تظاهر مئات آلاف الأشخاص الثلاثاء في أنحاء فرنسا احتجاجًا على إصلاح مثير للجدل لنظام التقاعد اقترحه الرئيس إيمانويل ماكرون، فيما بدت نسبة الالتزام بالإضراب أقلّ مما كانت عليه في اليوم الأول من التعبئة في 19 يناير.
وبعدما تظاهر مليون إلى مليونَي شخص تلبيةً للدعوة الأولى التي أطلقتها النقابات، يبدو أن التعبئة في الشوارع لا تزال قوية احتجاجًا على مشروع إصلاح نظام التقاعد الذي ينصّ خصوصًا على رفع السن القانونية للتقاعد من 62 إلى 64 عامًا.
في باريس، حيث أحصى الاتحاد العمالي العام مشاركة نصف مليون شخص، بدأت المسيرة بعد الظهر بقيادة رؤساء النقابات الرئيسية الذين ساروا خلف لافتة كُتب عليها “إصلاح نظام التقاعد: العمل لفترة أطول، كلّا”.
وكانت التعبئة قوية أيضًا في المدن الفرنسية الكبرى فتظاهر 40 ألف شخص في مرسيليا (جنوب) في مقابل 26 ألفًا في 19 يناير، بحسب المصادر، و28 ألفًا إلى 65 ألفًا في نانت (غرب).
وكذلك في المدن الصغيرة، على غرار مدينة ماند التي تعدّ 12 ألف نسمة في جنوب البلاد. وقالت كريستيان مارتينيز (72 عامًا) “إنها المرة الأولى في حياتي التي أتظاهر فيها. لا أرى ابني الطباخ يحمل قدرا كبيرة في عمر الرابعة والستين”.
ولوحظت في التظاهرات مشاركة قوية للنساء اللواتي يعترضنَ على إصلاح “جائر” يعتبرون أنهنّ “أكبر الخاسرات” فيه.
وأشاد جميع رؤساء النقابات بمشاركة أكبر من تلك التي سُجّلت في أول يوم تعبئة.
وقال الأمين العام لـ “الاتحاد الديمقراطي الفرنسي للعمل” لوران بيرجيه إن “هناك أناسًا أكثر من المرة الماضية”.
بدوره، رأى الأمين العام لـ”الاتحاد العمالي العام” فيليب مارتينيز أن الأعداد “أكبر من تلك التي كانت في 19” يناير.
في المقابل، بدا عدد الذين التزموا الإضراب منخفضًا في عدد من القطاعات العامة والخاصة خصوصًا في القطاع العام مع بلوغ نسبتهم 19,4% ظهر الثلاثاء في مقابل 28% في اليوم الأول من التعبئة، بحسب وزارة الخدمة العامة.
في قطاع التعليم، أعلنت الوزارة أن نسبة المدرّسين المضربين بلغت 25,92% وهي بوضوح أقلّ من التعبئة السابقة، إلا أن النقابات تحدثت عن 50% على الأقل.
في قطاع النقل، تسبب إضراب مراقبي حركة الملاحة الجوية باضطرابات وتأخيرات، ورغم تراجع الأرقام إلا أن حركة القطارات ومترو الأنفاق شهدت أيضًا عرقلة.
وبحسب الاتحاد العمالي العام، فإن التعبئة بقيت قوية في مناجم ومستودعات المحروقات التابعة لمجموعة “توتال إنرجي”، حيث تراوحت نسبة المضربين بين 75 و100%. وقدّرت إدارة الشركة من جانبها، نسبة المضربين بـ55%، في مقابل 65% في 19 كانون الثاني/يناير.
“ضروري”
ينص مشروع إصلاح نظام التقاعد خصوصًا على رفع السن القانونية للتقاعد من 62 إلى 64 عامًا وتسريع تمديد فترة المساهمة.
ورغم رفض الرأي العام المتزايد لهذا الإصلاح، إلا أن الحكومة لا تزال مصممة على إقراره. واعتبر ماكرون مساء الاثنين أن الإصلاح “ضروري”، بعدما أكدت رئيسة الحكومة إليزابيت بورن أن رفع السن التقاعدية إلى 64 عامًا “غير قابل للتفاوض”.
وينتشر 11 ألف شرطي وعنصر من الدرك في أنحاء فرنسا الثلاثاء تزامنًا مع التظاهرات.
واتّهم وزير الداخلية جيرالد دارمانان من جانبه، الأحزاب اليسارية بـ”بثّ الفوضى” في النقاشات لـ”منع الحكومة بشكل منهجي من المضي قدمًا”.
ورأى زعيم حزب “فرنسا الأبية” اليساري الراديكالي جان لوك ميلانشون الثلاثاء أن “من المؤكد أن ماكرون سيخسر”، مشيدًا بنضال “الشعب” في مواجهة “الطبقة (السياسة) والحكومة”.
في الجمعية الوطنية، قُدم نحو سبعة آلاف تعديل ضدّ مشروع الإصلاح، بينها ستة آلاف من جانب اليسار.
وأكدت بورن أمام النواب أن الأكثرية ستبقى “موحدة” خلف “رئيس الجمهورية ومشروعه”.
وفرنسا هي إحدى الدول الأوروبية التي تسجّل فيها أدنى سنّ تقاعد، رغم أن أنظمة التقاعد غير قابلة للمقارنة بشكل كامل.
واختارت الحكومة تمديد فترة العمل، نظرًا إلى التدهور المالي الذي تشهده صناديق التقاعد وتشيّخ السكان. وتدافع عن مشروعها معتبرةً أنه “يحمل تقدمًا اجتماعيًا”، خصوصًا من خلال زيادة المعاشات التقاعدية المتدنية.