زلزال تركيا وسوريا: اختبار العالم وامتحان الأنظمة

حنان الفاتحي

الكوارث الطبيعية من زلازل وفيضانات وحرائق ظواهر تتكرر على مدار التاريخ الإنساني، وبقدر ما يقترن بها من تعاطف مع الضحايا من البشر وآثار الدمار في العمران والمنشآت فإن اختبارها الأبرز هو مقدار التضامن العالمي الفعلي الذي يتجسد أولاً في التكاتف مع البلد المنكوب والمسارعة إلى إرسال فرق الإنقاذ ومعدات البحث في الأنقاض وتوفير مستويات الإغاثة كافة.
ومن المنتظر أن يكون الزلزال الهائل المدمر الذي ضرب محافظات عديدة في جنوب تركيا ومناطق شمالية وساحلية في سوريا مناسبة محزنة للوقوف على مدى نجاح العالم في اجتياز اختبار كارثي جديد، خاصة وأن تقاليد التضامن العالمي شهدت بدورها صنوفاً من التمييز بين ضحية وسواها، ومنطقة منكوبة تنتمي إلى جنوب العالم مقابل أخرى يتيح لها وقوعها في أجزاء متقدمة من المعمورة أن تلقى جرعات أعلى من الاهتمام. ولسوف يكون بالغ الأسف، فضلاً عن آثاره النفسية والسياسية الضارة وبعيدة المدى، أن تُعامل محافظات تركية مثل كهرمان مرعش وأضنة وعثمانية وغازي عنتاب وديار بكر وملاطيا، وأخرى سورية مثل إدلب وحلب وحماة واللاذقية، معاملة أقل مما شهدته تسونامي 2004 من عناية دولية.
ذلك أن الزلزال الأخير أصاب جنوب تركيا وشمال سوريا بقوة 7.7 على مقياس ريختر، وتضاعفت عواقبه في 130 هزة ارتدادية فألحقت الأضرار بطرق رئيسية وأصابت ميناء إسكندرون ومطار هاتي، وشعر به بعض السكان في لبنان وفلسطين وبعض مناطق مصر وقبرص واليونان وجورجيا وأرمينيا. وفي أحدث الإحصائيات أعلنت تركيا أن العدد الإجمالي للضحايا يفوق الـ 1600 قتيل و9200 مصاب إضافة إلى تهدم 3400 مبنى، وفي المناطق السورية تضاربت الأعداد بين الدفاع المدني السوري ضمن مناطق المعارضة ووزارة الصحة التابعة للنظام، لكن أحدث معطياتها تشير إلى نحو ألف قتيل و2400 مصاب.
والوضع في سوريا ينطوي على مزيد من عناصر الكارثة، بسبب افتقاد البلد إلى فرق الإنقاذ ومواد الإغاثة ومعدات التنقيب، وشلل أجهزة الدولة في قطاعات الصحة والبنية التحتية تحديداً، وانشغال جيش النظام بمهامّ قصف المواطنين وأعمال القمع والنهب والحصار. وخلال الأيام الأخيرة كان آلاف السوريين، من أطفال وشيوخ ونساء خاصة، ضحية موجة برد قاسية وثلوج عاتية وأتى الزلزال الأخير ليصيبهم بضربات أشد قسوة وعتواً. ومن المفارقات الفاضحة إعلان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إرسال فرق الإنقاذ إلى مناطق الكارثة، هو الذي لم تتوقف قاذفاته المقاتلة عن قصف المساكن والمشافي والمخابز والمدارس والأسواق الشعبية في مناطق الشمال الغربي من سوريا، وتكبيدها زلازل متواصلة يومية.
ومن المنتظر أن تكون الأيام القليلة المقبلة بمثابة اختبار للتكاتف العالمي مع المناطق المنكوبة في جنوب تركيا والشمال السوري، وامتحان لحكومة حزب العدالة والتنمية والرئيس التركي شخصياً في اتخاذ التدابير المناسبة لمواجهة الكارثة، خاصة وأن البلاد على أعتاب انتخابات رئاسية. وأما النظام السوري فلن يُرجى منه خير كثير على مستوى أعمال الإغاثة والإسعاف، إذ الأرجح أن تنهمك أجهزته في نهب ما سيتوفر من مساعدات عالمية.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: