سعى رئيس أركان الجيش الجزائري سعيد شنقريحة خلال زيارته إلى باريس إلى إقناع المسؤولين الفرنسيين بقدرة بلاده على لعب دور يغطي على انسحاب فرنسا العسكري من منطقة الساحل، والمساعدة في التخفيف من موجة العداء لها بعد تراجعها في قيادة الحرب على الجهاديين وفي ظل المنافسة الروسية الآخذة في الاتساع.
وقالت مصادر رافقت قائد الجيش الجزائري إلى باريس إن شنقريحة عبّر عن استعداد بلاده للانتشار العسكري في منطقة الساحل والتغطية على الانسحاب الفرنسي وتخفيف تأثيراته، والتنسيق مع القوات المحلية في الحرب على الجهاديين، مذكرا بخبرات بلاده في الحرب على الإرهاب وامتلاكها معرفة دقيقة بالجماعات المسلحة.
وعرض شنقريحة، كذلك، أن تتولى بلاده دور مبعوث لفرنسا في الساحل والصحراء والمساعدة على وقف المشاعر المعادية لفرنسا في المنطقة، وهو العرض الذي أثار استغراب المسؤولين الذين التقوا به، خاصة أن فرنسا ما تزال تمتلك نفوذا وصداقات في المنطقة ولا تحتاج إلى أيّ جهة أخرى أن تستبدل دورها وتوحي وكأن باريس باتت معزولة في منطقة نفوذها التاريخي.
◙ المناورة الجزائرية مع فرنسا هدفها التخفيف من الغضب الغربي من إفساح المجال للروس للدخول إلى منطقة الساحل
وتروّج الجزائر لامتلاك خبرات في الملف المالي من خلال رعايتها لاتفاق بين الفرقاء الماليين في 2015، وهو المدخل الذي تعمل من خلاله على إقناع فرنسا بقدرتها على تطويق الأزمة بينها وبين المجلس العسكري في باماكو، وهي أزمة توسعت لتشمل دولا أخرى مثل بوركينا فاسو في ظل حصول البلدين على دعم روسي.
ومن الصعب على الجزائر أن تُنجد فرنسا وتحل أزماتها في الوقت الذي اتسمت فيه دبلوماسيتها بالانكماش في السنوات الأخيرة، وخسرت الكثير من المواقع والمعارك على الساحة الأفريقية لفائدة الدبلوماسية المغربية في موضوع الصحراء.
ويتساءل مراقبون عن التناقض في موقف فرنسا التي ترى أنها ضحية للتوسع الروسي في أفريقيا وفي نفس الوقت تمد اليد لأحد الأطراف الرئيسية الداعمة لموسكو في أفريقيا أي الجزائر.
وتدرك فرنسا خطر المناورة بالرهان على الجزائر، التي قد تظهر التعاون في الظاهر وتستمر بالسر في التنسيق مع روسيا وتأمين خططها في شمال مالي والبلدان المجاورة من خلال موافقتها على وجود مجموعة فاغنر في المنطقة، وعلاقاتها المفترضة مع المجلسين العسكريين في مالي وبوركينا فاسو.
ويلفت المراقبون إلى أن المناورة الجزائرية مع فرنسا هدفها التخفيف من الغضب الغربي، وخصوصا الأميركي، من إفساح المجال للروس للدخول إلى منطقة الساحل وصولا إلى بوركينا فاسو من بوابة الجزائر.
وتؤكد زيارة شنقريحة ازدواجية الجزائر، التي لا تزال حليفة روسيا الثابتة، رغم علامات التقارب مع الغرب (باريس وواشنطن)، حتى أن التحالف مع موسكو يعدّ من ثوابت الأجنحة المؤثرة داخل المؤسسة الجزائرية، بالإضافة إلى استعدادها لتوقيع عقد ضخم مع روسيا لتوريد أسلحة بقيمة تتراوح بين 12 و17 مليار دولار.
◙ من الصعب على الجزائر أن تُنجد فرنسا وتحل أزماتها في الوقت الذي اتسمت فيه دبلوماسيتها بالانكماش في السنوات الأخيرة
وفي محاولة لامتصاص غضب الأميركيين من الصفقة المفترضة، بدأ النظام الجزائري يبدي رغبته في التواصل مع واشنطن وعقد لقاءات حول الإرهاب، وهي مناورة مكشوفة لا يمكن أن تمنع واشنطن من التلويح بشبح العقوبات الاقتصادية ضد حلفاء روسيا وبينهم الجزائر عن طريق قانون مكافحة أعداء الولايات المتحدة.
وفي مسعى لتجنب إثارة غضب الغرب، أصبح الجيش الجزائري وقيادته أقل ترددًا في تنويع مصادر تسلّحه، خاصة وأن الحليف الروسي يواجه حاليًا صعوبات في تلبية احتياجات السلاح بسبب الحرب في أوكرانيا التي تقول المؤشرات إنها قد تستمر طويلا.
ويرى العديد من المراقبين أن الزيادة الأخيرة في ميزانية الدفاع الجزائرية، والتي تقدر بـ18 مليار دولار، هي من النقاط التي تعوّل فرنسا عليها لإبرام عقود أسلحة مع الجيش الجزائري.
لكن هناك مخاوف من أن تتولى الجزائر البيع أو تسليم الأسلحة التي ستحصل عليها من فرنسا، في حال تمت الصفقة، إلى جماعات مسلحة في المنطقة، مثل جبهة بوليساريو. وسيكون لهذه الفرضية تأثير سلبي على الاستقرار الإقليمي، كما أنها قد تستعمل في الهجوم على وحدة التراب المغربي، وهو ما يضع فرنسا في مواجهة أزمة جديدة.
وقال بيان لوزارة الدفاع الجزائرية إن قيادتي الجيشين الجزائري والفرنسي وقّعتا “ورقة طريق مشتركة” لتعزيز التعاون العسكري والأمني، وبحثا “السبل الكفيلة بتعزيز التعاون العسكري والأمني ليتكلل الاجتماع بالتوقيع على ورقة طريق مشتركة”. من دون الكشف عن أيّ تفاصيل بخصوص ورقة الطريق المعلن عنها.