تناقل شهود عيان من المعبر الحدودي أم الطبول، الفاصل بين الجزائر وتونس، إجراءات مشددة من طرف مصالح الجمارك الجزائرية تجاه مواطنين تونسيين تعودوا على التبضع من المدن الجزائرية القريبة كالطارف وعنابة، حيث أفرغت حمولات كاملة كانت معبأة على سيارات هؤلاء.
ويأتي هذا السلوك الجزائري كرد فعل على قضية الناشطة السياسية المعارضة أميرة بوراوي التي طالبت الجزائر باستلامها فيما سمحت السلطات التونسية بمغادرتها نحو فرنسا التي تحمل جنسيتها.
وسيطر التوتر على موقف الجزائر، حيث بادرت بسحب سفيرها من فرنسا بالتزامن مع حملة إعلامية ضد باريس، في مؤشر على تصعيد جزائري يهدد العلاقات الجزائرية – الفرنسية المتذبذبة في الأصل.
وبالتوازي، يبدو أن النظام الجزائري يدفع نحو تصفية الحساب مع تونس بطريقة أخرى من خلال استهداف مواطنين تونسيين على الحدود تعودوا على دخول الجزائر وشراء ما يلزمهم وفق توافق سابق بين البلدين، وهو ما قد يقود إلى أزمة سياسية بين البلدين وسط استياء واسع في تونس من الموقف الجزائري.
وتقول أوساط سياسية تونسية إن معاقبة مواطنين تونسيين لا ذنب لهم بسبب خلاف سياسي أسلوب استعلائي من الجزائر، التي تحاول استثمار الظروف الصعبة التي تعيشها تونس للضغط عليها، في الوقت الذي لم تتحرك تونس للرد بالمثل واستهداف الجزائريين الذين يدخلون تونس ويتبضعون منها بشكل دائم خصوصا في السنوات الصعبة التي مرت بها الجزائر منذ التسعينات وإلى حدود 2010.
وليست هذه هي المرة الأولى، فقد قامت السلطات الجزائرية في يناير بتوقيف تونسيين بزعم أنهم سعوا إلى تهريب كميات كبيرة من المواد سواء عبر سياراتهم الخاصة أو عبر حافلات سياحية، وحكمت عليهم لمدد تصل إلى 10 سنوات سجنا.
ويشعر التونسيون بأن الجزائر لم تقف في صفهم ولم تساعدهم على الخروج من الأزمة الاقتصادية الحادة التي يعشونها بالرغم من الوعود بالدعم التي صدرت عن مسؤولين جزائريين بما في ذلك وعود من الرئيس عبدالمجيد تبون كان أطلقها خلال لقاءاته مع الرئيس التونسي قيس سعيد.
واعتبر الناشط السياسي التونسي منذر ثابت أن “ردّ فعل الجزائر مخيّب للآمال”، وأنها “تتصرف بمنطق الوصاية على تونس”.
وأضاف ثابت في تصريح لـه أن “ما يجري على الحدود إهانة، والمفروض أن يتم توضيح ذلك من الجهتين، كما أن وزير الخارجية التونسي الجديد عليه أن يوضّح الموقف التونسي ويتحرّك لحفظ كرامة المواطنين”.
وتساءل النائب السابق حاتم المليكي عن لجوء الجزائر لهذه الممارسات، مشيرا في تصريح لـه إلى أنه “غالبا ما كان خط الحوار الدبلوماسي مفتوحا بين تونس والجزائر، ولكن المثير للانتباه هو صمت السلطات التونسية، ومن المؤسف أن يتعرض مواطنون تونسيون إلى ممارسات مهينة، وهذا أمر خطير جدا”.
ونقل عدد من التونسيين، الذين استهدفهم القرار الجزائري بإفراغ حمولات سياراتهم دون أيّ مبرر، أن عناصر من الجمارك الجزائرية أكدوا لهم أن الأمر ليس بأيديهم، وأن القرار جاء بتعليمات عليا، في إشارة إلى أنه قرار سياسي من أعلى السلطة الجزائرية.
لكنّ مصدرا جزائريا من المعبر، فضل عدم الكشف عن هويته، نفى في اتصال لـه أن “تكون للقضية صلة بالإجراءات المفاجئة، أو أن تكون أوامر أو تعليمات صدرت للمصالح الحدودية كإجراء مقابل للمسألة”.
ولفت إلى أن “تعمد مواطنين تونسيين التبضع بكميات معتبرة من مواد مدعمة في الجزائر كالزيت والسكر، اضطر المصالح المختصة إلى حظر مرورها، طبقا للنصوص والقوانين المعمول بها في الجزائر، في إطار حماية الاقتصاد الوطني والحفاظ على المقدرات التي توفرها الخزينة العمومية لدعم استهلاك المواطن الجزائري من المواد المذكورة”.
وذكر شهود عيان أنه وعلى غير العادة، حين كانت الكميات العادية من السلع والبضائع للاستعمال الخاص تمر دون أيّ إزعاج، فإنه سُجّل في الساعات الأخيرة تشدد لافت من طرف المصالح الجزائرية، على كل المواد المحملة، إذ لوحظت العشرات من المركبات التونسية تفرغ تماما من حمولتها في الجانب الجزائري.
ولم يتسن الاطلاع على الوضع في معابر حدودية أخرى، كما هو الشأن في العيون، أو بوشبكة أو طالب العربي، التي تعرف نفس الحركية بين مواطني البلدين.
وتعرف المعابر الحدودية منذ إعادة فتحها في منتصف العام 2021، غداة غلقها بسبب الإجراءات الصحية التي طبقت للحماية من جائحة كوفيد – 19، حركية معتبرة لتنقل مواطني البلدين إلى الجانبين، وساهمت الأزمة الاقتصادية التي تمر بها تونس في اعتماد مواطني المناطق الحدودية كطبرقة والكاف والقصرين وقفصة على التزود بالعديد من المواد الغذائية من الأسواق الجزائرية المحاذية.
وجاء تزامن الإجراء المذكور مع الجدل الذي أحدثته قضية أميرة بوراوي، التي يعتقد في الجزائر، أنها عبرت حدود البلدين بتواطؤ من عناصر أمنية في الجانبين، ليطرح إمكانية لجوء السلطات الجزائرية إلى التشدد في مرور المواد الاستهلاكية منها إلى تونس، لتكون رسالة سياسية على ما تعتبره أطراف جزائرية تساهلا تونسيا في سفر بوراوي إلى فرنسا.
وفتحت السلطات الجزائرية تحقيقات وصفت بـ”المعمقة”، في قضية عبور أميرة بوراوي التراب الجزائري إلى تونس بطريقة غير نظامية، وهو ما أكدته في تصريحات لها مساء الخميس لوسائل إعلام فرنسية وعربية.
وذكرت مصادر متابعة، بأنه تم توقيف عدد من العناصر والمسؤولين الأمنيين، خاصة في معبر أم الطبول، كما تم توقيف أحد الصحافيين، على خلفية شبهة مساعدته للناشطة على عبور الحدود، وينتظر تقديمه إلى السلطة القضائية يوم الأحد.
ولازالت الروايات المتضاربة حول ظروف وملابسات مغادرة الناشطة الفرانكو- جزائرية أميرة بوراوي، للتراب التونسي نحو فرنسا بحماية من السفارة الفرنسية في تونس، تثير الشكوك حول المصدر التونسي الرسمي الذي سمح بذلك.