أثار حديث وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف عن إجراء مناورات عسكرية جزائرية – روسية، في محافظة بشار الجزائرية في الفترة من 16 إلى 28 نوفمبر 2022، التساؤل عما إذا كانت الجزائر قد ضللت الغرب عندما أصدرت بيانا نفت فيه إجراء تلك المناورات.
ويأتي اعتراف لافروف بإجراء مناورات “درع الصحراء 2022” خلال حوار له مع قناة “روسيا اليوم” في الأول من فبراير الجاري، ليضع الجزائر مجددا في مواجهة مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي بسبب استمرار تحالفها مع روسيا التي يعمل الغرب على عزلها.
وكانت الجزائر قد نفت على لسان وزارة الدفاع في بيان ملتبس إجراء هذه المناورات، وفسحت المجال أمام تأويلات مختلفة، خاصة أن البيان تضمّن اعترافا بوجود المناورات وإلغائها في الوقت نفسه.
◙ النظام الجزائري يهدف من وراء التضليل إلى التهدئة مع الغرب، وفي الوقت نفسه الحفاظ على علاقة متينة مع روسيا
وبعد حديث لافروف لـ”روسيا اليوم” يمكن فهم سر الارتباك الذي بدا في البيان الجزائري تحسبا لانكشاف الأمر، خاصة أن مواقع مغربية تحدثت آنذاك عن إجراء المناورات بشكل سري.
وتساءل مراقبون ومحللون سياسيون عن الدوافع التي حدت بالجزائر إلى إنكار هذه المناورات، وهي تعرف أن الأمر قد ينكشف في أي لحظة، مشيرين إلى أن اضطرار النظام الجزائري إلى التضليل سببه رغبته في التهدئة مع الغرب، وخاصة الولايات المتحدة، وفي الوقت نفسه الحفاظ على علاقة متينة مع روسيا كشريك إستراتيجي.
ولا شك أن هذه الازدواجية ستتحول إلى غير صالح الجزائر، وأن الأميركيين لن يسكتوا عن الأسلوب المخادع الذي اعتمدته الجزائر التي أوحت للغرب بأنها بلد لا يمكن الثقة به، ولا بناء شراكات طويلة الأمد معه، خاصة ما يتعلق باتفاقيات الغاز، وسط مخاوف من أن الجزائر يمكن أن تنقلب على هذه الاتفاقيات في أي وقت كما حصل مع المغرب وإسبانيا من قبل.
وسعت الجزائر ضمن سياسة الخداع التي اتبعتها لتضليل الغرب إلى الإيحاء بأنها تنأى بنفسها عن روسيا، بإلغاء المناورات وتأجيل زيارة الرئيس عبدالمجيد تبون إلى مايو القادم بعد أن كانت مقررة في نهاية العام الماضي.
وضمن سياسة “الحياد” تجاه روسيا انتقد الرئيس الجزائري قبل أيام وجود عناصر فاغنر في مالي، وذلك في حوار أجراه مع صحيفة “لوفيغارو” الفرنسية، حيث اعتبر أن الأموال التي تصرف على العناصر الروسية كان الأجدى استغلالها في التنمية.
لكن الآن، وبعد اعتراف وزير الخارجية الروسي بإجراء المناورات، سيتضاعف التوتر بين الجزائر والغرب ومن الصعب أن تنجح مرة أخرى في كسب ثقة واشنطن، كما ستثير المزيد من المخاوف لدى دول أوروبية تسعى لأن تحل أزمة الغاز عبر اتفاقيات مع الجزائر مثل إيطاليا.
ويرى المراقبون أن انكشاف التضليل في موضوع المناورات سيزيد حذر الغرب من الجزائر، فالخلاف لن يقف عند رغبة الغرب في وقف صفقة سلاح تقدر بالمليارات وستساهم في حل أزمة روسيا وتمويل حربها في أوكرانيا، وإنما سيذهب إلى ما هو أعمق، وهو أن الجزائر يمكن أن تتحول من خلال التعاون السري إلى مركز نفوذ روسي بما يهدد أمن أوروبا ومصالح الولايات المتحدة في شمال أفريقيا.
وكانت مناورات “درع الصحراء” مقررة في بلدة حماقير التابعة لمحافظة بشار الحدودية مع المغرب، أي على بعد كيلومترات من السواحل الأوروبية، وهذا يعني أن الجزائر تمنح روسيا منفذا إستراتيجيا إلى المتوسط، فضلا عن مخاوف من تحولها إلى قاعدة انطلاق روسيا نحو أفريقيا بتأمين الدعم لمجموعة فاغنر، مما يجعلها في مواجهة مباشرة مع فرنسا.
وتعمل فرنسا على بناء الثقة مع الجزائر، لكن النظام الجزائري، الذي يتحرك دون ضوابط سياسية، سرعان ما يهدم التفاهمات كتلك التي حصلت على هامش زيارة رئيس الأركان سعيد شنقريحة إلى باريس، والتي تركزت حول دور جزائري مفترض لاستبدال النفوذ الفرنسي في مالي.
ومن المهم الإشارة إلى أن كلام لافروف، الذي كشف فيه عن إجراء مناورات بشار وتحدث خلاله بإطناب عن متانة العلاقة مع الجزائر، جاء مباشرة بعد انتهاء زيارة شنقريحة إلى باريس، وهدف إلى وضع فرنسا في الصورة، وإرسال رسالة مفادها أن حديث رئيس أركان الجيش الجزائري وتعهداته هناك لا قيمة لهما، وأن الجزائر ستبقى حليفا لبلاده.
◙ الجزائر يمكن أن تتحول من خلال التعاون السري إلى مركز نفوذ روسي بما يهدد أمن أوروبا ومصالح الولايات المتحدة في شمال أفريقيا
وسيفتح اعتراف وزير الخارجية الروسي بإجراء المناورات سريا في محافظة بشار الباب لعودة المطالبات داخل الولايات المتحدة بمعاقبة الجزائر لإضرارها بالمصالح الأميركية في الخارج، والتي قادتها عضو الكونغرس ليزا ماكلين مع مجموعة من زملائها من الحزبين.
ودعت ماكلين وزارة الخارجية إلى “تسليط عقوبات كبيرة على أولئك المتورطين من الحكومة الجزائرية في شراء الأسلحة الروسية”.
وقالت ماكلين إن “روسيا هي أكبر مصدّر للأسلحة العسكرية إلى الجزائر. وأبرمت الجزائر مع روسيا في العام الماضي وحده صفقة لشراء أسلحة بلغت قيمتها الإجمالية أكثر من 7 مليارات دولار. ووافقت في هذه الصفقة على شراء طائرات مقاتلة روسية متقدمة، بما في ذلك سوخوي 57. ولم توافق روسيا على بيع هذه الطائرة إلى أي دولة أخرى حتى الآن. وجعل هذا من الجزائر ثالث أكبر متلق للأسلحة الروسية في العالم”.
وتحدثت تقارير إعلامية غربية عن صفقات تسليح تقدّر بمليارات الدولارات بين الجزائر وروسيا وكان من المزمع أن تتم خلال الزيارة.
وزادت الجزائر ميزانيتها الدفاعية لهذا العام بأكثر من الضعف مقارنة بالعام الماضي لتصل إلى أكثر من 22 مليار دولار وأعطت الألوية لوزارة الدفاع.