يبدو التقرير الصادر عن المفوضية الأوروبية والمصلحة الأوروبية للعمل الخارجي بشأن أهمية الاتفاقيات المبرمة مع المغرب، وتأثيرها الإيجابي على الأقاليم الجنوبية في المملكة، مدروسا بعناية من حيث توقيته في ظل الأزمة المستجدة بين الرباط والبرلمان الأوروبي.
يعكس التقرير الصادر عن الاتحاد الأوروبي بشأن أهمية الشراكة مع المغرب وانعكاساتها الإيجابية على أوضاع سكان الأقاليم الجنوبية للمملكة رغبة أوروبية في احتواء تداعيات الأزمة مع الرباط التي فجرها البرلمان الأوروبي مؤخرا.
وأكد الاتحاد الأوروبي على الاستفادة الكاملة لسكان الأقاليم الجنوبية للمغرب من الاتفاقيات المبرمة بين الرباط وبروكسل ووقعها الإيجابي على التنمية السوسيو – اقتصادية لهذه المناطق.
وقال الاتحاد في تقريره السنوي لعام 2022 إنه بفضل الطفرة المحققة اليوم أضحت مناطق الصحراء المغربية قطبا حقيقيا للازدهار والاستثمار في إطار الشراكة “رابح – رابح” مع الاتحاد الأوروبي.
وجاء التقرير الصادر عن المفوضية الأوروبية والمصلحة الأوروبية للعمل الخارجي في ظل أزمة متفاعلة بين المغرب والبرلمان الأوروبي على خلفية تقرير صادر عن المؤسسة الأوروبية تنتقد فيه وضع الحريات والصحافة في المملكة، واعتبرته الرباط مسيسا، وأنه يندرج في إطار حملة ممنهجة تتعرض لها داخل المؤسسات الأوروبية منذ فترة.
وشدد الاتحاد الأوروبي في تقريره على وقع التدابير المطبقة وآثارها المضاعفة من حيث الاستثمار، وتحسين ظروف العمل، والإدماج السوسيو – اقتصادي للمرأة، والدعم القوي للشباب وتطوير البنية التحتية.
وضمن مقاربته الشمولية، ذكر التقرير بأن مختلف الفاعلين الاقتصاديين وممثلي المجتمع المدني، بما في ذلك المنظمات غير الحكومية الناشطة في مجال حقوق الإنسان بهذه المناطق، أكدوا على الأهمية البالغة لاتفاق الشراكة المعروف بـ”الاتفاق الزراعي”، وتنفيذه المرضي وأثره الإيجابي على التنمية لجهات الصحراء المغربية.
وأكد الجهاز التنفيذي الأوروبي والمصلحة الأوروبية للعمل الخارجي، عكس الادعاءات الصادرة عن البرلمان الأوروبي، على جهود المغرب وإنجازاته الهامة في مجال الدفاع عن حقوق الإنسان على الصعيد الوطني، ودوره النشط على المستوى متعدد الأطراف، كما يتجلى من خلال انتخابه عضوا في مجلس حقوق الإنسان للفترة ما بين 2023 و2025.
وأكد محمد الطيار الباحث في الدراسات الإستراتيجية والأمنية أن السياق العام الذي يحيط بتقرير الاتحاد الأوروبي الجديد يأتي مباشرة بعد تلويح البرلمان الأوروبي بورقة حقوق الإنسان وموضوع الأقاليم الجنوبية المغربية، حيث ذهب الجهاز التنفيذي الأوروبي إلى التخفيف من تداعيات تصويت البرلمان الأوروبي السلبي في ما يخص حقوق الإنسان بالمملكة.
وشدد الطيار في تصريح لـه على أن عهد الابتزاز الذي كانت تمارسه بعض الدول الأوروبية باستعمال ورقة الصحراء المغربية، حين تم إبرام الاتفاقيات التجارية والاقتصادية، قد ولى بعد الاعتراف الأميركي بسيادة المغرب على كل صحرائه والتغيير الذي عرفته موازين القوى في المنطقة.
وفي الإطار ذاته أكد النعم ميارة رئيس مجلس المستشارين (الغرفة الثانية للبرلمان المغربي) أن “الجهوية تعطي اليوم للقائمين عليها شرعية الحديث باسم السكان ومطالبهم واختياراتهم، ضدا على متحدثين باسم شرعية متوهمة لا سند لها”، مشددا في ندوة جهوية نظمها مجلس المستشارين الخميس بمدينة الداخلة، أن جهة الداخلة – وادي الذهب أصبحت قبلة للاستثمارات الباحثة عن الفرص الاقتصادية، كما أنها تُقدم عرضا اقتصاديا غير محصور في قطاع دون آخر.
ويرى الطيار أن تقرير الاتحاد الأوروبي يظهر في شقه الاقتصادي والحقوقي أنه لا يتبنى ما ذهب إليه البرلمان الأوروبي وأيضا يعاكس قرار محكمة العدل الأوروبية في لوكسمبورغ قبل عامين، القاضي بإلغاء الاتفاقية الزراعية واتفاقية الصيد البحري المبرمة بين المغرب والاتحاد الأوروبي.
وأكد يونس بلفلاح أستاذ الاقتصاد السياسي بجامعة باريس 8 أن تقرير الاتحاد الأوروبي باعتباره جهازا تنفيذيا انتصر لرؤية المغرب في ما يتعلق بالاتفاقية الزراعية والصيد البحري، وأن هناك متابعة أوروبية لما يحدث في الأقاليم الجنوبية من تحولات إيجابية تفند ما تذهب إليه بعض الجهات داخل أوروبا.
وكانت المحكمة العامة للاتحاد الأوروبي أعلنت عن إلغاء اتفاقية الصيد البحري في سبتمبر 2021، بالإضافة إلى الاتفاقية التجارية الموقعة بين الاتحاد الأوروبي والمغرب لتضمينها في تطبيقها منتجات من الصحراء المغربية، مع الحفاظ على آثار الاتفاقات المذكورة “لفترة زمنية معينة للحفاظ على عمل الاتحاد الخارجي واليقين القانوني بالتزاماته الدولية”.
ويمثل التقرير الذي أصدرته المفوضية الأوروبية والمصلحة الأوروبية للعمل الخارجي هزيمة لكل مناورات الجزائر وجبهة بوليساريو، وبدعم اللوبي الأوروبي الداعم لأطروحة خصوم المملكة، في التشكيك في شرعية الاتفاقيات المبرمة بين الاتحاد الأوروبي والمغرب، والتي تشمل الأقاليم الجنوبية، وكذلك عقب قرار المحكمة الإدارية بلندن القاضي برفض تحركهما لدى القضاء ضد اتفاقية الشراكة التي تجمع المغرب بالمملكة المتحدة، والتي أكدت صحة هذه الاتفاقية التي تعود بالنفع على السكان وتتيح تنمية جميع مناطق المغرب.
وتدافع المفوضية الأوروبية عن أن الاتفاقية، التي طالبت محكمة الاتحاد الأوروبي بإلغائها، لها فوائد جمة للصحراء وسكانها من حيث الصادرات والنشاط الاقتصادي والتوظيف، إلى جانب الاستثمارات الكبيرة التي تقوم بها الحكومة المغربية في أقاليمها الجنوبية، مشيدة بـ”الخطط التنموية والاستثمارية للمغرب التي لعبت دورًا مهمًا في تنمية الصحراء والمنطقة ككل”.
ويرى بلفلاح أن بعض القرارات التي تصدر من جهات معينة في ما يتعلق بجوانب متعلقة بالصحراء تدخل في إطار حملة ممنهجة تستهدف سيادة المغرب على صحرائه أكثر منها ارتباطا بحقوق الإنسان أو بالتنمية الاقتصادية أو الحوكمة.
ولفت بلفلاح إلى أنه من خلال الزيارة الميدانية التي أجراها بعض أعضاء المفوضية إلى الأقاليم الجنوبية المغربية ثبت أن هناك دورا مهما لهذه الاتفاقيات وعائدها المهم على السكان من جانبين، الأول يتمثل في خلق فرص شغل مهمة بالمنطقة، والثاني يتعلق بجانب الاستثمار وتطوير قطاعات الزراعة والصيد البحري.
ويرفض المغرب منطق المساومة الذي تتعامل به بعض مؤسسات الاتحاد الأوروبي، ما دفع البرلماني الأوروبي الفرنسي تييري مارياني إلى التأكيد في تصريحات صحافية على ضرورة إعادة بناء العلاقة بين المغرب والاتحاد الأوروبي، وعلى “أننا في حاجة إلى بعضنا البعض. لدى الاتحاد الأوروبي شريك موثوق وهو المملكة المغربية، وهذه الشراكة ركيزة أساسية لسياسة الاتحاد الخارجية في أفريقيا”، مضيفا أنه “يجب أن نفعل كل شيء لإعادة بناء العلاقة التي تضررت إلى حد كبير”.