ألقت قضية الناشطة السياسية الجزائرية المعارضة أميرة بوراوي بثقلها على العلاقات الجزائرية – الفرنسية، وتدفع بها نحو العودة إلى مربع الصفر، بعدما اتخذت أبعادا سياسية ودبلوماسية، لاسيما مع انخرط إعلام البلدين في سرد تقارير وروايات متضاربة، تعبر عن وجهات نظر رسمية وترشح الوضع للمزيد من التوتر.
وفي أول رد فعل فرنسي على قرار الجزائر استدعاء السفير، عبر مسؤول في وزارة الخارجية الفرنسية عن رغبة بلاده في مواصلة تعميق علاقاتها مع الجزائر رغم الخلاف المرتبط بعودة مواطنة فرنسية – جزائرية كانت مهددة بالترحيل من تونس إلى الجزائر.
◙ بالرغم من الضغوط الجزائرية تتجاهل فرنسا مطالبة الجزائر بتسليم معارضين جزائريين مقيمين في فرنسا رغم اتفاق تبادل المطلوبين
وصرّح المتحدث باسم وزارة الخارجية فرانسوا ديلماس بقوله “من جانبنا نعتزم مواصلة العمل على تعميق علاقتنا الثنائية”، في حين رفض التعليق على استدعاء السفير الجزائري، واكتفى بالقول “قرار جزائري لا يمكنني التعليق عليه”.
ولفت إلى أن “هذه الحالة فردية”، لكن “أميرة بوراوي مواطنة فرنسية وبناء على ذلك مارست السلطات الفرنسية الحماية القنصلية، وهذا إجراء لا يخرج عن المألوف بأي شكل من الأشكال”.
ولا تفوّت الجزائر أي فرصة لإعادة علاقتها بفرنسا إلى مربع التوتر بالرغم من سعي فرنسا المستمر لتجاوز نقاط الخلاف وبناء علاقة تقوم على الثقة.
وكشفت تقارير فرنسية أن الناشطة تمكنت من السفر إلى فرنسا بفضل تدخل الدبلوماسية الفرنسية، بعدما حصلت على ترخيص من الرئيس التونسي قيس سعيد يسمح لها بالمغادرة إلى باريس، الأمر الذي يثير الغموض حول المصدر الرسمي التونسي الذي سمح بالمغادرة، بعدما تم تداول وقوف وزير الخارجية عثمان الجرندي وراء القرار، وهو ما كلفه منصبه.
واستدعت الجزائر سفيرها في باريس الأربعاء بعد أن ذكرت وسائل إعلام جزائرية وفرنسية أن أميرة بوراوي، وهي ناشطة حقوقية احتجزت خلال الاحتجاجات الحاشدة عام 2019 في الجزائر وأُطلق سراحها عام 2020، عبرت الحدود إلى تونس بشكل غير قانوني بعد أن تمكنت من الهرب من المراقبة القضائية الجزائرية.
وقد يتسبب رد فعل الجزائر في أزمة جديدة بين البلدين بعد أشهر من تزايد دفء العلاقات. وزار الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الجزائر في العام الماضي، ثم تلت ذلك زيارة رئيسة الحكومة الفرنسية إليزابيت بورن ووفد وزاري هام، ثم زيارة قائد أركان الجيش الجزائري الجنرال سعيد شنقريحة إلى باريس منذ أيام قليلة، فضلا عن برمجة لزيارة الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون إلى فرنسا في شهر مايو القادم.
وبالرغم من الضغوط الجزائرية تتجاهل فرنسا مطالبة الجزائر بتسليم معارضين جزائريين مقيمين في فرنسا رغم اتفاق تبادل المطلوبين الذي يستثني الحالات الإنسانية والسياسية، وهذا ما يفسر التوتر الجزائري المتواصل تجاه ملف المطلوبين إلى درجة أن المسؤولين الجزائريين يرهنون المصالح بينهم وبين فرنسا بتسليم معارض ما.
وأعربت وزارة الخارجية الجزائرية عن الإدانة الشديدة “لانتهاك السيادة الوطنية من قبل موظفين دبلوماسيين وقنصليين وأمنيين تابعين للدولة الفرنسية، شاركوا في عملية إجلاء سرية وغير قانونية لرعية جزائرية يعتبر تواجدها على التراب الوطني أمرا ضروريا بقرار من القضاء الجزائري، وترفض الجزائر هذا التطور غير المقبول الذي يلحق ضررا كبيرا بالعلاقات الجزائرية – الفرنسية”.
وكان مقال افتتاحي لصحيفة “المجاهد” الحكومية الناطقة بالفرنسية، والذي بثته وكالة الأنباء الرسمية، قد تحدث عن “تصرف غير ودي” من طرف فرنسا.
◙ الجزائر لا تفوّت أي فرصة لإعادة علاقتها بفرنسا إلى مربع التوتر، رغم سعي باريس للتجاوز
وقال “تصرفت فرنسا الرسمية بصفة غير ودية للغاية تجاه الجزائر وتونس حيث قامت عبر تمثيليتها الدبلوماسية في تونس بخرق القانون التونسي من خلال إجلاء باتجاه فرنسا رعية جزائرية كانت على وشك أن ترحل نحو الجزائر لأنها كانت تتواجد في وضع غير قانوني في تونس”.
وفي المقابل قالت بوراوي على حسابها في فيسبوك إن رحيلها إلى فرنسا عبر تونس ليس هروبا إلى المنفى، وإنها ستعود قريبا.
ودخلت أطراف جزائرية على خط الأزمة المستجدة، حيث أكد وزير الاتصال محمد بوسليماني أن “بوراوي لا علاقة لها بالصحافة ولم تكن يوما ما تنتمي إلى القطاع”، ردا على وصفها بالصحافية، بعدما كانت تُنشّط حصة إذاعية على “راديو أم” الإلكتروني، الممنوع في الجزائر، والذي يوجد مالكه ومديره الإعلامي إحسان القاضي في السجن المؤقت في انتظار المحاكمة.
ولم يستبعد رئيس الغرفة الأولى للبرلمان (المجلس الشعبي الوطني) إبراهيم بوغالي، في تصريح لوسائل إعلام محلية، فرضية “التواطؤ” بين جهات معينة لتسهيل “هروب” بوراوي، وأكد على أن “تحقيقات دقيقة ومعمقة فتحت في هذا الشأن للكشف عن الظروف والملابسات” التي حفت بهذه المسألة.