دوليا.
ويرى متابعون أن التضييق الذي مارسته السلطات على المواقع الإلكترونية الجزائرية، دفع بالمستخدمين للتوجه نحو وسائل الإعلام الخارجية، وهو الدرس الذي لم تستوعبه الحكومات بعد بصعوبة التحكم بتدفق المعلومات والأخبار في العصر الرقمي.
لكن رغم ذلك لم يجد بوسليماني حرجا في تجاهل التضييق وهو يركز على “الدور المهم الذي على الإعلام خاصة الصحافة الرقمية والإلكترونية أن يضطلع به”، واستطرد بأنه “دور استباقي يرتكز على التسويق الجيّد لصورة الجزائر عكس ما كان عليه الأمر سابقا”.
يبدو أن السلطات الجزائرية أدركت في الوقت الراهن أنها بحاجة إلى وسائل إعلام عمومية على مستوى من المهنية وجودة المحتوى، لمواجهة الانتقادات الخارجية
ولفت في تصريحاته إلى أنه منذ إشرافه على القطاع لاحظ أن “بعض الصحف والقنوات تقزّم الإنجازات وتضخّم السلبيات”، مضيفا أن “المطلوب من كل وسائل الإعلام الوطنية المشاركة في بناء البلاد وأن تكون طرفا فعالا وموحدا وقد أثبتت أنها تستطيع رفع التحديات في العديد من المحطّات”.
ويبدو أن السلطات الجزائرية أدركت في الوقت الراهن أنها بحاجة إلى وسائل إعلام عمومية على مستوى من المهنية وجودة المحتوى، لمواجهة الانتقادات الخارجية التي تتناول الأوضاع الداخلية بصورة قاتمة، وهو ما تسميه السلطة بـ”الحرب الإعلامية”.
ويظهر محتوى الصحافة الإلكترونية في الجزائر مختلفا تماما عن الصحافة التقليدية ومنافسا قويا لوسائل الإعلام المسموعة والمرئية والورقية، ما يُثير حفيظة السلطات التي تتعامل بحذر مع نشاط المواقع الإخبارية، إذ تلجأ إلى آلية الحجب من فترة إلى أخرى، وهو ما تسبب بانعكاسات سلبية على السلطات نفسها.
ويؤكد صحافيون أن غياب المعلومة الصحيحة يفسح المجال للأخبار المغلوطة، وتحاول بعض الأطراف على المواقع الإلكترونية ومواقع التواصل الاجتماعي توجيه الرأي العام في ما لا يخدم المصلحة العامة، وهو ما يفرض إعادة هيكلة الخدمة العمومية من أجل إعلام عمومي قوي.
لكن الإجراءات التي اتخذتها الحكومة تقيد ممارسة نشاط الإعلام عبر الإنترنت في الجزائر، وبينما تتعهد السلطة بضمان عمل المواقع الإخبارية، إلا أن ذلك لا يُبدد المخاوف من ممارسة الرقابة على مضامين المواقع الإخبارية المحلية، خصوصا في ظل حجب عدة مواقع دون سابق إنذار وتنصل الجهات الوصية من تحمل مسؤولية ذلك ورفع الحجب عنها.
وأصدرت الحكومة المرسوم التنفيذي المحدد لممارسة نشاط الإعلام عبر الإنترنت ونشر الرد أو التصحيح عبر الموقع الإلكتروني، لكن مضمونه لم يحظ بالتوافق في صفوف العاملين في القطاع، ويشكل اليوم عائقا أمام الدور الذي تريد الحكومة من وسائل الإعلام أن تقوم به.