بعد الهزات الأرضية المتتالية التي ضربت دمشق جراء زلزال مدمر ضرب جنوبي تركيا، فجر يوم أمس، وخلف العشرات من القتلى، كتب الأكاديمي والمسرحي السوري عجاج سليم، على مدونته “الجميل بعد الحرب؟ قوة قلوب السوريين.. الهزة شغالة.. وركوة القهوة على النار وإبريق المتّة في الشارع…! ما عاد فرقت معنا”.
نعم، كانت “هزة وجدانية” أصابتنا جميعا، خصوصا في تزامنها مع قسوتي الحرب والطبيعة، لكن قلوب السوريين لا تنهار مع المنازل والمنشآت، وظلت دافئة تقاوم البرد والظلم الذي يحاصر هذا الشعب الطيب الودود.
الحب لا يُقاس بسلّم ريختر، ولا المشاعر الإنسانية تخضع لدرجات الترمومتر لدى من جربوا ظلم ذوي القربى، وزاد عليها امتحان الطبيعة، لكن الاحتفاء بالحياة غلب كل المؤامرات.
وظلت روح الدعابة تسكن كل من سكن دمشق وسكنته، على غرار ما قاله صديقي الصعلوك والفنان التشكيلي الأنيق باسم صباغ، وأنا أحاول الاطمئنان عنه “طيب، أنا طول عمري عم هز وقفت ع هي الهزة؟ قلبت الكنبة من هون لهون وين المشكلة.. بكرا الصبح نفيق ونرجعها محلها ونرجع نشرب.. قدر الله وما شاء فعل..”.
هذا الإصرار “البروميثيوسي” على الانتصار للحياة والغناء في وجه العاصفة، لا يتقنه إلا أحفاد “جلجامش” وسدنة معابد الحرية المقدسة التي لا تخبو جذوتها مع استمرار التراجيديا.
المأساة تتحول إلى ملهاة، ويمسي لطعم الموت مذاق التحدي وعطر الياسمين المرافق لقهوة الصباح وهي تعلن الصباح.
أخبرني الصديق الكاتب الراحل وليد معماري، عن رفيق له في حرب أكتوبر 73 في فوج المدفعية، حين دكت الطائرات المغيرة موقعهم وتطايرت الجثث إلى أشلاء، التقط رأس زميله وصاح في رفاقه: هذا رأس مين يا شباب.. حدا مضيّع رأسه؟
نعم، إنها الشجاعة التي ترتقي إلى ما يشبه الهستيريا.. ولولاها ما كانت البطولات وما صمدت الشعوب، وما سميت الأوطان أوطانا.
ما يحز في النفس هو أن يُترك المرء وحده في مثل هذه الكوارث والمآسي، وأن تكون الحصيلة مفجعة في عدد الخسائر والضحايا من جراء التقصير والإهمال في المنشآت والبنى التحتية.
ولو غضبت الطبيعة بمثل هذه الفورة على بلد قوي البنية وشديد الجاهزية والتأهب للكوارث الطبيعية، لما نالت منه مثل ما تنال من بلد ينخره الفساد والغش في المرافق العمومية.
الطبيعة بعثت برسالتها إلى أوروبا، إذ أطلقت السلطات الإيطالية في وقت مبكر من الاثنين تحذيرا من تسونامي بعد الزلزال القوي الذي هز وسط تركيا وشمال وغرب سوريا، لكن الخسائر لن تكون بحجم ما هي عليه في الوضعيات الهشة.
وكما قال ناسك الشخروب ميخائيل نعيمة، ابن هذا الشرق القديم، في رسالة تحدّ “سقف بيتي حديد، ركن بيتي حجر، فاعصفي يا رياح وانتحب يا شجر”.