تحظى الزيارة المبرمجة في الثاني من فبراير، التي سيقوم بها رئيس الحكومة الإسبانية، بيدرو سانشيز، إلى المغرب، باهتمام إعلامي بالغ من طرف مختلف المنابر في الرباط ومدريد.
وأوردت وكالة الأنباء الإسبانية “إيفي”، أن سانشيز سيحل بالمغرب مرفقاً بـ 12 وزيراً، بهدف عقد اجتماع رفيع المستوى، لتوقيع نحو 20 اتفاقية ثنائية.
تحظى زيارة رئيس الحكومة الإسباني مرفقاً بـ 12 وزيراً، بهدف عقد اجتماع رفيع المستوى، لتوقيع نحو 20 اتفاقية ثنائية، باهتمام إعلامي بالغ من طرف مختلف المنابر في الرباط ومدريد
وقبل ذلك، كان لافتاً تركيز بعض وسائل الاعلام على طبيعة الوفد المرافق لسانشيز، الذي قيل إنه تم اختياره بعناية لأهمية الاجتماع بين المملكتين بعد تجاوز جبل الجليد الذي كان قد وقف بينهما في الفترة الأخيرة والذي ذاب بعد مستجدات الموقف الإسباني من مقترح الحكم الذاتي في الصحراء الغربية، والذي أعلن من خلاله سانشيز دعم بلاده له.
منذ ذلك الوقت، باتت العلاقات المغربية الإسبانية تعيش في صفاء، يتوج بتصريحات من مسؤولي البلدين التي تسير في اتجاه دعم الطرف الآخر، وكان آخرها تصريحات سانشيز بخصوص تصويت البرلمان الأوروبي على قرار يتعلق بحقوق الانسان وحرية الصحافة في المغرب، وكان رئيس الحكومة الإسبانية واضحاً عندما تبرأ منه.
الوكالة الإسبانية في قصاصتها المتعلقة بزيارة سانشيز للمغرب، كشفت عن بعض أسماء الوزراء المرافقين له، ونجد من بينهم وزير الخارجية خوسيه مانويل ألباريس، وزير الداخلية فرناندو جراندي مارلاسكا، وزيرة العدل بيلار لوب.
بالإضافة إلى وزراء كل من النقل والتنقل والأجندة الحضرية راكيل سانشيز، والتعليم والتكوين المهني بيلار أليجريا، والصناعة والتجارة والسياحة رييس ماروتو، والزراعة والصيد البحري والغذاء والبيئة لويس بلاناس، والثقافة والرياضة ميكيل ايسيت، والعلوم والابتكار ديانا مورانت، والضمان الاجتماعي والهجرات خوسيه لويس اسكريفا.
من خلال طبيعة الوفد الوزاري الوازن الذي يرافق سانشيز في زيارته التي وصفت بـ “التاريخية” للمغرب، تبدو طبيعة المحادثات التي ستشمل أوجه تعزيز التعاون والشراكة وزيادة حجم التواصل الاقتصادي والسياسي بين البلدين لتفادي أزمة جديدة مثل السابقة، وفق ما أشارت إليه صحف في الجارة الشمالية للمغرب.
بالنسبة للإعلام المغربي، فقد حلل الزيارة من جميع جوانبها ووقف على كم الإيجابيات التي ستحملها اجتماعات المسؤولين في الرباط ومدريد، إذ توقعت أن القمة الإسبانية المغربية ترسم ملامح السياسة الجديدة بين البلدين خلال العقد المقبل، بالنظر إلى حجم التمثيلية الوزارية المشاركة في الحدث والملفات المتعددة التي سيُناقشها الطرفان.
مصادر حكومية إسبانية أشارت لها إلى أن بيدرو سانشيز مصمم على المضي قدماً نحو تدعيم العلاقات البينية حتى لا تتأثر بالأزمات السياسية، من خلال وضع لبنات التعاون الاستراتيجي خلال القمة المرتقبة بالرباط.
من جهتها، استقت “أخبارنا الجالية ” رأي خبير في الاقتصاد الاجتماعي بالمغرب، عبد العزيز الرماني، الذي سلط الضوء على جوانب معينة وذات أهمية ستكون في عمق نقاشات القمة المغربية الإسبانية، إذ أكد أن “الزيارة التي سيقوم بها سانشيز ذات أهمية كبيرة خاصة في الوقت الحالي، لأن العالم يمر بصعوبات اقتصادية وأمنية، فكيف بدولتين جارتين يربطهما التاريخ ويربطهما الجوار وتربطهما مسافة قليلة من الكيلومترات على المستوى القاري”.
وأضاف أن “إسبانيا هي بوابة نحو الاتحاد الأوروبي، والمغرب هو بوابة نحو الاتحاد الإفريقي، وهذه الزيارة لها أهمية كبيرة حتى على المستوى السياسي”، مشيراً إلى ما تعرفه العلاقات المغربية الفرنسية من غموض وتشويش، وأوضح أنه يمكن أن نقول إن هناك حالة من التصعيد، مشيراً إلى توتر العلاقات بين المغرب والجزائر وكون هذه الأخيرة “تبتز بالغاز، وهو ما كان له أثر على خليف تقليدي للمغرب هو فرنسا”.
وأشار الخبير المغربي إلى ملف الحكم الذاتي الذي يقترحه المغرب لحل مشكل الصحراء، مبرزاً أن إسبانيا كانت واضحة بهذا الخصوص، وهو ما يقوي العلاقة بين الرباط ومدريد.
أما بخصوص المجال الاقتصادي، يفيد الخبير في تصريحه فإن “الاتفاقيات التي تربط المغرب وإسبانيا هي ذات أهمية كبيرة جداً، كونها تحتوي على مجالات التكامل وتوحيد الرؤية”.
وهي مجالات تعاون حقيقي، يضيف الرماني، بحيث إن “المغرب بهذا التقارب يكمل إسبانيا وهذه الأخيرة تكمله. وبلغة الأرقام، قال المتحدث إن الاتحاد الأوروبي هو الحليف رقم واحد لإسبانيا، والمغرب هو الحليف رقم 2 لمدريد من خارج الاتحاد الأوروبي.
وبالنسبة للمتحدث نفسه، “تبرز هنا قيمة العلاقات، منذ 2012 والمد مرتفع باستثناء 2020، دائماً المد في التعاون المغربي الإسباني كان في ارتفاع، فسنوياً يرتفع بنسبة 10 إلى 20 في المائة، وهو رقم يؤكد الخبير، قياسي في سنوات ما بعد كورونا”.
وتابع الخبير تصريحه بلغة الأرقام دائماً، مشيراً إلى أن حجم المبادلات هو بمليارات الدولارات، 17 مليار أورو، وحجم التصدير والاستيراد أيضاً الذي يشمل عدداً من المنتجات التي تحتاجها إسبانيا خاصة الفلاحية والبحرية، مفيداً أن حجم استيراد المغرب يصل إلى 100 مليار درهم.
وانتقل إلى الجانب الآخر، “المهم جداً”، والمتمثل في كون “هذه الاتفاقيات التي ستوقع، تطبعها رؤية في إطار مقاربة غير مسبوقة وهي التكامل والشمولية والربح المزدوج”، وهذه “العناصر هي السمات الموحدة التي تطبع الاتفاقيات التي سيتم توقيعها في المغرب”.
ويتابع الرماني موضحاً أن “الشمولية تعني أنها شاملة لكل القطاعات”، مبرزاً أن “أكبر الاتفاقيات التي تربط المغرب بدول أخرى هي مع إسبانيا لاشتمالها على كل الجوانب”.
وتطرق إلى الجانب الاجتماعي في العلاقات بين المغرب وإسبانيا، “فهناك جالية إسبانية كبيرة في المغرب خاصة في طنجة ومراكش، وهناك مقاولون ومستثمرون، والعكس صحيح، حيث جالية مغربية كبيرة في إسبانيا”.
ولم يفت الخبير المغربي الإشارة إلى الجانب السياحي، “فهناك اتفاقيات تشمله أيضاً”، مؤكداً أن المغرب يستقبل سياحاً من إسبانيا بحكم القرب، إضافة “إلى الربط القاري”، لأن المغرب “لديه بنية تحتية كبيرة ومهمة جداً، خاصة ميناء طنجة المتوسط.
ويبقى الحديث عن العلاقات المغربية الإسبانية حديثاً عميقاً تتشابك فيه سبل التعاون، لذلك فإن الشراكة بين الرباط ومدريد أعمق بكثير من التداول العادي بين مختلف الدول، لأنها تشمل كل المجالات بما فيها الجانب الاجتماعي، “ولن ننسى حجم الاستثمارات إلى جانب التعاون الأمني الوثيق، خاصة في مجال الهجرة والإرهاب والجريمة العابرة للحدود، فالمغرب هو بوابة إفريقيا والشأن نفسه لإسبانيا التي هي بوابة أوروبا”.
وتبقى زيارة 2 فبراير خطوة أخرى إضافية على درب تعزيز هذا التعاون وفق المستجدات والملامح التي رسمتها الخطوات الأخيرة الداعمة لملف الوحدة الترابية للمغرب من طرف إسبانيا، لذا فإن القمة هي تتويج لهذه الدماء الجديدة التي سرت في جسد العلاقة القوية بين الرباط ومدريد.