هل يعترف المغرب بـ”دولة القبائل” بعد إعلان تبون دعم البوليساريو وتهنئة بن طوش
أردان ماجدة
في الوقت الذي كانت فيه قيادة جبهة البوليساريو مضطرة لتمديد مؤتمرها السادس عشر 3 أيام كاملة لتجاوز خلافاتها، والتي انتهت بمعاودة اختيار إبراهيم غالي أمينا عاما للجبهة الانفصالية، كانت الحركة من أجل تقرير المصير في القبائل تنتخب بسلاسة فرحات مهني زعيما لها لولاية جديدا، وبالتالي رئيسا للحكومة القبائلية في المنفى، الأمر الذي تجاهله الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون وهو يبعث برسالة تهنئة لغالي.
واستمر تبون في نهجه المعادي للوحدة الترابية للمغرب، فبعد أن صرح الأسبوع الماضي، في اجتماع مع الولاة بالجزائر العاصمة، بأن بلاده “لن تتخلى عن الصحراء المغربية”، وستستمر في دعم “حق تقرير المصير للشعب الصحراوي”، على حد توصيفه، وجه رسالة تهنئة إلى غالي باعتباره أمينا عاما لجبهة “البوليساريو” الانفصالية ورئيس ما يسمى “الجمهورية الصحراوية”.
وجاء في الرسالة “أحيي صمود الشعب الصحراوي الشقيق، الذي قال كلمته وأكد مرة أخرى تمسكه بحقه المشروع غير القابل للتصرف أو التقادم، في تقرير مصيره وفقا لقرارات الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي ذات الصلة”، وأضاف تبون “وإذ أجدد لكم التأكيد على موقف الجزائر الثابت، ودعمها المبدئي للقضية الصحراوية العادلة، تفضلوا فخامة الرئيس وأخي العزيز، بقبول أسمى عبارات التقدير والمودة”.
وقبل ذلك بأيام، وتزامنا مع مؤتمر البوليساريو، كانت حركة تقرير المصير في القبائل، المعروفة اختصارا بـ”الماك”، تختار فرحات مهني كزعيم لها خلال مؤتمرها الخامس الذي احتضنته فرنسا الأسبوع الماضي، في اوروبا وانتخابه أيضا “رئيسا للدولة” لولاية ثانيا، وفي أول خطاب له بعد انتخابه دعا القبائليين إلى الخروج للشارع للتظاهر والمطالبة بـ”الاستقلال” يوم 20 أبريل 2023، من أجل نيل حق تقرير المصير.
وتتشابه إلى حد قريب من التطابق خطابات مهني في فرنسا وغالي في تندوف على الأراضي الجزائرية، حيث يدعو الاثنان إلى “تقرير المصير” من أجل الانفصال عن جغرافيا الجزائر والمغرب تواليا، مع فارق جوهري هو أن “الماك” التي تستعد لتنظيم احتجاجاتها في تيزي وزو وبجاية وغيرها من مناطق القبائل، تشدد على الطرح السلمي، في حين تلوح جبهة “البوليساريو” بالعمل المسلح من خلال ميليشياتها الممولة من طرف النظام الجزائر.
وبعد إصرار تبون على الدعم العلني للأعمال العدائية للجبهة الانفصالية، التي تزعم خوض “حرب تحررية” ضد المغرب، تطفو العديد من التساؤلات على السطح بخصوص رد الفعل المتوقع من الرباط، التي لا تزال متحفظة في إعلان دعمها لـ”الماك” رغم سلميتها، حيث لم يصدر عن وزارة الخارجية المغربية أي اعتراف رسمي إلى حدود الآن، بما يسمى “جمهورية القبائل”.
لكن مسار تعامل المغرب مع هذا الملف، يُظهر أنه يسير، وإن بسرعة بطيئة، في اتجاه إعطاء مزيد من الدعم العلني للمطالب القبائلية، حيث شرع في طرح الأمر أمام الأمم المتحدة، وجرى ذلك بشكل صريح لأول مرة سنة 2015 حين دعا عمر ربيع، عضو اللجنة الدائمة الممثلة للمغرب في الأمم المتحدة، إلى مساعدة منطقة القبائل للحصول على حكم ذاتي أو الاستقلال.
وقال ربيع حينها “يجب أن يُسمع للشعب القبائلي وأن تُحقق مطالبه، وعلى المجتمع الدولي أن يساعده في ذلك ويرافقه في مشروعه السياسي الذي يجب أن يؤدي إلى الحكم الذاتي أو الاستقلال”، مبرزا أنه “لا بد من إسماع أصوات 8 ملايين شخص عاشوا في الصمت والخفاء طيلة سنوات”، الأمر الذي مثل نقطة البداية لحراك دبلوماسي أكبر في هذا الاتجاه.
وفي يوليوز من سنة 2021 ومباشرة بعد تعيين رمطان لعمامرة في منصب وزير الخارجية الجزائري، خاطبه السفير الممثل الدائم للمغرب لدى الأمم المتحدة، من خلال رسالة موجهة لرئاسة حركة عدم الانحياز، بالقول إن الوزير الجزائري “يقف كمدافع قوي عن حق تقرير المصير، لكنه ينكر الحق نفسه لشعب القبائل، أحد أقدم الشعوب في إفريقيا، والذي يعاني من أطول احتلال أجنبي”، وأضاف أن “تقرير المصير ليس مبدأ مزاجيا، ولهذا السبب يستحق شعب القبائل الشجاع، أكثر من أي شعب آخر، التمتع الكامل بحق تقرير المصير”.
وأغضب هذا الموقف الجزائر بشكل كبير، لدرجة تضمينه في قائمة المبررات التي دفعتها لقطع العلاقات مع المملكة في العام نفسه، لكن هلال أعاد طرحه مجددا لدى الأمم المتحدة في ماي من سنة 2022، حين حدث نظيره الجزائري قائلا “أنتم تطالبون بتقرير المصير لـ20 ألف شخص تحتجزونهم في مخيمات تندوف، لكنكم تصادرون حق سكان يبلغ عددهم 12 مليون نسمة”.
وأورد الدبلوماسي المغربي حينها، في رد على تجدد دعوات الجزائر لتنظيم استفتاء تقرير المصير بالصحراء، “شعب القبائل خضع للاستعمار العثماني ثم الفرنسي والآن الجزائري”، وأعرب عن أسفه لكون الأمر يتعلق بـ”أطول احتلال في تاريخ إفريقيا”، وتساءل “لماذا لا تسمح الجزائر لشعب القبائل بتقرير مصيره والتعبير عن نفسه واختيار مصيره بحرية، على غرار ما تطالب به لسكان مخيمات تندوف؟”.