قال سفير فرنسا في الرباط كريستوف لوكوتورييه إن التوصية التي تبناها البرلمان الأوروبي حول حرية الصحافة في المغرب “لا تلزم أبدا فرنسا”، بينما تتهم الطبقة السياسية في المملكة باريس بالوقوف وراءها.
ويقول مراقبون إن باريس تريد أن تهدئ التصعيد الأخير مع المغرب الذي زاد من المتاعب التي تعترضها في مناطق أخرى من أفريقيا، لكن من الصعب أن ينجح تصريح لسفير فرنسي في تبديد غضب المغاربة الذين يطلبون موقفا فرنسيا رسميا واضحا بشأن عناصر الخلاف.
وقال لوكوتورييه لمجلة “تيل كيل” في عددها الصادر نهاية الأسبوع إن “قرار البرلمان الأوروبي لا يلزم أبدا فرنسا”، مؤكدا “نحن مسؤولون عن قرارات السلطات الفرنسية، أما البرلمان الأوروبي فبعيد عن سلطتنا والأمر يتعلق بشخصيات منتخبة”.
وشدد على أن “الحكومة الفرنسية لا يمكن أن تعتبر مسؤولة عن البرلمانيين الأوروبيين”.
ويشير المراقبون إلى أن تصريحات لوكوتورييه تهدف إلى امتصاص الغضب الرسمي في المغرب ومنع تأثير ذلك على زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى الرباط المقررة في هذا الشهر.
المغرب يمتلك الكثير من الأوراق للضغط بها على أوروبا، وعلى رأسها موضوع التنسيق الأمني بشأن الحركات المتطرفة والهجرة
ولا يعرف إن كانت باريس ستطلق تصريحات أكثر وضوحا من كلام لوكوتورييه، سواء من الرئيس ماكرون أو من وزارة الخارجية، من أجل التمهيد لنجاح الزيارة ومنع هذا التوتر من أن يدفع إلى تأجيلها. لكن المؤكد أن المغرب لن يقبل أيّ شراكة مع باريس ما لم تحسم موقفها من قضية الصحراء وتكف عن المواقف الضبابية.
وكانت الخارجية الفرنسية ردت على سؤال بشأن الاتهامات الموجهة إلى بلادها باستهداف المغرب بالقول “إنه لا أزمة مع المملكة” وإن شراكتهما راسخة.
وكان البرلماني الأوروبي الفرنسي تييري مارياني أكد على ضرورة إعادة بناء العلاقة بين المغرب والاتحاد الأوروبي، وعلى “أننا في حاجة إلى بعضنا البعض. لدى الاتحاد الأوروبي شريك موثوق وهو المملكة المغربية، وهذه الشراكة ركيزة أساسية لسياسة الاتحاد الخارجية في أفريقيا”، مضيفا أنه “يجب أن نفعل كل شيء لإعادة بناء العلاقة التي تضررت إلى حد كبير”.
ويمتلك المغرب الكثير من الأوراق للضغط بها على أوروبا، وعلى رأسها موضوع التنسيق الأمني بشأن الحركات المتطرفة وبشأن الهجرة، فضلا عن شراكة قوية في مجالات متعددة من الصعب على الاتحاد الأوروبي التفكير في القفز عليها.
وأقر البرلمان الأوروبي في الـ19 من يناير الماضي توصية غير ملزمة انتقدت تدهور حرية الصحافة في المملكة.
تصريحات لوكوتورييه تهدف إلى امتصاص الغضب الرسمي في المغرب ومنع تأثير ذلك على زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى الرباط المقررة في هذا الشهر
ولقيت هذه الخطوة إدانة قوية في الرباط، عبّر عنها خصوصا البرلمان المغربي الذي أعلن عزمه على “إعادة النظر” في علاقاته مع نظيره الأوروبي، مندّداً بـ”تدخّل أجنبي” و”ابتزاز”.
وتركزت انتقادات الطبقة السياسية والإعلام المحلي على باريس، في سياق تقارب فرنسي – جزائري يثير حفيظة الرباط.
واعتبر رئيس اللجنة البرلمانية المشتركة بين المغرب والاتحاد الأوروبي لحسن حداد الأسبوع الماضي أن “جزءا من الدولة العميقة الفرنسية” يقف وراء تبني التوصية الأوروبية.
وقال حداد في مؤتمر صحفي بالرباط “أظن أن جزءا من الدولة العميقة في فرنسا تزعجه الانتصارات الأمنية والدبلوماسية للمغرب، واستغل هذه الأزمة ليحرك الليبراليين الفرنسيين لتبني هذا القرار”.
وأشار إلى أن رئيس مجموعة “رينيو” (وسط ليبرالي) في البرلمان الأوروبي الفرنسي ستيفان سيجورني “وهو مقرب من الرئاسة الفرنسية (…) لعب دورا كبيرا جدا وكان من مهندسي القرار”.
وسبق أن نفت وزارة الخارجية الفرنسية وجود أيّ أزمة مع المغرب، موضحة على لسان المتحدثة باسمها آن كلير لوجاندر أن “البرلمان (الأوروبي) يمارس صلاحياته بشكل مستقل”.
من جانب آخر، أكد السفير الفرنسي نهاية أزمة التأشيرات مع المغرب و”العودة إلى الوضع السابق”، موضحا أنه أرسل إلى الرباط “لطي الصفحة”.
وكانت فرنسا قررت في سبتمبر 2021 تقليص عدد التأشيرات الممنوحة للمغرب والجزائر إلى النصف، مبررة ذلك برفض البلدين استعادة مهاجرين غير نظاميين تريد باريس ترحيلهم.
وتسبب ذلك في أزمة بين الحليفين التقليديين، قبل أن تعلن وزيرة الخارجية الفرنسية كاترين كولونا أثناء زيارتها إلى الرباط في ديسمبر الماضي نهاية أزمة التأشيرات والعودة إلى تعاون كامل في مجال الهجرة.