أثارت الاتفاقية التي أبرمتها رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني مع رئيس حكومة الوحدة الليبية المنتهية ولايتها في ليبيا عبدالحميد الدبيبة تساؤلات حول طريقة التعامل بين إيطاليا وتركيا التي سبق لها أن وقّعت اتفاقيتين في مجال النفط والغاز مع طرابلس الأولى في 2019، والثانية في أكتوبر 2022.
ولا يعرف إن كان البلدان، اللذان سبق أن أعلن مسؤولون فيهما عن امتلاكهما “رؤية مشتركة حول ليبيا”، قد رسما طريقة لتقاسم النفوذ في مجال الطاقة، وكيف ستكون حصة تركيا من صفقة الغاز، التي أبرمتها ميلوني السبت بقيمة ثمانية مليارات دولار، سواء كعمل أو مشاركة لاحقا في الغاز البحري.
وكان وزير الخارجية الإيطالي أنطونيو تاياني قد أكد خلال زيارته إلى أنقرة في الثالث عشر من يناير الحالي أن “لدى إيطاليا وتركيا رؤية مشتركة حول ليبيا”، و”كلانا يريد أن يرى ليبيا مستقرة ومزدهرة أخيراً”.
◙ من خلال اتفاق يستمر 25 سنة سيجري ضخ استثمارات بثمانية مليارات دولار في تطوير قطاع الغاز والطاقة الشمسية
وفي حال لم تتضح مناطق تحرك الطرفين لا يستبعد مراقبون أن تتسبب أنشطة التنقيب والحفر في المناطق التي يوجد بها النفط والغاز في حدوث أزمات بين تركيا وإيطاليا في الفترة المقبلة.
وتحاول حكومة عبدالحميد الدبيبة، التي تقابل بانتقادات داخلية كبيرة، تثبيت بقائها في السلطة من خلال عقد صفقات بهذا الحجم مع تركيا وإيطاليا ودفعهما إلى الدفاع عن بقائها لتأمين مصالحهما.
واجتمعت ميلوني بالدبيبة قبل توقيع اتفاق الطاقة لإجراء محادثات ركزت أيضا على الهجرة عبر البحر المتوسط، وعن الحل السياسي في ليبيا.
وخلال توقيع الاتفاق، قال رئيس المؤسسة الوطنية للنفط فرحات بن قدارة والرئيس التنفيذي لشركة إيني الإيطالية كلاوديو ديسكالسي إنه سيجري ضخ استثمارات بقيمة ثمانية مليارات دولار في تطوير قطاع الغاز، وكذلك في الطاقة الشمسية ومشاريع لالتقاط الكربون.
وسعت الدول الأوروبية بشكل متزايد خلال العام الماضي إلى تبديل الغاز الروسي بإمدادات الطاقة من شمال أفريقيا وأماكن أخرى بسبب الحرب في أوكرانيا.
واتخذت إيطاليا بالفعل زمام المبادرة بالحصول على الغاز من الجزائر، وأقامت شراكة إستراتيجية جديدة هناك تشمل الاستثمار لمساعدة شركة الطاقة الحكومية سوناطراك على وقف تراجع في الإنتاج استمر لسنوات.
وقال بن قدارة إن اتفاق الغاز، الذي تبلغ مدته 25 عاما، سيؤدي إلى إنتاج يصل إلى 800 مليون قدم مكعب يوميا، واصفا إياه بأنه أهم استثمار جديد في قطاع الطاقة الليبي خلال ربع قرن.
ومع هذا، قد يتم تقويض أي اتفاقات تُبرم في طرابلس بسبب الصراع الداخلي في ليبيا، الذي قسّم البلاد بين فصائل تتنافس للسيطرة على الحكومة وترفض مطالبات بعضها البعض بالشرعية السياسية.
وفي مؤشر على الانقسامات السياسية في ليبيا، رفض وزير النفط في حكومة الدبيبة محمد عون أي صفقة تبرمها المؤسسة الوطنية للنفط مع إيطاليا، وقال في مقطع فيديو على موقع الوزارة على الإنترنت إن مثل هذه الاتفاقات يجب أن تعقدها الوزارة.
وعيّن الدبيبة رئيس المؤسسة الوطنية للنفط فرحات بن قدارة العام الماضي، وجرى تشكيل حكومة الدبيبة المؤقتة في عام 2021 من خلال عملية تدعمها الأمم المتحدة.
وفي أوائل 2022 أعلن البرلمان في الشرق والفصائل الداعمة له أن الحكومة لم تعد شرعية، وتم رفض تعيين بن قدارة والصفقات التي تبرمها طرابلس مع دول أجنبية.
وأدت الفوضى في ليبيا منذ انتفاضة 2011 التي دعمها حلف شمال الأطلسي وأطاحت بمعمر القذافي إلى ترك معظم البلاد في أيدي فصائل مسلحة. وتم نشر مهمة عسكرية إيطالية صغيرة في ليبيا منذ عدة سنوات.
وقال الدبيبة وميلوني إنهما ناقشا أيضا قضية الهجرة غير الشرعية من ليبيا إلى إيطاليا. وصرح الدبيبة بأن روما ستدعم ليبيا من خلال توفير سفن جديدة للبحث والإنقاذ.
◙ حكومة الدبيبة تحاول تثبيت بقائها في السلطة من خلال عقد صفقات بهذا الحجم مع تركيا وإيطاليا ودفعهما إلى الدفاع عن بقائها لتأمين مصالحهما
وقالت ميلوني خلال المؤتمر الصحفي المشترك “إيطاليا مدعوة للقيام بدورها، وخاصة مع ملامح وحدة أكثر لدى المجتمع الدولي بما يخص الملف الليبي من أجل تفادي خطر عمل بعض التأثيرات الخارجية على زعزعة الوضع بدل تشجيعه”، معتبرة أن ليبيا بالنسبة إلى الإيطاليين “شريك اقتصادي إستراتيجي بشكل مطلق”.
وأكدت على النوايا الإيطالية لاستكمال تنفيذ معاهدة الصداقة الليبية الإيطالية الموقعة سنة 2008، ومنها إنهاء الطريق السريع الرابط بين شرق ليبيا وغربها، وإعادة بناء مطار طرابلس الدولي.
وأضافت ميلوني “نود أن نبدأ في الأعمال بأسرع ما يمكن في مطار طرابلس، وهذا يقودها إلى رجوع الرحلات المباشرة بين البلدين، كشرط أساسي للربط بينهما. وقد تحدثنا عن كيفية تجاوز الصعوبات والعراقيل التي كانت موجودة في الماضي والبدء في العمل”.
وتسبب تدهور الأمن وانعدام القانون في جعل ليبيا طريقا رئيسيا، ولكنه خطر، للمهاجرين الساعين للوصول إلى أوروبا، عبر جزيرة لامبيدوسا الإيطالية في الكثير من الأحيان. ويلقى المئات من المهاجرين حتفهم كل عام أثناء محاولتهم القيام بتلك الرحلة.
ووضعت ميلوني التعامل مع الهجرة غير الشرعية بندا رئيسيا في أجندة حكمها، وأثارت هذه القضية خلال زيارتها إلى الجزائر ومصر. ورافقها وزير الداخلية الإيطالي ماتيو بيانتيدوزي الذي يشرف على الكثير من إجراءات قضية الهجرة إلى ليبيا.