أعيد مؤخرا طرح مشروع النفق البحري الرابط بين إسبانيا والمغرب رسميا، بعدما ظل طي الأدراج لسنوات طويلة.
فقد كان من ضمن الملفات التي تم التطرق إليها خلال الاجتماع رفيع المستوى بين حكومتي البلدين الأسبوع الماضي في الرباط، في ظل عزمهما تقوية شراكتهما.
أطلق المشروع عام 1979 من طرف العاهل المغربي الراحل الملك الحسن الثاني ونظيره الإسباني خوان كارلوس الأول، وهو عبارة عن نفق بحري يربط أفريقيا بأوروبا بواسطة القطار، عبر مضيق جبل طارق.
وأنشئت شركتان عامتان إحداهما مغربية (الشركة الوطنية لدراسة مضيق جبل طارق) والأخرى إسبانية (Secegsa)، تشرف عليهما لجنة مشتركة، من أجل إجراء دراسات تقنية حول مدى قابلية المشروع للإنجاز. وقد أجريت لهذا الغرض عدة عمليات تنقيب ودراسات وتجارب منذ 40 عاما.
المشروع ظل يراوح مكانه خلال السنوات الماضية بسبب اقتطاعات مالية في إسبانيا إثر الأزمة المالية عام 2008
وبعدما طرحت عدة خيارات استقر قرار الشركتين في نهاية التسعينات على بناء نفق بحري، على شاكلة نفق المانش بين فرنسا وبريطانيا، على أن يكون مدخله بين حي مالاباطا في مدينة طنجة ومنطقة بونتا بالوما قرب مدينة طريفة الإسبانية.
ويفترض أن يشتمل المشروع، الذي يعد من بين الأضخم في العالم، على سكتيْ حديد ورواق للخدمات والإغاثة. ويقدر طوله بـ38.5 كيلومتر، من بينها 28 كيلومترا تحت الماء، بعمق أقصاه 475 مترا.
ومن خلال ربط شبكتيْ سكك الحديد في البلدين سيصبح النفق بمثابة “محفز للاقتصاد الأوروبي والأفريقي”، كما يؤكد كلاوديو أولالا، المهندس والأستاذ الفخري في جامعة البوليتكنيك في مدريد الذي عمل سابقا على إنجاز هذا المشروع.
وتقول شركة Secegsa الإسبانية إن “المشروع سيسمح بمرور أكثر من 13 مليون طن من البضائع و12.8 مليون مسافر سنويًا على المدى المتوسط”، وهو ما “يمكن أن يساهم بشكل كبير في التنمية الاقتصادية” لغرب البحر المتوسط. وإسبانيا هي بالفعل الشريك التجاري الأول للمغرب الذي يصدر جزءًا كبيرًا من إنتاجه، وخاصة الإنتاج الزراعي، إلى الاتحاد الأوروبي. لكن مضيق جبل طارق الذي تعبره 100 ألف سفينة كل عام مزدحم، مما يقيد عبور البضائع بين البلدين.
وبقي المشروع يراوح مكانه خلال السنوات الماضية بسبب اقتطاعات مالية في إسبانيا على إثر الأزمة المالية التي ظهرت عام 2008، وأيضا بسبب توترات دبلوماسية متكررة بين الرباط ومدريد.
لكن البلدين طبّعا علاقاتهما منذ أن وافقت مدريد في العام الماضي على تأييد مقترح الحكم الذاتي الذي يطرحه المغرب حلا وحيدا للنزاع في الصحراء المغربية المتنازع عليها مع جبهة بوليساريو. وهو ما دفع حكومتيهما إلى إعادة طرح عدة ملفات مشتركة.
وقد خصصت الحكومة الإسبانية مبلغًا ماليا ضمن ميزانية عام 2023 لتمويل دراسة جديدة “ضرورية” حول “إطلاق إجراءات تشييد” المشروع. كما تم التطرق إلى الموضوع خلال الاجتماع رفيع المستوى بين حكومتي البلدين في الرباط في 2 فبراير الجاري.
وقالت وزيرة النقل الإسبانية راكيل سانشيز في بيان أثناء هذا الاجتماع “سوف نعطي دفعة لتسريع الدراسات”، معلنة أيضا عن استئناف اجتماعات اللجنة المشتركة بين الشركتين المكلفتين بإنجاز المشروع.
ويواجه المشروع بالأساس مشكلة تقنية تتمثل في أن مضيق جبل طارق يقع على حدود الصفيحتين التكتونيتين الأوروبية والأفريقية، وهي منطقة جيولوجية معقدة، تتخللها مقاطع طينية غير مستقرة فضلا عن التيارات البحرية العنيفة.
ويرى الباحث كلاوديو أولالا أن “نوعية التربة سيئة، لا علاقة لها بالأحجار الكلسية التي توجد تحت بحر المانش”، معتبرا أن “الظروف التقنية لا تلائم إطلاقا إقامة هذا النفق”.
ومن شأن هذا أن يرفع كلفة المشروع التي لم يتم تحديدها حتى الآن بدقة. ويضيف أولالا “على المستوى التقني، يمكن تجاوز هذه العقبات، لكن السؤال المطروح يتعلق بمدى فائدته الاقتصادية”.
وتنضاف إلى ذلك العوائق السياسية المرتبطة بالتوترات الدورية بين مدريد والرباط، فضلا عن احتمال إبداء تردد من جانب الاتحاد الأوروبي، بسبب الخوف من أن يُستغل المشروع في الهجرة غير النظامية، وهو خوف يقول رعاة المشروع إنه لا أساس له.
وتجعل هذه العقبات احتمال إطلاق المشروع ضعيفا على المدييْن القصير والمتوسط. لكن أولالا يقول “أعتقد أنه سيرى النور في النهاية، لكن ليس بالضرورة غدا”.