يتوجه رئيس أركان الجيش الجزائري السعيد شنقريحة نهاية يناير إلى باريس حيث يلتقي نظيره تييري بوركار، وفق ما نقلت وكالة الصحافة الفرنسية عن مصدر عسكري، بينما من المتوقع أن يزور مسؤول كبير في الخارجية الفرنسية الجزائر العاصمة كذلك خلال الأيام القادمة، وذلك تهييئا لزيارة الرئيس الجزائري المقررة في مايو المقبل.
وزيارة شنقريحة تحمل دلالة رمزية، فهي غير مسبوقة منذ نحو 17 عاما، إذ تعود آخر زيارة لرئيس أركان جزائري إلى فرنسا للراحل أحمد قايد صالح في مايو 2006.
وساهمت زيارة قايد صالح في زيادة التقارب بين البلدين آنذاك، مع فتح أبواب السوق الجزائرية أمام صناعة الدفاع الفرنسية. وتفاوضت الجزائر في تلك الفترة على شراء فرقاطة فريم الشبحية، واختبرت مقاتلات الرافال، وطلبت شراء قمر صناعي من الشركة الأوروبية للصناعة الجوية الدفاعية والفضائية.
والتقى بوركار نظيره الجزائري شنقريحة يومي الخامس والعشرين والسادس والعشرين من أغسطس 2022، خلال زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى الجزائر. وقد ناقش حينها الجنرالان الوضع الأمني في منطقة الساحل وتعزيز التعاون بين الجيشين الجزائري والفرنسي.
وإضافة إلى الإعداد لزيارة الدولة التي سيجريها الرئيس الجزائري، من المنتظر أن يناقش رئيسا الأركان مرة أخرى الوضع في منطقة الساحل في نهاية يناير.
وتشهد منطقة الساحل الأفريقي تناميا لافتا لنشاط المجموعات الإرهابية، خاصة في شمال مالي والنيجر، إضافة إلى تفاقم عمليات تهريب السلع، وكذا أنشطة شبكات الهجرة غير الشرعية، والإجرام، وتجارة المخدرات.
وكان الرئيس الفرنسي قد أعلن في التاسع من نوفمبر الماضي رسميا، انتهاء عملية “برخان” العسكرية التي تقودها بلاده في منطقة الساحل، وقال إن الإستراتيجية الفرنسية الجديدة في أفريقيا ستكون جاهزة في غضون ستة أشهر بعد مشاورات باريس مع شركائها في القارة.
وتشمل التحضيرات زيارة للأمينة العامة لوزارة الخارجية آن ماري ديسكوت إلى الجزائر في الخامس والعشرين من يناير “بدعوة من نظيرها الجزائري عمار بلاني”، بحسب ما أفادت وزارة الخارجية الفرنسية لوكالة الصحافة الفرنسية الأربعاء.
ومن المنتظر أن تؤدي الزيارة إلى طي صفحة التوترات بين باريس والجزائر، بعد فتح السلطات الجزائرية في فبراير الماضي مجالها الجوي أمام الطائرات العسكرية الفرنسية لأول مرة منذ شهر أكتوبر عام 2021، وذلك على خلفية إدلاء ماكرون بتصريحات “أُسيء فهمها” أمام الجالية الجزائرية في باريس.
وكان الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون ونظيره الفرنسي ماكرون حددا في اتصال هاتفي الأحد موعد زيارة الدولة في مايو.
ويأمل ماكرون في مواصلة العمل على الذاكرة والمصالحة بين البلدين، لكنه في آخر تصريحات له في مقابلة مع أسبوعية “لوبوان” الفرنسية الأسبوع الماضي، قطع كل التكهنات بتقديمه اعتذارا للجزائريين عن استعمار فرنسا لبلدهم بعد طي صفحة الخلافات مؤخرا، مؤكدا أنه لن يطلب “الصفح”، معتبرا أن عبارة الاعتذار ستقطع كلّ الروابط وأن عمل الذاكرة والتاريخ ليس جردة حساب.
وفي 2020 تلقّت الجزائر بفتور تقريرا أعدّه المؤرّخ الفرنسي بنجامان ستورا بناء على تكليف من ماكرون، دعا فيه إلى القيام بسلسلة مبادرات من أجل تحقيق المصالحة بين البلدين. وخلا التقرير من أيّ توصية بتقديم اعتذار أو بإبداء الندم، وهو ما تطالب به الجزائر باستمرار.
وفي يوليو الماضي استقبل الرئيس الجزائري المؤرخ الفرنسي الذي حمل له رسالة من ماكرون، وقال ستورا إن تبون شرح له “الأهمية الكبرى للعمل على ذاكرة كامل مرحلة الاستعمار، وليس الاقتصار على حرب الجزائر وحدها (1954 – 1962)”، وهو ما يؤيده ستورا نفسه.
وأعادت زيارة إيمانويل ماكرون إلى الجزائر في أغسطس العلاقات الثنائية إلى مسارها الطبيعي، بعد أزمة مرتبطة بتعليقات أدلى بها في أكتوبر 2021.
وأشاد الرئيس الجزائري في نهاية ديسمبر بـ”علاقة الثقة” الجديدة بين البلدين، بعد أربعة أشهر على زيارة ماكرون للجزائر، وأعلن عزمه على القيام بزيارة دولة لفرنسا عام 2023 في مقابلة مع صحيفة “لوفيغارو”.
وكان الرئيسان قد أعادا إطلاق التعاون الثنائي في إعلان مشترك صدر في نهاية أغسطس يمهد خصوصا لتخفيف نظام التأشيرات للجزائريين، مقابل زيادة التعاون من الجزائر في مكافحة الهجرة غير القانونية.