للحد من الوضعيات الهشة للمرأة المغربية أطلقت الحكومة برنامج جسر التمكين والريادة الذي يهدف إلى تكوين النساء المهمشات، ومنهن الأمهات العازبات، وتأطيرهن ليتمكنّ من الاندماج في المجتمع وعيش حياة كريمة تكسبهن القدرة على مواجهة الصعوبات والحد من العنف المسلط عليهن.
مع التأكيدات المستمرة للحكومة بأنها وضعت المرأة في قلب الدولة الاجتماعية بحيث صارت كل الورش المفتوحة تتناول المرأة بصفة مباشرة، تستفيد النساء من خدمات المراكز متعددة الوظائف من بينهن أمهات عازبات وأمهات مرفقات بأطفال وذوي الاحتياجات الخاصة، ولهذا هناك عدد من الورشات المختلفة هدفها اكتشاف مواهب هؤلاء الأمهات العازبات الدفينة وإخراجها إلى الوجود في محاولة لإعادة إدماجهن داخل المجتمع. هذه الورشات تهم الطبخ، الخياطة، الفنون التشكيلية، البيئة والتنمية المستدامة وغيرها.
وفي يناير الماضي أطلقت المنصة الإلكترونية لتسجيل النساء اللواتي يعانين وضعية هشة في برنامج جسر التمكين والريادة، لتسهيل التمكين الاقتصادي للنساء، والذي يشكل لبنة أساسية في الإستراتيجية الجديدة لوزارة التضامن والإدماج الاجتماعي والأسرة، وذلك تنفيذا لتوجيهات العاهل المغربي الملك محمد السادس، والذي يولي عناية كبرى للنهوض بوضعية المرأة المغربية.
وفي هذا السياق، أكدت الوزيرة عواطف حيار وزيرة التضامن والإدماج الاجتماعي والأسرة، أن المنصة الرقمية لبرنامج جسر التمكين والريادة تهدف لتسهيل التمكين الاقتصادي للنساء وبشكل خاص اللواتي يواجهن ظروفا صعبة داخل المدن وفي القرى، والذي يعتبر محطة جديدة في مسار ترسيخ أسس شراكة متينة بين وزارة التضامن والإدماج الاجتماعي والأسرة والفاعلين والمسؤولين بجهة سوس ماسة (جنوب المملكة).
وترى وزيرة التضامن والإدماج الاجتماعي والأسرة أن إطلاق هذه المنصة يأتي تفعيلا لمضامين النموذج التنموي الجديد للمغرب، والذي أكد على مكانة الجهة كمستوى أساسي لانتقائية السياسات القطاعية والتآزر بين جميع الفاعلين بالجهة، كما أكد على ضرورة ملاءمة هذه السياسات مع الخصوصيات الجهوية والمحلية، وهو ما سيمكن من توفير خدمات عمومية فعالة وتعزيز الدينامية التنموية في الجهة.
وأكدت زينة إدحلي عضو المكتب السياسي لحزب التجمع الوطني للأحرار والنائبة البرلمانية عن الحزب أن الحكومة وضعت المرأة في وضعية صعبة بشكل خاص في قلب الدولة الاجتماعية ما سيمكن من تسريع تحقيق أهداف أساسية للبرنامج الحكومي 2021 – 2026، بحيث كل الورش المفتوحة الاجتماعية والاقتصادية تتناول المرأة بصفة مباشرة، مضيفة أنه من الضروري أن نثمن المكتسبات التي تم تحقيقها في ما يخص المرأة، تحت قيادة الملك محمد السادس.
وفي سياق التعاطي مع هذه الفئة الهشة تسعى الحكومة المغربية إلى ترجمة توجيهات الملك محمد السادس، عندما أكد في خطاب العرش المجيد يوليو 2022 ”أن بناء مغرب الكرامة الذي نريده لن يتم إلا بمشاركة جميع المغاربة رجالا ونساء في عملية التنمية، إذن نشدد مرة أخرى على ضرورة المشاركة الكاملة للمرأة المغربية في كافة المجالات”.
وشكل واقع الأمهات اللواتي يعانين وضعية صعبة موضوع جدال كبير داخل المجتمع المغربي من الناحية الأخلاقية والقانونية والمهنية، خصوصا وأن تلك الفئة الهشة تنتمي في الغالب إلى طبقات فقيرة تقع فريسة لاغتصاب ينتج عنه حمل خارج الأطر القانونية ما يزيد مشاكل هؤلاء النسوة الصغيرات داخل عائلاتهن ومجتمعهن، خصوصا عندما يهربن من بيوتهن.
وهناك أمهات عازبات يقصدن مقر جمعية “إنصاف للدفاع عن حقوق المرأة” بمدينة الدار البيضاء، التي تتكفل برعايتهن إلى أن ينجبن أطفالهن، وهي جمعية تنشط منذ العام 1999، وتقوم بمهمّة مساعدة الأمهات العازبات على الاحتفاظ بأطفالهنّ وذلك ببذل جميع الجهود والوسائل من أجل حمايتهنّ، ومرافقتهنّ من أجل تحقيق استقلاليتهنّ، إضافة إلى الدفاع عن حقوقهنّ وحقوق أطفالهنّ.
ويقول المحامي والمدافع عن الضحايا الأمهات العازبات إدريس افتيس، في تصريح لـه إن “ضحايا جرائم الاغتصاب وبالتحديد في المجال القروي لا يجرأن على التبليغ أمام السلطات الأمنية والقضائية خوفا من تعرضهن للفضيحة والعار ناهيك عن كون هاته المواضيع تعتبر من الطابوهات التي لا تخرج للعلن، وعندما يتم الحمل غالبا ما تطرد العائلة البنت أو تهرب خوفا على حياتها وتكون هذه المراكز ملجأها من الشوارع”.
وفي إطار تحصين مختلف المكتسبات وإعادة توجيه برامج المرحلتين الأولى والثانية للمبادرة الوطنية للتنمية البشرية، تم افتتاح مركز “دارنا لمكانسة” متعدد الوظائف للنساء في وضعية صعبة، المتواجد ببلدية بوسكورة، بالدار البيضاء، بهدف محاربة الفقر والهشاشة والإقصاء الاجتماعي للفئات المعوزة، خاصة الشابات في وضعية صعبة من 18 إلى 35 سنة.
ويضم المركز عدة فضاءات تشمل فضاء للإنصات ومواكبة وتوجيه النساء في وضعية صعبة، وورشة للتكوين في مجال الخياطة والطرز التقليدي الرقمي، وورشة للتكوين في مجال الطبخ والحلويات، وورشة للتكوين في مجال صناعة الزيوت ومواد التجميل، وكذلك ورشة للتكوين في مجال الإعلاميات والتسويق الرقمي.
والهدف الأساسي من هذا المشروع هو تكوين هؤلاء النساء المستفيدات وتوجيههن إما لسوق الشغل أو لريادة الأعمال، وفي الحالة الأخيرة سيتم توجيههن لمنصة الشباب التي تدخل في إطار البرنامج الثالث للمرحلة الثالثة للمبادرة الوطنية للتنمية البشرية، للاستفادة من دعم لخلق مشاريع فردية تسمح لهن بتحسين دخلهن الاجتماعي.
ووضعت الوزارة إستراتيجية جديدة “جسر للتنمية الاجتماعية الدامجة والمبتكرة والمستدامة”، والتي تتوخى بلورة رؤية جديدة لتدخلات القطب الاجتماعي لتقوم على أساس سجل اجتماعي مبتكر ودامج ومستدام وتؤسس لهندسة اجتماعية جديدة تهدف إلى توفير جيل جديد من المراكز والخدمات تحت عنوان “جسر”، والذي يعتمد على القرب والرقمنة والاستدامة وتوفير حاضنات اجتماعية لإدماج الفئات الهشة وتنبني هذه الإستراتيجية على ثلاثة محاور، المحور الأول يتعلق بمنظومة اجتماعية ذكية ودامجة وآليات اجتماعية ذات جودة، أما المحور التاني فيركز على أسس للمساواة والتمكين والريادة للمرأة، في حين يهتم المحور الثالث بالأسرة.
وقالت شريفة لموير الباحثة في العلوم السياسية، إن تفعيل كل مقومات مشروع الدولة الاجتماعية بالمغرب “سيحد بشكل كبير من الهشاشة التي تعيشها فئات من المجتمع المغربي خاصة الأرامل واليتامى وذوي الاحتياجات الخاصة”، مضيفة أن الرهان الحقيقي المطروح على الحكومة في التعاطي مع هذا الملف اعتماد مقاربة شاملة وعادلة من خلال برنامج التمكين والريادة وأيضا المراكز التي يتم خلقها في أنحاء مدن المملكة لمواكبة النساء في وضعية صعبة.
وأشارت سميرة البقالي الرئيسة الشرفية لجمعية “مفتاح وحلول”، في تصريحات صحفية، إلى أن مركز “دارنا لمكانسة” يضم أصنافا مختلفة من النساء من بينهن مطلقات ونساء معنفات، مبرزة أن هذه المنطقة التي يتواجد بها المركز في حاجة أكبر إلى خدمات المجتمع المدني، وأن جمعيتها ستواصل بذل الجهود لفائدة النساء اللواتي يعانين وضعية صعبة بتعاون مع السلطات المحلية.
وتعتبر ليلى الجيد من النساء المهمشات اللواتي استفدن من تأطير ودعم جمعية “مفتاح وحلول”، والتي أضحت اليوم مؤطرة بمركز “دارنا لمكانسة”، حيث أنها تعرفت على الجمعية كمعنفة، ومن امرأة معنفة أصبحت مؤطرة تعلم المستفيدات الطبخ وإعداد الحلويات بالمركز بعد تأطير وتكوين من قبل الجمعية، وأكدت أن وضعها تحسن مقارنة بالحالة التي كانت عليها سابقا.
والمراكز الاجتماعية التي يتم إحداثها طبقا للتوجيهات الملكية من أجل النهوض بوضعية المرأة التي تعاني ظروفا صعبة وتفعيلا للبرنامج الحكومي في هذا المجال، تضم في الغالب فضاءات للاستقبال والتسجيل والتوجيه، بالإضافة إلى قاعة للاستماع وحاضنة اجتماعية، كما يتم تزويد بعض المراكز بسيارة مجهزة مخصصة لنقل النساء من ضحايا العنف، والتي تندرج في إطار شراكة بين الوزارة الوصية والاتحاد الوطني لنساء المغرب.
وأكد مسؤولون عن تلك المراكز أن الأطفال الصغار يحصلون على التعليم الأولي والمواكبة التربوية والاجتماعية والنفسية، إلى جانب العمل على الإدماج في المؤسسات الدراسية العمومية أو برامج التربية غير النظامية، بينما تحصل النساء على المواكبة والدعم والتكوين لرفع قدراتهن، كما تعمل تلك المراكز على تنفيذ هذه المبادرات وتجاوز العراقيل التي تعترض السير اليومي وفق ما تؤكد المتحدثة، لاسيما قلة الموارد المالية مقابل تزايد الطلب على الخدمات وارتفاع التكاليف المتعلقة بالدراسة والدعم التربوي والنفسي والقانوني والتكوين والتطبيب والمأكل والمشرب.