قضية بوراوي: الجزائر تهاجم المخابرات الفرنسية وتتحدث عن يد للمغرب.. وباريس تبحث عن التهدئة
بوشعيب البازي
تحولت قضية الطبيبة والناشطة السياسية الجزائرية أميرة بوراوي، إلى أزمة دبلوماسية عاصفة بين الجزائر وباريس، إلى درجة حديث الإعلام الرسمي عن قطيعة بين البلدين تنهي العلاقات الودية التي سادت في الأشهر الأخيرة. في غضون ذلك، ذكرت بوراوي في تصريحاتها، أن الرئيس التونسي قيس سعيد هو من سمح لها شخصيا بالمغادرة.
وفي برقية خارجة عن المألوف، شنت وكالة الأنباء الجزائرية الرسمية، هجوما لاذعا على السلطات الفرنسية، واتهمت المخابرات الخارجية الفرنسية تحديدا بتنفيذ خطة تقضي بتقويض العلاقات الجزائرية-الفرنسية، يتم تنفيذها من قبل عملاء سريين و”خبارجية” (متخابرين) وبعض المسؤولين في هذا الجهاز.
وكالة الأنباء الجزائرية تهاجم المخابرات الفرنسية وتؤكد أن حدوث القطيعة مع باريس لا يبدو بعيدا
ونشرت الوكالة التي تمثل الخط الرسمي للسلطة، أن المصالح الفرنسية لم تعد تخفي مناوراتها، بل أضحت تعلنها أمام الملأ وفي وضح النهار وها هي اليوم على وشك بلوغ هدفها المتمثل في إحداث القطيعة في العلاقات الجزائرية-الفرنسية.
وطرحت الوكالة علامات استفهام، بخصوص كيف أن “امرأة ليست صحفية ولا مناضلة ولا تحمل أي صفة، يتم إجلاؤها إلى فرنسا، وفي ظرف 48 ساعة يتم استقبالها وتمكينها من التحدث في بلاطوهات قنوات تلفزيونية عمومية”، وذلك دليل حسبها على أن المخابرات الفرنسية أعلنت التعبئة العامة “لخبارجيتها” وبات هدفها واضحا.
وأضافت تقول بلغة تحذير: “ليعلم هؤلاء أنه إذا فكرت فرنسا في تكرار سنة 2023، سيناريو “خليج الخنازير” فأنهم قد أخطأوا في العنوان”. وشرحت كلامها بالقول: “الجميع يعلم أنه يوجد على مستوى المديرية العامة للأمن الخارجي الفرنسي، خطة تقضي بتقويض العلاقات الجزائرية-الفرنسية، يتم تنفيذها من قبل عملاء سريين و”خبارجية” وبعض المسؤولين على مستوى المديرية العامة للأمن الخارجي الفرنسي ووزارة الخارجية الفرنسية وكذا بعض المستشارين الفرنسيين من أصل جزائري لا يخفون ولعهم وتبجيلهم للنظام المغربي.
وفي ختام البرقية، أبدت الوكالة أسفها لرؤية كل ما تم بناؤه بين الرئيسين تبون وماكرون لفتح صفحة جديدة بين البلدين، ينهار وحدوث القطيعة لم يعد بعيدا على ما يبدو.
من جانبها، اختارت الخارجية الفرنسية لغة حذرة في التعليق على القضية بعد الأبعاد الكبيرة التي أخذها الموضوع لدى الجانب الجزائري. وقال فرانسوا دلماس، المتحدث باسمها، إن بلاده تعتزم مواصلة العمل تعميق علاقاتها الثنائية مع الجزائر
وأوضح الدبلوماسي في تصريح لوكالة الأنباء الفرنسية، أن ما حدث مع أميرة بوراوي قضية فردية، وليس بأي حال من الأحوال إجراء خارجا عن المألوف، مؤكدا أن الناشطة مواطنة فرنسية ومن حقها أم تحظى بالحماية القنصلية.
وبخصوص موقف الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون الذي قرر سحب السفير من فرنسا، رفض دلماس التعليق، متحججا بأن الأمر قرار يخص الجزائر، تماما مثلما تجنب الرد على احتمال أن تكون هذه القضية عائقا أمام إتمام زيارة الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون إلى باريس المقرر في مايو المقبل.
وفي سياق تفاعلات القضية، خرجت أميرة بوراوي الموجودة بباريس حاليا عن صمتها، مفندة الأخبار التي تم تداولها عن ضلوع المخابرات الفرنسية في عملية إجلائها من الجزائر.
وأبرزت بوراوي في حوار على “قناة تي في 5 موند”، أنها بالفعل غادرت التراب الجزائري بطريقة غير شرعية نحو تونس، عبر معبر أم الطبول الحدودي بولاية الطارف أقصى الشمال الشرقي للجزائر، لكن ذلك لم يكن بمساعدة أحد، على حد قولها.
وذكرت الناشطة أن السفارة الفرنسية لم تكن على علم بالقضية، إلا عندما تم اختطافها في تونس على يد الشرطة بعد أن أطلقت النيابة سراحها وحديث المحامين والمنظمات الحقوقية عن القضية، ليقوم بعدها القنصل الفرنسي بالتدخل ويعلن أنها تحت الحماية القنصلية الفرنسية لمنع ترحيلها للجزائر.
وفي تصريحات أخرى مثيرة، استغربت الناشطة في حديثها من التطورات التي أخذتها قضيتها، بينما يغادر يوميا جزائريون حسبها البلاد بطريقة غير شرعية عبر البحر، كما أن هنك مسؤولون جزائريون لهم جنسية فرنسية ومقيمون في فرنسا، متسائلة عن سبب عدم طرح المواضيع الحقيقية التي دفعتها لهذا الخيار، مثل منعها من السفر بطريقة تعسفية ومنعها من العمل منذ 5 سنوات وملاحقتها المستمرة من الجهات الأمنية.
كشفت بوراوي عن وقوف الرئيس التونسي قيس سعيد شخصيا وراء قرار السماح بمغادرتها تونس نحو فرنسا، بعد تدخل السفارة الفرنسية.
وفي هذا السياق، تحدثت مصادر إعلامية، عن وجود أزمة صامتة بين الجزائر وتونس، على خلفية هذه القضية، وأشارت إلى إغلاق الجزائر بعض معابرها الحدودية لساعات أمام التونسيين في أعقاب هذه الحادثة، لكن على الجانب الرسمي الجزائري، لا يوجد ما يشير إلى لوم السلطات التونسية، وكان كالعادة أول اتصال أجراه وزير الخارجية التونسي الجديد (البعض ربط إقالة سلفه بحادثة بوراوي) مع نظيره الجزائري رمطان لعمامرة.
وعلى المستوى السياسي في الجزائر، لا تزال تتدفق البيانات المستنكرة لطريقة ترحيل الناشطة أميرة بوراوي، مستعيدة نفس المصطلحات التي استعملتها الرئاسة الجزائرية التي عن عملية إجلاء سرية وغير قانونية لرعية جزائرية يعتبر تواجدها على التراب الوطني ضروريا بقرار من القضاء الجزائري. وعلى هذا الأساس، كان الرئيس عبد المجيد تبون، باستدعاء سفير الجزائر بفرنسا، سعيد موسي، فورا للتشاور.